هل يمكن تجسير الهوة السحيقة بين الإسلام والغرب؟ وهل من الصواب وضع كافة (الإسلاميين) في سلة واحدة؟ وهل يوجد فارق بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة؟ وهل قدَّم الإسلاميون لمجتمعاتهم النفع، أم أنهم فقط جلبوا لها المشكلات؟ كيف يمكن لليبراليين الغربيين الوقوف في وجه الحركات الإسلامية التي تتمتع بشعبية حقيقية، ولا تتبنى العنف منهجًا، وتلتزم بالعمل في إطار المؤسسات الديمقراطية؟ ما هي التسويات التي يمكن أن يعتمدها الغرب في التعامل مع القناعة الدينية، دون خيانة مبادئه الأساسية؟ أسئلةٌ عميقة، يجيب عنها الكاتب "مارك لينش" أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية، ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطنبالولاياتالمتحدةالأمريكية، من خلال دراسة جملت عنوان (الحقائق المقنعة: صعود الإسلام السياسي في الغرب)، ونشرتها مجلة فورين أفيرز- عدد يوليو/أغسطس 2010. تغيُّر اللهجة في ربيع هذا العام، وصل "طارق رمضان" إلى الولاياتالمتحدة بعد 6 سنوات من رفض إدارة بوش منحه تأشير دخول؛ على خلفية تبرعه لمؤسسة خيرية فرنسية تربطها صلة بحركة حماس. ثم، في يناير المنصرم، أعلنت وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" أن رمضان مرحبٌ به. ويبدو أن ظهوره في الولاياتالمتحدة يوضح تغيُّر لغة الخطاب التي ينتهجها البيت الأبيض حيال العالم الإسلامي. في يونيو 2009، تحدث الرئيس أوباما في القاهرة عن التواصل مع المسلمين عبر (المصالح والاحترام المتبادلين). وربما يمثل أشخاص ك "طارق رمضان" وسيلة لتجسير تلك الفجوة التي كانت يومًا سحيقة، رغم أن خطابه المتعلق بكتاب مثل "إيان بوروما" و "تيموثي جارتون آش" لا يوحي بالروح الليبرالية ولا التسامح اللذين يدعي الإيمان بهما. هجوم ضارّ مثل هذا الكلام ربما لا يرق لأمثال "بول بيرمان". ففي كتابه المعنون (رحلة المفكرين)، والذي يستند إلى مقالٍ مكون 28 ألف كلمة نشرته مجلة "ذي نيو ريبابلك" منذ أعوام ثلاث خلت، يعتبر "بيرمان" الإسلاميين الذين ينتهجون العنف ليسوا هم الخطر الأكبر، بل أولاد عمومتهم الذين يُطلَق عليهم "معتدلون"، والذين بإمكانهم جرّ الليبراليين إلى متاهات سامة. فرفض هؤلاء للعنف مضلل وجزئي- لا يشمل إسرائيل ولا القوات الأمريكية في العراق- ومشروعهم الإسلامي الذي يتبنى تغيير المجتمع من القاعدة يمثل خطرًا أعمق تجاه المسلمين المجبرين على العيش في بيئة تزداد تحفظًا. لذلك يهاجم "بيرمان" منهجية كثيرين في الولاياتالمتحدة وأوروبا في مواجهة من يعتبره العدو الخطأ، ويرى أن الاستجابة الدفاعية الوحيدة في مواجهة ذلك تتمثل في طرح رؤية ليبرالية نقية لصد المسلمين المتسللين الذين يرتدون ثوب الاعتدال. مثل هذا الهجوم، في الواقع، لا يخدم المهتمين بصعود الإسلام السياسي في الغرب. وفي حين لم يتطرق "بيرمان" إلى النقاشات الهامة حول تأثير الإسلام في أوروبا والعالم، فإن قراءاته حول الإسلام السياسي (الإسلاموية) تعتمد على مجموعة متواضعة من المصادر المترجمة والتي تمثل نقطة في بحر هذا المشروع، وبالتالي تفشل في إدراك سياقاتها السياسية والفكرية. كما أن عينيه قاصرتين عن رؤية التباين الدراماتيكي والمنافسة بين وداخل تلك المجموعات. هذا العمى يغذي أسوأ غرائز المتشددين الذين يشعلون نيران صدام يمكن تجنبه بين الإسلام والغرب. أسئلة عميقة غالبًا ما يتحدى الإسلاميون، حتى من يرفضون العنف منهم، الليبراليين الغربيين بالدفاع عن معايير اجتماعية وأجندات سياسية تعارض مع المبادئ التاريخية لليبرالية. ما هي التسويات التي يمكن اعتمادها في التعامل مع القناعة الدينية دون خيانة مبادئ التنوير الأساسية؟ من المستحيل دعم الديمقراطية دون الاستعداد للدفاع عن حق الحركات الإسلامية في المشاركة والفوز في الانتخابات. ومع ذلك ينبغي أن يشعر الليبراليون الغربيون بالقلق حيال الأجندات الدينية والثقافية للعديد من تلك المجموعات، حتى وإن دعمت تلك الأخيرة التطلعات السلمية للمسلمين حول العالم. إذا لم تكن الحرب الثقافية ضد الإسلام هي الحل، فكيف يتسنى لليبراليين الغربيين الرد على الحركات الإسلامية التي تتمتع بشعبية حقيقية، ولا تتبنى العنف منهجًا، وتلتزم بالعمل في إطار المؤسسات الديمقراطية؟ المنارة التي يسترشد بها "بيرمان" للإجابة عن هذا السؤال، هو "رمضان"، المفكر الإسلامي الذي وُلِد في سويسرا عام 1962، ذو الأصول الإسلامية، ذلك أن جده لأمه هو "حسن البنا"، مؤسس "الإخوان المسلمون" في مصر عام 1928، وأبيه هو "سعيد رمضان" الشخصية البارزة في نفس الجماعة. ويبحث "بيرمان" عن "رمضان" الحقيقي في سيرته الذاتية (البنا وسعيد رمضان)، وتأثره الفكري (يوسف القرضاوي)، وأطروحته غير المنشورة، وكتبه، وفي تلك المكتبة المتضخمة من الانتقادات المصوبة إليه، لكن ليس عن طريق محادثته مباشرة. ورغم ذلك، بعد سنوات من الجهد، وبضع صفحات من التفتيش، انتهى "بيرمان" إلى أن "رمضان" شخصية مراوغة، وهو على يقين أن "رمضان" يخفي أجندته الحقيقية، رغم عجزه عن تقديم أي دليل دامغ على ذلك. هو يعترف بعدم تورط "رمضان" في "التخطيط لأي مؤامرة"، أو العمل وفق "خطة سرية"، وأن طموحه يقف عند حدود ما يعلنه. لكن هذا الطموح المتمثل في المشروع السلمي للصحوة الإسلامية في أوربا، هو بالتحديد ما يقلق "بيرمان". سلة واحدة لفهم الإسلام السياسي يوجد نهجين اثنين: الأول، يرى الإسلاميين كمشروع واحد يضم متغيرات متعددة، حيث تمثل نقاط الاتفاق أهمية أكثر من نقاط الاختلاف. وفي ضوء هذه الرؤية، يمثل الإخوان المسلمون والقاعدة وجهتي نظر مختلفتين، لكنهما يخرجان من مشكاة واحدة، تفرق بينهما التكتيكات أكثر ما تفعل الأهداف. هذا الفهم يجعل من الممكن-إن لم يكن حتميًا- النظر لأسامة بن لادن يختبئ تحت جلباب "رمضان". فيما يرى النهج الثاني فروقا- تترابط منطقيًا- في أيدلوجية وسلوك الأطياف الإسلامية المختلفة. وبفخرٍ، يتبنى "بيرمان" النهج الأول، المتمثل في وضع كافة الإسلاميين داخل سلة واحدة. فبالنسبة له، تتنوع وجوه الإسلاميين، بين السفاح المسعور قاتل المخرج الهولندي "ثيو فان جوخ" والمتطرفين الملتحين المجهولين الذين يرهبون مجتمعاتهم، وبين القرضاوي "البشع" ورمضان "الأملس". رغم أن دفاع رمضان عن المشاركة في المجتمعات الليبرالية يضعه في خندق المواجهة مع المتطرفين الذين يحاول "بيرمان" ربطه بهم. (في نفس السياق) تنشئ جماعات مثل "الإخوان المسلمون" عيادات، وجمعيات خيرية، ومدارس، وخدمات أخرى، بجانب نشاطها الدعوي، وهو النهج الذي يجده مألوفًا كل من تعامل مع الإنجيليين الأمريكيين. فارقٌ جليّ بين المرأة التي أُجبِرَت على ارتداء النقاب خوفا من إحراق وجهها بالحمض، وبين تلك التي ارتدته احترامًا لأوامر الرب، والتفريق بين الاثنتين من الخارج أمر في غاية الصعوبة. هذه هي الموضوعات المطروحة للدراسة الجادة، لكن "بيرمان" لم يحاول حتى. فهو لا يرى سوى مجموعة من الغوغاء المتعصبين، وليس أفرادًا وجدوا معنى لحياتهم في ظل سياقات معينة وتحديات خاصة. لم يخطر في باله قط أن الإسلاميين ربما يقدمون شيئًا مفيدًا، أو أن الجماعات الإسلامية ربما تكون هي الوحيدة التي تعمل على الأرض لتحسين حياة البعض. وبالنسبة لكثير من المسلمين حول العالم، ربما يقدم الإسلام السياسي حياة أفضل هنا والآن، وليس فقط في الحياة الآخرة، بشكل أفضل مما قد يقدمه عديد من البدائل الأخرى. مسلمو الغرب لن يغادروا. ولذا فمن الضروري إيجاد طريقة كي تصبح تلك المجتمعات شريكًا كاملا في الأمن والازدهار اللذين تقدمهما المجتمعات الغربية. وإذا كانت الديمقراطية تعني شيئًا، فيجب أن تكون قادرة على السماح للمسلمين بالسعي سلميًا نحو تحقيق مصالحهم وتعزيز أفكارهم، حتى إذا كان الليبراليون المدافعين عن حق المسلمين في القيام بذلك يمتلكون أيضًا الحرية في معارضتهم. ربما لا يمثل "رمضان" المسار الوحيد الموصل لتلك النهاية، لكنه يمثل أحدها. وهذا هو سبب ظهور مؤيديه من الليبراليين الغربيين، الذين يثيرون حفيظة "بيرمان" بتشجيعهم "رمضان"، كأدلة دامغة على وجود مستقبل مثمر المصدر: الإسلام اليوم