طفل يحتضن والده الغارق فى الدماء قائلاً له يلا يابابا علشان تجيب لى لبس العيد ، وطفل أخر يبكى منادياً جثة امه الملقاه على الارض ويستحلفها بالله أن تفيق والاخير نجل ضابط شرطة يقول لاحد المذيعين أن الاخوان قتلوا اباه . هذه بعض من المشاهد المأساوية المؤلمة التى يعانيها أطفال المجتمع المصرى هذه الايام ؛ والتى تعد وقوداً ذكياً لخلق جيل من الكراهية اذا لم يتم معالجتها والتعامل معها بعيداً عن المكاسب السياسية مهما كانت . حتى الذين لم يفقدوا بعض ذويهم أو اقاربهم ولكن شعورهم بالدونية وأن الاخر يحقرهم ويقذمهم ويشيطنهم خاصة من أنصار التيار الاسلامى هؤلاء يمكن أن يتحولوا إلى الكراهية تجاه الاخر والمجتمع . وتعد الكراهية ظاهرة جديدة على المجتمع المصرى الذى يتميز بالتسامح والطيبة والمسالمة وروح الدعابة ، والكراهية هى المشاعر الانسانية التى يصاحبها اشمئزاز شديد ونفور وعداوة وعدم تعاطف مع شخص ما أو شىء أو جماعة أو فئة معينة وهناك مراحل متقدمة من الكراهية قد تصل الى المرض النفسى . ولقد تعدت الكراهية مؤخراً فى المجتمع المصرى حدود الفتنة الطائفية بل أصبحت بين المسلمين انفسهم وارى أن الاعلام يلعب دوراً سلبياً خطيراً فى هذا الشأن ومنها مثلاً الفواصل الاعلانية التى يتم عرضها الان على معظم القنوات والتى تتضمن بعض المشاهد – التى أرفضها تماماً – لبعض المتشددين المحسبوبين على التيار الاسلامى وإن كنت فى الوقت نفسه ارى فيها بعض المنتجة والمبالغة . أيضاً يلعب بعض الاهالى دوراً سلبياً فى زرع بذور الكراهية فى نفوس ابنائهم فالاطفال يميلون إلى إعادة السلوك الذى نشأوا عليه فى اسرهم . ودائما اؤكد على مقولة مهمة اؤمن بها تماماً وهى " اذا زرعت الكره والحقد فى طفلك فسوف تحصده انت " . وفى البداية يظل الكره على المستوى الفكرى والانفعالى بعدها يمكن أن تتولد ردود فعل عدوانية أيضاً من الممكن أن ينسى الطفل الخبرات السيئة التى تسبب له الكراهية ولكن اذا استمر ذلك طويلاً فقد تثبت فى طبعه وتستمر معه مدى الحياة . وتشكل الكراهية خطورة بالغة على الفرد وخاصة الطفل فوجود بذور الكراهية داخل النفس البشرية خاصة إذا لم يتم التنفيس والتعبير عنها يسبب إحساساً بالالم أو عدم الارتياح وقد تتطور إلى أعراض جسمية ونفسية خطيرة الامر الذى سوف ينعكس بالضرورة مستقبلاً على المجتمع ويهدد امنه وسلامته .إن الشعور بالكراهية قد يؤدى إلى اعطاء تبريرات للعنف والغضب ازاء الاخر المختلف معه لجعله يبدو شيئاً كريهاً واقناع الذات بأنه يستحق العقاب والانتقام من أجل التخلص من الشعور بالذنب عند إلحاق الاذى به وعندما تكون الكراهية تجاه جماعة أو فئة معينة يأخذ العنف شكلاً جماعياً ويعمم الفرد على جميع أفراد تلك الفئة أو الجماعة . إن الكراهية مثل شرب الشخص لسم يقتل به نفسه ظناً منه أنه يقتل الشخص الاخر مصدر الكراهية . ولذا فعلينا أن نربى أبناؤنا على الحب والعطف والتسامح وفيما يتعلق بما نقوله لهم الان حيال ما يحدث فيجب أن نميل إلى الصدق والحياد وعدم التعميم فلا يمكن القول بأن كل ضباط الجيش والشرطة خونة وقتلة أيضاً ليس كل الاخوان ارهابيين . يجب أن نعيد النظر فى أدوار التربية سواءاً فى المنزل أو المدرسة أو المسجد أو الكنيسة أو الاعلام بعد ما فشلت معظمها فى وأد الكراهية بل ساهمت فى إشتعالها وتوريثها . يجب أن نخرج جميعا من سجن الكراهية إلى فضاء المحبة والتسامح أيضاً الوصول للسلام الداخلى الذى يحافظ على قوة النفس فى مواجهة الخلاف والتوتر ويمكن الوصول لذلك من خلال الصلاة والعبادات والتأمل وممارسة بعض الرياضة وغيرها كى نصل للسلام داخل انفسنا ويتوسع تدريجياً إلى عائلاتنا حتى يصل إلى مجتمعنا فما أجمل أن نعيش هذه الحياة القصيرة بالحب وقبول الاخرين كما هم عليه ! .
دكتور وليد نادى باحث بمعهد الدراسات التربوية جامعة القاهرة