وصلني هذا الرد الذي كتبه فضيلة الشيخ أسامة حافظ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية وأحد كبار كتابها ومنظريها ورئيس قسم الفقه والفتاوى بموقع الجماعة. وهو رد شرح صدري لأنه يأتي من عالم وفقيه كبير له مكانته العلمية البارزة، داعيا الله أن أكون عند حسن ظنه بي. وفيما يلي نص الرد الذي يعلق على مقال كتبته هنا بعنوان "إسلاميون إلى كلمة سواء". الأستاذ فراج كاتب متميز لا تملك حين تقرأ له إلا أن تعجب به حتى وإن اختلفت معه.. فموضوعات مقالاته موضوعات جادة منتقاة بعناية لأهداف تثري الحوار وتضيف المعلومة.. مما جعلها تجذب أكبر عدد من المعلقين مابين مادح وقادح.. ولا أخفيكم أنه يندر أن تفوتني قراءتها.. فاختلف معه أحيانا واتفق معه غالبا. وقد أثار منذ أيام موضوع الاجتماع علي كلمة سواء بين أبناء الحركة الإسلامية.. فأحببت أن أشارك برأي المتواضع مع الإخوة الذين شاركوه.. ربما أساهم بإلقاء حجر في الماء الراكد في هذه القضية القديمة الجديدة. بداية وقبل الدخول في الموضوع لابد من مقدمتين أمهد بهما للموضوع: الأولي:- أن كل الجماعات والجمعيات العاملة في الحقل الإسلامي – باستثناء جماعات التكفير وأصحاب الشذوذ العقائدي – يحملون ويدعون إلي عقيدة أهل السنة والجماعة.. فجماعات الإخوان والسلفيين والتبليغ والجماعة الإسلامية.. وجمعيات مثل أنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرهم يتبنون عقيدة أهل السنة والجماعة.. وإن دخل فيهم أفراد علي غير ذلك فإنه عندهم ليس نهجا ولا دعوة. وكذا فإن مناهجهم في تلقي فروع الفقه والعمل بها هو منهج أئمة أهل السنة والجماعة بمذاهبهم الأربعة ومنهج أهل الحديث وغيرهم.. ولا تجد فيهم من يتبني في فروع الفقه غير ذلك. وعليه فهم جميعا متفقون علي ثوابت العقيدة والفقه.. مما يجعلهم من الناحية العلمية من الفرقة الناجية ولا ينطبق عليهم حديث الفرق – إن صح –.. ولا يعد تنوعهم واختلافهم داخلا في ذلك التنوع المذموم. الثاني: أن هذه الجماعات والجمعيات تتفق في هدفها الأساسي.. وهو السعي لإقامة الدين في الفرد وفي الأسرة وفي المجتمع.. بل وفي العالم وأنهم لا يختلفون علي هذا الهدف الأساسي.. وأن أهدافهم الثانوية إنما هي سبيل لتحقيق هذا الهدف الأساسي.. وبالتالي فإنهم يجتمعون علي وحدة الهدف وهو إقامة الدين سعيا لإرضاء الله عز وجل. وتستطيع من هذه المقدمة أن تدرك أن هذه التجمعات والمسميات ما هي إلا أطر تنظيمية لمجموعة من الأفراد تجمعهم لائحة مكتوبة أو عرفية.. ليسعوا سويا بالعمل للدين لتحقيق الهدف سالف الذكر من خلال نهج اتفقوا عليه اجتهادا من الكتاب والسنة. والمقصود من ذلك أن التنوع هنا ليس تنوعا في أصول العقيدة والفقه.. وإنما هو تنوع في اجتهادات هذه الجماعات في الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف.. الكل لا يختلف علي شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة.. ولكن الخلاف حول العمل وترتيب أولوياته حسب المتغيرات المختلفة المؤثرة في هذا الترتيب. الاختلاف هنا بصفة عامة ليس ظاهرة سلبية إذ أن كل تجمع يقف علي ثغر من ثغور الدين يعمل فيه بجهده مكملا ما عند الآخرين من أعمال.. وكل تشكيل منهم يستوعب في جهده من تشاكل معه فتستوعب كل الطاقات والميول والاجتهادات في هذه التشكيلات عملا للدين. إذن من أين يأتي الخلل؟!! 