هل يجادلُ أحد فى وجوب مراجعة الاخوان المسلمين أخطائهم ؟ سأطلبُ من القارئ – مهما كان انتماؤه - تأجيلَ النظر فى اجابته عن هذا السؤال لحين انتهائنا من هذه الحزمة من المقالات حول هذه المسألة الحيوية الشائكة .. والمصيرية . جانب أساسى من أسباب عدم المُصارحة والشفافية الاخوانية ، وعدم الكشف الكامل عن الحقائق بتفاصيلها المثيرة والمدهشة والمهمة ، وعدم الاعتراف الذاتى بأخطاء الماضى الكثيرة والخطيرة والتراجع عنها ، يتعلق بأهمية الاخوان المسلمين وثقلهم فى المشهد المصرى ، تاريخاً وفكراً ونضالاً ومقاومة وصراعاً سياسياً محموماً ، بشكل يعز على أصحاب الشأن مباشرة هذا الملف الشائك بأنفسهم ، خاصة فى فترات ذروة الصراع لتجنب التأثير على معنويات المؤدين والأتباع ، ولعدم اهداء الخصوم هدايا مجانية . يعملُ الاخوان ألفَ حساب لبُعديْن هامين على مسار التكتم والاعراض عن ملف المراجعة ؛ فالاخوان يريدون حركة اسلامية خاضعة لهم غير متفوقة عليهم ، واسلاميين ينظرون الى الجماعة الأم على الدوام نظرة انبهار وشغف ، ولذلك نادراً ما يعترفون بأخطائهم فى محيط الحركة الاسلامية حتى لا تسقط هيبتهم . وهم يريدون شعباً متعاطفاً معهم ، مؤازراً لمواقفهم ، داعماً لاختياراتهم ، فلا داعى للتنبيش فى الماضى وتقليب الأخطاء وذكر المساوئ ؛ فهذا يؤدى لفقد مزيد من الأنصار لصالح المنافسين السياسيين . لن تجدى محاولات الالحَاح على الاخوان لمراجعة أخطائهم فلن يفعلوا ، وعلى الحركة الاسلامية التى تضررت كثيراً من أغلاط " الأستاذ " وسقطتْ فى كثير من الاختبارات بسبب متابعته على الخطأ ، وعلى الشعب الغافل عن كثير من الحقائق المهمة التى تتعلق بحاضره ومصائر أجياله ، أن يقفوا مع الاخوان المسلمين وقفة تاريخية جادة للمراجعة ، توثق الأخطاء وتوزع الخطايا بالعدل على المتصارعين ، ثم ليستكشفوا ذواتهم وليتخذوا قراراتهم النهائية بالانحياز أو الحياد أو التأييد ، التى لن تكون هذه المرة الا فى صالح الوطن ، لا لهذا الحزب الذى كذب من أجل السلطة ، أو ذاك التيار الذى أخفى الحقائق لخداع الجماهير . المفكر الاصلاحى الكبير الشيخ محمد الغزالى ، هو أحد العلامات البارزة على طريق مراجعات الاخوان المسلمين – لذلك يعمدون تغطيتها وتجاهلها – يؤكد أن المراجعة ليست تراجعاً عن الثوابت والأصول ، بل هى الحساب العقلى الشديد على الموقف من أنفسنا ومن ديننا ، وماذا فعلنا وماذا تركنا وماذا قدمنا وماذا أخرنا ؟ وهى ضرورية ولا مفر منها حتى لا يطول الشرود عن الحق حال مفارقته ، لنعرف بدقة ما الخطأ الذى ارتكبناه وما الصواب الذى نتشبث به ؟ وأولى خطوات المراجعة الاعتراف بالخطأ والأغلاط المتدرجة فى شناعتها ومأساويتها – من وجهة النظر السياسية - ، والأخطاء كثيرة ومفزعة ومتغلغلة ، وكل محاولة للنهوض دون اجراء هذه المراجعات لا طائل من ورائها ، بل هى فقط تكرار للمأساة . جميل هو تعليق الشيخ الغزالى على هذا الموقف النادر الذى جمعه بالشيخ حسن البنا ، فقد التقاه قبل يوم استشهاده وعانقه وأفزعه أنه يعانق عظاماً معلقة عليها ملابس ؛ فقد كانت الهموم قد اخترمت جسد الرجل فلم تبقِ منه الا شبحاً يحملُ وجهه المغضن العريض ، وقالَ له – يحدثه كما يحدث أى تلميذ له - : " لو استقبلتُ من أمرى ما استدبرتُ لعدتُ بالجماعة الى أيام المأثورات " ! بعدَ تلك الجملة من فم البنا التى أعقبتها الرصاصات ، ندركُ أن لو كان عاشَ بعدها رحمه الله ، لقادَ بنفسه الحركة الاصلاحية ومعركة المراجعات داخل جماعته . لكن لنقرأ تعليق الغزالى ونحن نلقى نظرة اليوم على الاخوان والاسلاميين ، ثم نظرة على الناس والعوام .. يقول : " استبنتُ ما يعنى – يقصد الشيخ البنا - ؛ لقد واجهتْ قلة من المؤمنين طوفاناً من المتاعب والمآسى نما مع الليالى السود ! أين الناس ؟ أين المسلمون ؟ وهؤلاء المصلون الخارجون من المساجد أما يهتمون بدينهم الموشك على الغرق ؟ انهم كثيرون لكن لا وعى ولا حراك ! ان السواد الأعظم يحتاج كلَ الاحتياج الى احياء تربوى طويل ، والمعركة قبلَ ذلك قليلة الغناء " .
هشام النجار عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.