عرضنا فى خاتمة المقال السابق عديد من الايضاحات التى تدحض الحمله الاعلاميه المحليه التى يُرَوًج لها وهى حملة "امنع معونه "فذكرنا –بكل الموضوعيه والتجرد –تسجيل تاريخى لاوجه المسانده الاقتصادىه المقدمه من امريكا لصالح مصر ،ونستكمل اليوم بعرض ومناقشه "الشق الاقتصادى من المعونه الامريكيه السنويه التى تقدم لمصر" . واجد من الانسب ان ابدأ بعرض تفاصيل الاعمال التى وزعت عليها المعونه منذ نشأتها ،كما هى موضحه بتقرير هيئة المعونه الامريكيه على النحو التالى:-- وفقا لتقرير الهيئه المذكوره عن نشاطها خلال 25 عاما (1975-2000) فقد توضح ان الشراكه مع مصر بدأت عام 1975،غير انه عقب توقيع معاهدة الصلح المصريه الاسرائيليه عام 1979 ، وافق الكونجرس على زيادة المساعدات الاقتصاديه لمصر ،وظلت مصر تتلقى حتى عام 1999مبلغ (815)مليون دولار سنويا بما يصل خلال ربع القرن الى 22,7مليار دولار،إتجهت ، فى السبعينات لتطهير قناة السويس وإعادتها للملاحه البحريه،والمساعده فى توفير البنيه الاساسيه فى مجالات الطاقه والمياه والاتصالات وبناء صوامع الغلال. وخصصت فى الثمانينات لتحسين مستوى حياة المصريين وخاصه فى المناطق الريفيه ،وللزراعه والصحه والتعليم ودعم الجهود المصريه للاصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى للاقتصاد،واعطاء القطاع الخاص دورا اكبر فى كافة المجالات الاقتصاديه ، وتحقيق الخصخصه ودخول إقتصاد السوق ،وزيادة العماله والتوظف عن طريق تقديم القروض للمشروعات الصغيره.وفى التسعينات اعطت التفاتا اكثر لجهود الحكومه للاسراع بالتنميه الاقتصاديه وبيع وتصفية القطاع العام و زيادة الصادرات ،و كفاءة استخدام المياه ،وتحسين الخدمات الصحيه والتعليميه وتخفيض التلوث ودعم النظمات غير الحكوميه لتلعب دورا اكثر فاعليه فى النشاط التنموى. توزيع المعونات الاقتصاديه خلال الربع قرن (1975 -2000) (أ) 6,7 مليار دولار للواردات السلعيه بنسبة 27,6% من الاجمالى . ويمثل هذا البند برنامج الاستيراد السلعى الذى كان مخصصا فى البدايه لتمكين مشروعات القطاع العام من استيراد المعدات ةالمستلزمات الانتاجيه،ولكنه اصبح منذ فتره مخصصا لتمويل الواردات التى تحتاج اليها مشروعات القطاع الخاص (ب)5.9مليار دولار لمشروعات البنيه الاساسيه شامله مياه الرى والصرف الصحى ،والصحه العامه،والاتصالات والنقل ،والطاقه الكهربائيه وذلك بنسبة 24,3 %من اجمالى المعونه. (ج)4.5مليار دولار للخدمات الاساسيه كالصحه وتنظيم الاسره والتعليم والزراعه والبيئه وذلك بنسبة 18.5 %من اجمالى المعونه. (د) 3.9مليار دولار للمعونات الغذائيه وذلك بنسبة 16 %من اجمالى المعونه (ه)3,3مليار دولار تحويلات نقديه ومعونات فنيه فى مجال اصلاح السياسات والتكيف الهيكلى كالتدريب وتقديم الاستشارات وذلك بنسبة 13.5%من اجمالى المعونه. - واعتبارا من عام 1999 تم تخفيض المعونه الاقتصاديه بناء على اتفاق بين مصر وامريكا وذلك بنسبة 5% كل سنه ، او بنحو 40 مليون دولار ، بحيث تصل الى النصف بحلول عام 2009ومن ثم كانت 735مليون دولار فى عام 2000 ، ثم 695 مليون دولار فى عام2001، ثم 655 مليون دولار فى عام 2002 ثم 615مليون دولار فى 2003، وهكذا .... فيما استمرت المعونات العسكريه على حالها ثابته عند مستوى1,3مليار دولارسنويا، (وقد وصل مجموعها وحدها الى نحو 35 مليار دولاركما وصل اجمالى المعونه بشقيها الى اكثر من 50 مليار دولار) نأتى الان الى تساؤل حان طرحه :هل المعونه الاقتصاديه كلها فوائد ومنافع ؟ وللاجابه على هذا التساؤل نعرض لوجهتى نظر مطروحتان فى الساحه (ونرجئ عرض ومناقشة الثالثه لمقال لاحق لضيق المساحه) : 1-يقطع فريق من الخبراء بتحقيق المعونه خلال السنوات المنقضيه للعديد من المنافع التى لا يمكن انكارها فهى واضحه من خلال القطاعات المختلفه التى ذهبت اليها والتى سردناها توا بصدر المقال . 