في خضم الحادثة الأخيرة في الإسكندرية ، سمعنا اقتراحات بإلغاء آيات قرآنية من سجل الوجود العلني ، وإسكات لأعداد كبيرة من خطباء المساجد ، وإسكات صوت الآذان من المآذن ، وإبعاد ما سمي بالشعارات الدينية والجماعات أو الجمعيات الدينية ، وإلغاء الأحاديث الدينية من الإعلام ، وتغيير الخطاب الديني.. إلخ. وبدت المسألة كما لو أن مزادا شيطانيا قد فتح وتبارى المتنافسون في طرح أثمان ومفردات الأذى والمنع والقمع والكبت والإلغاء والمراقبة والحجر والمعاقبة وما شابة. وبدل دراسة الواقعة المثارة ذاتها ، والبحث في حقيقتها وبواعثها بموضوعية ودون تهويل أو إيغال في العموميات ، تحولت القضية إلى استحضار أشكال من العقاب الجماعي للأمة بأسرها . ولا يقتصر الأمر عادة على الإلقاء الجزافي لمقترحات الأذى ، بل سيتعداه إلى التحريض السافر للنظام على الطرف الموصوف بالجاني ، وهو ليس فردا هنا بل أمة ودينا بأسره. ويقترن التحريض بالابتزاز والتخوين ، بأنه إذا لم تنفذ هذه الاقتراحات فسوف ينتقم النظام الدولي الجديد منه ، ويتدخل بمؤسساته الدولية وجماعاته المدنية وجمعياته غير الحكومية وإعلامه الفضائي ، لمعاقبة من يتأخر عن اتخاذ قرارات العقاب الجماعي المقترحة ، وكما هي العادة ، وتحت تأثير هاجس إتمام التوريث على خير ، تأتي الاستجابة السريعة . وتذكرنا هذه العملية برمتها بإجراءات العقاب الجماعي التي اتخذتها سلطات الاحتلال الأمريكي لألمانيا واليابان عقب انتصارها في الحرب العالمية الثانية مع الفارق ، وهو أننا هناك نواجه بجرائم دول ، أما هنا فنجابه جرائم لأفراد لا تسأل عنهم عقيدتهم ولا أمتهم ولا وطنهم. غير أن هذا يحدث وندخل دائرة العقاب الجماعي الذي يعيدنا إلى عصور الهمجية والبربرية ، لكن أسلوب ومبدأ العقاب الجماعي الذي تدعوا إليه وبإلحاح دوائر تصف نفسها بأنها تمثل المجتمع المدني أو حتى حقوق الإنسان ، ليس بجديد في مصر ، بل هو متأصل في الديكتاتورية وفي أساليب القمع الأمني المعروفة. ويمكن التدليل على انخراط البعض في أساليب العقاب الجماعي ممن كان يفترض فيهم أن يكونوا بعيدين ، ما أشرنا إليه هنا منذ أسابيع قليلة من تصريحات لنائب رئيس ما يسمى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان ، يعلن فيها عن قيام هذا المجلس بجهود تغيير الخطاب الديني الإسلامي ، دون أن يكون المجلس جهة لها علاقة بهذا الشأن ، فكيف يتم فيها فرض منهج معين على هذا الخطاب. [email protected]