أطلقت الجماعة الإسلامية مبادرة وقف العنف عام 1997 ومر على هذا الميلاد أكثر من 16 سنه كاملة.. قطعنا خلالها أشواطاً طوال في تدعيم وترسيخ القواعد والأعمدة التي بنيت وشيدت عليها المبادرة الطيبة بل وأثمرت هذه المبادرة ثماراً ذاق حلاوتها المجتمع المصري كله.. بل والكثير من دول الجوار الذين تقبلوها بالبشر والترحاب والقبول. ورأوا فيها بداية حقيقية لفكر عميق واع يدرك المخاطر التي تواجه أمته الإسلامية.. ويعمل علي مواجهتها وحربها والقضاء عليها. ورأوا فيها نهاية حقيقية لفترة سوداء مظلمة ومؤلمة في تاريخ مصر. ورأي عقلاء الأمة وحكمائها أن مبادرة وقف العنف هي بمثابة مصالحه وطنية عظيمة تحفظ نسيج الوطن وتحافظ علي أمنه وتعمل على رخاءه ونموه. ورأوا فيها أنها لم تقدم حلاً جزئياً أو وقتيا للصراع.. وإنما قدمت حلولاً جذرية وأبدية تقضي على الاحتراب الداخلي وتستأصل جذوره وفق رؤية شرعية وواقعية متكاملة . ورغم مرور 15 عاما وأكثر على مبادرة وقف العنف.. إلا انه ما زال يحلو للبعض أن يثير الشكوك ويطلق الاتهامات جزافاً ومن غير برهان !! وقد تقبل هذه الأقاويل وتسمع تلك الأباطيل من العامة ومن أبناء الشارع البسطاء الذين لا خبرة لديهم ولا خلفية ثقافية عندهم.. أما أن تصدر هذه الأقوال ممن يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي الأن فلابد من أن تكون هذه الأراجيف لها دلالات وأهداف وخاصه إذا كانت صادره من أباطره اليساريين وزعماء الفكر الشيوعي والعلماني في مصر ومن خلفهم الآله الإعلاميه الجباره التي يمولها ويقود توجهها حفنه من دعاه هدم وتغييب المشروع الإسلامي في مصر وقد ازدادت هذه الهجمه شراسه بعد 30 يونيو المصحوب بالإنقلاب العسكري وموقف الجماعة الإسلامية منه المبني علي تبني استراتيجيه المقاومه السياسيه السلميه في رفض الإنقلاب ثم ازدادت الحده بعد استهداف مجموعه من الكنائس في صعيد مصر ثم بلغت الحمله ذروتها بعد 14يوليو علي أثر فض اعتصامي رابعه والنهضه وما تلاها من مسيرات مندده بالانقلاب واستهداف أمني واضح لقيادات الأخوان المسلمين ثم بلغت المدي الأقصي لها أمس علي أثر محاوله اغتيال اللواء محمد ابراهيم وزير الداخليه. ومن الممكن أن نجيب علي هذه المزاعم والإفتراءات التي تقول بعوده الجماعة الإسلامية إلي العنف من خلال مجموعه من النقاط علي رأسها:- الأولى: أن هناك فقر حاد في معرفة أسلوب الجماعة الإسلامية وقادتها في العمل.. إذ ليس من دأبهم أن يكون لهم وجهان وجه يتحدثون به للناس والإعلام.. ووجه يتحدثون به في الغرف المغلقة.. وبمعني أخر ليس من طبيعتهم أن يتكلموا عن السلام وهم يخططون للحرب. فعندما كانت الجماعة الإسلامية تعتقد أن الصدام المسلح هو الحق والصواب وهو الأهدى سبيلا نطقت بما اعتقدت ونفذت ما نطقت به في صراحة ووضوح ودون خوف أو مواربة. وعندما رأت أن هذا الصدام لا يصب إلا في صالح أعداء الإسلام وأعداء الأمة وأنه ليس له ثمرة سوى سفك الدماء وزرع الأحقاد وتفتيت الأمة وإضعافها.. بل أنه تحققت فيه كل الموانع التي تدعو لوقفه وانتفت عنه الشروط التي تدعو لإمضائه وقفت الجماعة الإسلامية ذات الموقف الذي كانت رائدته من أكثر من عشرين عاماً لتعلن بنفس القوة ونفس الشجاعة وقف هذا الاحتراب إلي الأبد مستندة في ذلك علي الرؤية الشرعية المتعمقة والنظرة الواقعية الواعية. وقد اعلنت الجماعة الإسلامية في كل موطن أنها تتبني المعارضه السلميه وأنها لن تنجر إلي العنف