الملاحظ على مدى فترة طويلة أن وزراء التعليم العالى المتعاقبين يناصبون هيئة التدريس العداء بلا سبب ، ولا يتصور أن يكون هذا العداء بأوامر أو توجيهات . وأغرب من هذا العداء هو انتساب هؤلاء الوزراء للجامعات ، فهم أساتذة فيها ، منها خرجوا وإليها يعودون . والأغرب أنهم قبل استوزارهم كانوا يشكون مما نشكو منه ، ويعانون كما نعانى ، ويرجون الخلاص ما يجثم على صدورنا . ولكن ما أن يصبح أحدهم وزيراً أو رئيساً لجامعة حتى ينفض عن نفسه ثوب الأستاذية ويفرغ رأسه مما فيه استعداداً لشحنه بما يراد . يتخلون عن زملائهم ويتنكرون لهم ، وبدلاً من أن يكون منصب الوزير لأحد الجامعيين نعمة ، يصبح نقمة ، فهو لايستمع إليهم ، يسد أذنيه ويثنى عطفه كأنه لم يكن منهم . إننا مع كل تغيير وزارى نرجو خيراً على يد الجديد القادم ، فإذا به ما جاء إلا لمواصلة الإستعلاء والتكبر والإنكار ، بل وللإهانة ولإضافة هم إلى هموم . فوزير يلغى انتخابات العمادة ويجعل منصب العميد بالإختيار بلا قواعد أو معايير ، فلا للأقدمية اعتبار ولا للنشاط العلمى قدر ليصبح الوصول إلى المنصب عن طريق التزلف والنفاق . و لم يكتف الوزير بذلك ، إذ تم فى عهده الإجهاز على أندية هيئات التدريس فخمد صوت الجامعة ولا يزال متحشرجاً إلى الآن . والنتيجة تدهور عام يلمسه العامة قبل الخاصة . ثم يأتى وزير آخر بسياسة غريبة بثت الفرقة بين أعضاء الأسرة الجامعية وصنفت الأساتذة إلى عامل ومتفرغ وغير ومتفرغ . كما عمدت سياسته إلى تكهين شيوخ الأساتذة بمعنى طردهم من الجامعة بمعاش أقل من خمس أو سدس ما كان يلقى إليهم من صدقة . وهذا هو التكريم الذى ارتآه الوزير . وجاء وزير وكأن بينه وبين الأساتذة ثأر منيم ، فما من لقاء إلا للتقريع والسخرية . أما البلية التى تضحك هى أنهم يتحدثون عن تطوير التعليم وجودته ، وكأن ملائكة من السماء ستتنزل لتعليم الطلاب . آسف ... لقد جنحت عما قصدت من هذا المقال ، وعذرى أن الحديث عن الجامعة ذو شجون . أن من أسوء مظاهر الإهانة فى قانون تنظيم الجامعات نص بغيض ، لم يكن يستخدم فيما مضى لدرجة أننا لم نكن نشعر بوجوده ، ولكنه اليوم يعلن عن نفسه كوسيله لتصفية حسابات أو للضغط أو ما شابه هذا أو ذاك . تصوروا هذا النص يجيز عزل أى عضو هيئة تدريس ، أى فصله من الجامعة بمنتهى السهولة ، فى الوقت الذى لا يستطيع رئيس أى عمل مهما علا قدره أن يفصل عاملاً صغيراً من عمله . اليوم أصبحت مسألة التأديب وسيلة للترويض ، وهى ليست للمخطئين بقدر ما هى للملتزمين ولأصحاب الرأى ، الأمر الذى لفت الأنظار إلى ضرورة إعادة تشكيل مجلس التأديب تشكيلاً يضمن استقلالية السلطة التنفيذية غير المستلقة ، وهما نائب رئيس الجامعة (رئيس المجلس) الذى يدين بالولاء لرئيس الجامعة صاحب قرار الإحالة ، والعضو الثانى أستاذ من كلية الحقوق (عضو اليمين) وهو أيضاً غير مستقل وغير متمتع بالحصانة القضائية . واضح من هذا التشكيل غلبة العنصر الإدارى (التنفيذى) على العنصر القضائى وهو أمر لا يحقق إلا ثلث العدالة . والأهم أن قرار المجلس حين يأتى –غالباً- بالإدانة واجب النفاذ ولا يحول دون إنفاذه إشكال أو استشكال أو وقف تنفيذ لحين الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا . وأن يحمل المجلس أسم "التأديب" فيعنى ثبات التهمة أو المخالفة فى حق المحال ولم يبق إلا تأديبه . اننا نطلب من وزير التعليم العالى مطلباً أدبياً لن يكلف الدولة شيئاً . وهو تعديل تشكيل المجلس بما يتفق مع الدستور ، أى يكون من عنصر قضائى خالص ، مع تغيير مسمى المجلس إلى "مجلس المساءلة" مع علانية المحاكمة . سيادة الوزير ... المطلب بسيط ، ونكرر – ولن يكلف الخزانة شيئاً ، فهل أنت مجيب لنا ولو لأول مرة فى تاريخ وزارات التعليم العالى . [email protected]