2 - و يتبنى آخرون نَظَرٌ مغاير، فهم يروا ان المستفيد الاول من اموال المعونه هم المواطنين الامريكيين وان 70% منها (بتقديرهم وبلا سند علمى )يعود مره اخرى للولايات المتحده ، وهى معونه مشروطه( محمله بالعديد من الاشتراطات ) كما وانها لم تلعب دورا مؤثرا فى تحقيق التنميه وكان هناك حرص على ان لا تتجه هذه المعونه للتصنيع . وادت السياسات الاقتصاديه والاجتماعيه التى فرضتها هذه المساعدات الى تراجع التنميه والعجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات،وانخفاض قيمة الجنيه المصرى ، والفشل فى سياسه التصدير، والرهان على الاستثمارات الاجنبيه,وزيادة الفقر والبطاله،وانخفاض مستوى معيشه الطبقات الشعبيه والفئات الوسطى ،والتراجع المستمر للهامش الديمقراطى الذى كان متاحا فى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات .ولم تزد المساعدات النقديه المباشره خلال هذه الفتره عن مليار و 815مليون دولار ، بينما خصصت باقى المساعدات (21مليار و185 مليون دولار) للاستيراد من الولاياتالمتحده ، مع الاخذ فى الاعتبار ارتفاع اسعار البضائع الامريكيه وكذلك تكاليف النقل والتامين مقارنه باوربا واليابان.و تم استهلاك ما بين25% و 40% من القيمه الاساسيه للمشروعات المنفذه كمكافئات لبيوت خبره امريكيه فرضتها هيئة المعونه الامريكيه .وتم استخدام جانب مهم من المساعدات لتمويل استيراد فائض الحبوب الامريكيه. وتستهلك الرشاوى وعمليات الافساد نسبه عاليه
ونحن من جانبنا نرى ان كل فريق قد إقترب من جزء من الحقيقه ، وتعامى عن الباقى ،ففيما ان الفريق الاول يصور المعونه كلها خير سواء عند نشأتها ثم فى بواكير صباها ثم عبورا بها الى ريعان شبابها ، فإن الفريق الثانى يَصِمُهَا عند محطاتها المتأخره ومقاربتها خَرَفْ الشيخوخة ، وهو- اى الفريق الثانى -يلقى باللائمه فى سوء استغلالها على امريكا ويتجاهل اننا متهمين بتحمل شطرا كبيرا من الاثم بطريق التفريط والاهمال ، بيد انه –فى كل الاحوال-لا يعقل منطقا ان نرفض مطلقا معونه مقدمه الينا مجانيه وإلا عُدِدْنا من ناقصى العقل او الاهليه خصوصا حال ظروفنا الاقتصاديه الحاليه ، الحالكة السواد، كيف لنا ان نرفض يد تمتد الينا لتساهم فى إخراجنا مما نحن فيه .؟ لقد كان من الاجدر لحملة "امع معونه" ان يكون القا ئمين عليها من مواطنى اسرائيل فهى تصب فى صالحهم اما حملتنا فَحَرِيَا بنا ان نختارلها عنوانا اشد تعقلا وتدبرا ودهاءا ، وليكن "امنع مشروطية المعونه " ،ليكون اوقع تعبيرا عن مصالحنا ومطالبنا واهدافنا . وبكل تأكيد فإن لمصر الكثير من عوامل القوه التى يجب ان نحسن استخدامها لتمكننا من تعديل بنود المشروطيه بما لا يخل باستراتيجياتنا ،لتغدوا المعونه اضافه لاقتصادنا وليس خصما منه،و كما هو معروف فالعلاقات الدوليه لا تحكمها العواطف او الاهواء او حسن النوايا بل المصالح والمنافع.ولن تعطى امريكا –أو اى دوله- معونه بلا مقابل (فليس لنا عيوناً ساحرة الاحورار حتى يهيموا فينا عشقا وصبابه )لذا فليس عيبا ان تسعى امريكا من خلال المعونه لتحقيق مصالحها وهى الطرف العاطى ، بل و لتحقيق اقصى قدر من المصالح و بأقل قدر من العطايا ، ولكن العيب كل العيب ان نجهل نحن قيمة ما نقدمه من مقابل لتلك المعونه ،او لا نحسن الموازنه بين ما نقدم وقدر ما نأخذ ، أو بمعنى اكثر دقه واكثر عمليه ان نغفل اننا نبيع خدماتنا المقدمه لامريكا بسعر رخيص ، ومن ناحية اخرى فإن العيب كل العيب ايضا ان نظل على حالنا متلقين للمعونات دون ان يشتد عودنا ونعتمد على ذاتنا ،ونهمل استغلال ما حبانا الله به من ميزات او موارد لرفعة شأننا الاقتصادى، واذا كان العائد علينا من المعونه لم يسهم جديا فى تحقيق تنميه اقتصاديه أو ان يكون قد تم اهداره اهمالا او فسادا ،فلا نلوم امريكا ولكن نلوم انفسنا ،ومسئولينا الذى كان يناط بهم تحمل تلك المسؤليه ، وقديما قال الشاعر العربى " نعيب زماننا والعيب فينا ..وما لزماننا عيب سوانا "...... ....... والى مقال قادم، لعرض وجة النظر الثالثه – وهى تختلف نوعيا عن الاثنان السابقان-والتى ترى المعونه الاقتصاديه كواحده من اهم الادوات التسويقيه فى الجهود الترويجيه للدول الكبرى (الغنيه)الراميه لفتح اسواق الدول الناميه للمزيد من صادراتها السلعيه والخدميه. (وللحديث بقيه) .