مهما كانت خسائرها وتضحياتها وقدمت بالأمس القريب مبادره قادها الدكتور عبود الزمر لوقف نزيف الدم وايجاد مخرج للأزمه الراهنه في مصر. الثانيه: المواقف العمليه التي اتخذتها الجماعة الإسلامية منذ ثوره 25 يناير وإلي اليوم والتي تدل كلها علي تمسك الجماعة بالخيار الإستراتيجي السلمي الذي تبنته في تسعينيات القرن الماضي فلم تلجأ إلي العنف في الوقت الذي كان العنف فيه مبررا والدوله في أضعف حالتها بعد ال 25 من يناير وإنما كان موقفها يدل علي توجهها وصدق اختيارها فقد حمت الكنائس والمنشأت العامه ومؤسسات الدوله وشاركت في اللجان الشعبيه التي حمت المجتمع وحافظت عليه وقت الفراغ الأمني والإنسحاب الشرطي وكذا دشنت الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنميه مبادره وطن واحد ومستقبل مشترك للتواصل مع الكنائس والأقباط علي كل مستوايتهم في الوقت الذي كانت الدوله تدين للتيار الإسلامي وهذا يدل علي قناعات راسخه بالمنهج الذي خطته الجماعة لنفسها والذي يقوم علي التعايش السلمي الآمن بين أبناء المجتمع والتواصل الحضاري المثمر مع دول الجوار. الثالثه: أن مزاعم عوده الجماعة إلي العنف تخالف أبجديات التسلسل التاريخي للأحداث.. فلم تكن هذه المراجعات وليدة يوم لا شمس فيه أو عقب ضربة إجهاضية أضعفتها وأثرت فيها.. وإنما استغرق التفكير في تلك المراجعات سنوات طوال من البحث المستفيض والجهد المضني والدراسات العلمية المتعمقة والنظرات الواقعية المتأملة حتى تراكمت لدينا قناعات شرعية وواقعية راسخة بضرورة وقف هذا الاحتراب . وبدأنا منذ عام 1990 نحاول وأد هذه الفتنة وإيقافها .. ولا يخفى أن في هذا التوقيت كان عدد المعتقلين من أبناء الجماعة الإسلامية لا يتجاوز بضع مئات لا أكثر وعلي الرغم من ذلك كان سعينا حثيثا لطرح أفكارنا و آرائنا حول موضوع العنف والصدام.. وكانت هناك وساطات من كبار العلماء والمفكرين ولكن لم يكتب لها النجاح لأسباب تخرج عن إرادتنا ولا مجال هنا لبسطها . وإنما يُعد ذلك دليلا راسخا على أن قناعتنا بالمبادرة شرعية وواقعية وليست وفق سياسة مرحليه لإعداد العدة والتقاط الأنفاس إذ كانت الجماعة في هذا التوقيت مكتملة الصفوف خارج جدران السجون إلا من قيادات الصف الأول وبعض المعتقلين . ثم شاء الله في عام 1997 أن تنجح مساعينا و أن نخطو أولى خطواتنا في الطريق الذي بدأناه منذ عام 90 لينتهي مسلسل العنف إلي الأبد في تاريخ وابجديات الجماعة الإسلامية ويبدأ فصل جديد يقوم علي النضال السلمي وفتح قنوات التواصل مع المجتمع المصري. الرابعه: وليس أدل علي صدق قادة الجماعة وصدق توجههم نحو إيقاف العنف وإبطاله, من تسطير هذه القناعات في كتب وإصدارات, إذ البداية الحقيقية لأن توصل منهجاً وترسخه أن تمسك بالقلم والمحبرة وتخط ما اعتقدت من أراء وتصورات ليصبح ما سطرت شاهداً عليك وحجة وعهدا بينك وبين الآخرين ، ثم إن هذا المنهج المنظر المكتوب يجعل من مسألة التراجع طعناً في مصداقية صاحبه وفي صدق دعوته. ولو كانت المراجعات وسيلة لترتيب الأوراق وتنظيم الصفوف لمعاودة كرة الصدام من جديد لاكتفت القيادات بالكلمات المنمقة والعبارات المزخرفة في الأروقة والمكاتب.. حتى يسهل التنصل منها والتنكر لها عندما تحين الفرصة ويأتي أوان الوثبة أو على أقل تقدير لأصبحت كلماتهم حمالة ذات وجوه.. ولكن الجماعة لم تفعل ذلك.. وإنما جاءت الدراسات كما ذكر الأستاذ / أحمد الملسماني " حاسمة ونهائية ولا تحتمل