فجأة أعاد وزير الأوقاف طرح مشروعه القديم حول ما يسمى بتوحيد الآذان وهو المشروع الذي كان قد سقط شعبيا وفكريا رغم استصدار الوزير لفتوى تؤيده. وأسباب العودة المفاجئة لهذا المشروع واضحة ، فالوزير يتصرف وفق التكتيك العسكري المعتمد لدى النظام وهو سحب المشاريع والقرارات المرفوضة شعبيا لفترة قصيرة ثم إعادة طرحها بعد هدوء المعارضة لها واستغلالها لإنشغال الساحة بأمور أخرى (وهو حادث الآن في أكثر من قضية من أزمة القضاة إلى أنفلونزا الطيور) وهذا التكتيك العسكري المنقول حرفيا عن أساليب جيش الدفاع الملعون إياه إلى الشرق يطبق بشكل آلي على كل خطوات ومخططات الحكم هذه الأيام وهو يطبق الآن بالمناسبة على أكبر هموم الحكم وهي خطة التوريث. وبجانب هذا التكتيك فإن العودة المفاجئة لمشروع توحيد الآذان جاءت في سياق ما أسميه هنا منذ يومين بأسلوب العقاب الجماعي الناجم عن حادثة الإسكندرية وهذا في حد ذاته أبلغ رد على هذا المشروع المدفوع بأسلوب عقابي وليس مدفوعا بأية رغبة أو حاجة حقيقية لخدمة الدين. ولكن لماذا هذا الإلحاح الغريب والمريب على فكرة مرفوضة شعبيا ولا معنى لها دينيا. هناك في المسألة شيء ما يفسر هذا الإلحاح الذي تحول إلى ما يسميه علم النفس بالفكرة المتسلطة. وهذا الشيء ببساطة شديدة وإيجاز أشد هو الوصول إلى أبعاد خيالية في الشمولية وفرض السيطرة على المساجد ثم إلغاء طبقة كاملة من مقيمي الشعائر والأئمة والخطباء وملقي الدروس الدينية.. إلخ لأن توحيد الآذان يمكن أن يكون الخطوة الأولى لإلغاء دور الإمام والخطيب والواعظ والمدرس الديني حيث يمكن فيما بعد وباستخدام نفس الفتاوى القيام بكل هذه المهام من خلال الميكروفون الموحد السحري الذي ربما يقوم في المستقبل القريب بدور المصلين أنفسهم وبذلك تنتهي الحاجة إلى المساجد كلها ليرتاح البعض. وإذا بقينا في إطار الواقع المشهود فإن التوحيد السحري للآذان وأجهزته العجيبة يمكن أن يتحول إلى وظائف أخرى غير ترديد الآذان بصوت حالم وناعم ورقيق لا يصل لأحد! فعلى ضوء أفلام الخيال العلمي الأمريكية يمكن نظام الإرسال الموحد للآذان الناعم أن يتحول إلى نظام اتصال في حالات معينة لإبلاغ الأوراد والبيانات والأخبار (الملفقة طبعا) في حال إذا ما انهارت أنظمة اتصالية أخرى أو إذا ما أصيب الإعلام الرسمي بمصيبة أسكتته نتيجة لدعوات الجمهور المسكين. وحتى إذا ما استبعدنا أفلام الخيال العلمي فسوف يصبح نظام الآذان الناعم أداة تحكم شمولية ظريفة فالذي يملك هذا النظام يستطيع أن يخفض صوت الآذان كليا أو في مناطق معينة لها ظروف معينة وهو يستطيع أن يسكته كليا في مناطق معينة أو أوقات معينة أو مواسم معينة بحجج كثيرة تبدأ من الحساسية الطائفية ولا تنتهي عند الإزعاج والتلوث الصوتي. [email protected]