1. الهدف لدى البعض – إقامة الدين - ليس واضحا بصورة كافية فنراه ينشغل بأهداف جزئية.. أو بالوسائل الموصلة للهدف عن الهدف الأساسي.. وقد يضحي في سبيل التمسك بمسميات أو شعارات من اختراعه لم نؤمر بها.. ولم ننه عن تركها بأمور من صميم الدين لم يجز الشارع التخلي عنها.. وقد يتمسك البعض بالوسائل ويبالغ في ذلك حتى يضيع الهدف. 2. من أخطر مظاهر الخلل هو تقديس الموروثات من أشخاص أو أفكار أو أعمال القادة ممن سلف.. ورفع تلك الموروثات إلي مرتبة فوق النقد.. ونتجاهل أنها موروثات بشر خطاء لها ظروفها المرتبطة بواقع.. وأحوال متغيرة تحتاج لنظر جديد يناسب جديد الواقع والظروف والأشخاص. والمشكلة أن التمسك بهذه الموروثات يسمونها الثبات علي الحق.. والصحيح أن الحق هو الكتاب والسنة.. وماعدا ذلك من اجتهادات الأشخاص ومواقفهم لا يتحدث عن الثبات عليها إلا أن توافقهما . 3. من أكبر الخلل ألا يدرك الأفراد أن الانتماء للجماعة وفكرها هو بعض من الانتماء للإسلام.. وأن الانتماء لأفرادها هو بعض من الانتماء العام للمسلمين.. ولذلك فمن الخطأ أن يطغي الانتماء الجزئي علي الكلي فنقدم الانتماء لأفراد الجماعة علي الانتماء لعموم المسلمين.. فيكون تحابنا في الجماعة لا في الله.. وتتحول الجماعة من وسيلة لإقامة الدين إلي هدف كثيرا ما يطغي علي الهدف الأصلي. 4. اعتقاد البعض أنهم جماعة المسلمين التي أمرنا بلزومها والتي وصم مفارقها بالضلال ووجب قتله حفاظا علي وحدة الجماعة.. بل قد يصل الأمر بالبعض لتكفير من خالفهم وقد لا يجرؤ البعض علي قول ذلك صراحة.. ولكن تصرفاته تحمل هذا المعني فيصف جماعته أنها الجماعة الوحيدة التي تحمل منهج الحق.. أو أنها الوحيدة التي فيها صفات جماعة المسلمين أو أكثرها.. وينعكس ذلك علي تصرفاته فيحتقر الآخرين ويجتنب التعاون معهم ومشاركتهم أعمالهم وإشراكهم في أعماله.. ويستنكر علي أفراده مصاحبتهم ويوهن محبتهم في القلوب بكثرة ذمهم ويجتنب الصلاة في مساجدهم والذهاب إلي مجامعهم.. ومنشأ كل هذه الأشياء هو الإحساس بأنه المتفرد بالانتماء للحق.. وما عداه ليس كذلك. والحقيقة أن الجماعات والمسميات والشعارات ما هي إلا إطار لتنظيم العمل ولا تحمل أي دلالة علي صواب الأعمال أو خطئها.. وإنما ما وافق السنة من أعمال فهو الصواب مناط الثواب بغض النظر عمن جاءت منه أو ما ينتمي إليه. وليس لهذا الانتماء أي أثر في قبول العمل أو رده. الخلاصة أن أول خطوات العلاج هو السعي لجذب الجميع للعودة للانتماء العام للإسلام والمسلمين وتنمية مشاعر الحب في الله لكل المسلمين.. والسعي لإيجاد صيغ لتنمية هذا التقارب وتلك الروح. هذه هي البداية الحقيقية لاتفاق الكلمة وتوحيد الصفوف.. ودعك من التنظيرات والتقعيدات والضوابط واللوائح.. فإن القلوب لا تجمعها اللوائح . [email protected]