التأويل أو التبديل أو سوء الفهم.. وقد جاء ذلك كله علي وجه يثير الدهشة " الخامسه: ولم تكتف القيادات التاريخية بتنظير منهجها وتسطير أرائها دون لقيا قوية وحقيقة بإخوانهم.. فملكوا القوة والشجاعة وواجهوا إخوانهم وأبنائهم بموقفهم الجديد.. بل بموقفهم الصريح الواضح الرافض لجملة التجاوزات السابقة.. فكيف يستساغ في عقل وضمير العقلاء أن تأتي هذه القيادات عندما تحين الفرصة وتقول للقواعد هيا نخالف ما اجتمعنا عليه سلفا وما أصلناه شرعاً وعقلاً . آلا ترى معي أن ذلك يُعد انتحاراً لتلك القيادات. سادسا: لقد بلغت أفكار المبادرة بين أبناء الشعب المصري عامة والمثقفين والدولة والحركات الإسلامية خاصة مبلغ التواتر.. ووصلت إلي القاصي والداني من أبناء المجتمع .. وهذا يعد أقوى وأرسخ ضمانة لمصداقية المبادرة في المجتمع والرأي العام. إذ ترسخ لدى مثقفي المجتمع ومفكريه بل لدى الرأي العام كله أن الجماعة الإسلامية وقياداتها قد نحت نحو الصلح ونبذت الصدام واعتمدت الطريق السلمي مع المجتمعات والحكومات أسلوباً لعملها ومستقبلاً لأبنائها. ومن ثم فتح المجتمع المصري ذراعيه لاحتضان أبناء الجماعة بتوجههم الجديد فكيف يستساغ غداً التنكر لقيم الصلح والموادعة وخلع أثواب الصفح والعفو وارتداء ثياب الحرب وعدتها . إذا صنعت الجماعة الإسلامية ذلك فقد فقدت حليفها الطبيعي ورصيدها الاستراتيجي وهو المجتمع الذي تقلبها بشكلها الجديد.. وتكون بذلك حكمت علي نفسها بالموت السريع وهذا لا يستساغ لدي العقلاء النابهين !! سابعا: جملة الوعود والعهود التي قطعتها الجماعة الإسلامية علي نفسها بوقف الاحتراب الداخلي.. والذي يؤكد الشارع الحكيم ليس علي احترامه وفقط وإنما شدد علي الوفاء به " يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود " وقال " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً " ولو فعلنا لكنا متلاعبين بالشرع واقعين في محارم الله وأخيراً: فإنني أظن أن هذه الحمله الشرسه علي الجماعة الإسلامية والتي يقودها بقايا اليساريين وأنصار الفكر الشيوعي والعلماني في مصر لها جمله من الأهداف علي رأسها:- - شيطنه الجماعة الإسلامية في نظر المجتمع ومن ثم فصلها عن رصيدها الإستراتيجي ومددها الطبيعي . - تحييد الجماعة الإسلامية كعنصر فاعل في الصراع السياسي المستقبلي. - الإنفراد بصياغه مستقبل مصر وتحديد ملامحه. - الإنفراد بصياغه دستور يسعي إلي علمنه الدوله وإلغاء مواد الهويه. - تغيير الهويه المصريه من خلال الإنفراد بالمفاصل الثقافيه والتعليميه والجماهيريه في مصر. - تشويه المشروع الإسلامي وتوجيه ضربات قويه للإجهاز عليه. - صناعه وزرع عداوات بين المؤسسات الأمنيه والجماعة الإسلامية. - زرع فتائل أزمه بين الأقباط والجماعة الإسلامية. - توصيف الجماعة عالميا علي قائمه المنظمات الإرهابيه. - الوصول إلي ضربه إجهاضيه للجماعه مماثله ل تسعينيات القرن الماضي تأخذ عقودا لعلاج آثارها. وعلي الرغم من كل ما تقدم الإ أن قيادات الجماعة الإسلامية وأبنائها يصرون علي الوقوف في المربع الصحيح الذي خطته الجماعة لنفسها في نهايات القرن الماضي من خلال منظومه المراجعات الفقهيه التي رسمت طريقا واضحا للجماعه وأبنائها يقوم علي التعايش والتواصل مع أبناء المجتمع المصري علي إختلاف توجهاتهم وتنوع مشاربهم ومعتقداتهم مؤمنين بقول الله تبارك وتعالي "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الآثم والعدوان"