شكل بيان زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا محمد عمر علامة فارقة وربما استثنائية في موقف ما توصف بت " إمارة أفغانستان الإسلامية" الصاعدة النفوذ ليس في أفغانستان فحسب وإنما في المنطقة حين طالب حكام الدول الإسلامية والشعوب العربية والإسلامية بالانتفاض والحذو حذو الشعب التركي لنصرة الشعب الفلسطيني وكسر الحصار عن غزة، الجديد في البيان هو أن الحركة وطوال السنوات الماضية سعت إلى التركيز على شأنها المحلي بسبب خصوصيتها ومشاكلها الأفغانية ومقاتلة القوات الأجنبية في أفغانستان، ولم تعر اهتماما كبيرا للقضايا العربية والإسلامية. عدم اهتمام حركة طالبان أفغانستان في السابق بالقضية الفلسطينية يعود في الحقيقة إلى موروث تاريخي وانشغال المدرسة الديوبندية في المنطقة بالوضع في منطقة جنوب آسيا، وهو ما ينسحب أيضا على الحركات الإسلامية في باكستان باستثناء الجماعة الإسلامية الباكستانية لعلاقتها وارتباطها بالحركات الإسلامية في العالم من الإخوان المسلمين وحزب العدالة في تركيا والأحزاب الإسلامية في أندونيسيا وماليزيا وغيرها، وبالتالي البعد الأممي حاضر في أجندتها وسياساتها،وهو ما تفتقره المدرسة الديوبندية الحنفية، التي تنحدر منها طالبان أفغانستان وطالبان باكستان .. هذه الخلفية التاريخية مهمة جدا لفهم أهمية البيان الطالباني إزاء فلسطين أولا، وثانيا مهم لفهم تطور السياق الطالباني الأفغاني الذي انتقل بهذا البيان من الاستغراق في المحلي إلى الحديث عن الشأن الإسلامي في فلسطين وربما غيرها في المستقبل .وقد لوحظ أخيرااهتمام إعلامي طالباني أفغاني بفلسطين والعراق والكتابة وبقوة عن الوحشية الصهيونية والدعوة إلى الجهاد كحل وحيد لاستعادة فلسطين كما جاء في مقال طويل لمجلة الصمود الصادرة باللغة العربية عن حركة طالبان الأفغانية قبل شهرين تقريبا ، تزامن ذلك مع مفاجأة واجهت الصحافيين المرافقين للجيش الباكستاني أخيرا إلى منطقة أوركزي القبلية حين دخلوا معسكرا لتدريب مسلحي طالبان في المنطقة وقد كتب عليه لافتة " قافلة بيت المقدس ". وحين الحديث عن علاقة الملا محمد عمر بالقضية الفلسطينية فإن ذلك ينسحب على الجماعات المسلحة الموالية والمبايعة للملا محمد عمر في باكستان أيضا، اللافت أن عملية مومباي التي وقعت العام الماضي على أيدي حركة عسكر طيبة الكشميرية المسلحة والتي استهدفت فندق تاج محل ومبان تجارية مشهورة وسط المدينة استهدفت أيضا كنيسا يهوديا ولقي أكثر من ستة يهود مصرعهم أحدهم يعد الحبر اليهودي المسؤول عن المنطقة، ولوحظ تفاخر الحركة بقتلها اليهود انتصارا لفلسطين وثأرا لمعاناة الفلسطينيين .. الظاهر والواضح أن إحياء القضية الفلسطينية يعود وبقوة إلى الجماعات المسلحة الباكستانية والأفغانية والكشميرية، ويعزو الكثيرون ذلك إلى الاحتكاك المباشر الذي حصل في السنوات الماضية بين تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، فقلما يخلو شريط لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو نائبه الدكتور أيمن الظواهري دون الإشارة إلى فلسطين، ومثل هذه الأشرطة يتم ترجمتها إلى اللغات المحلية في المنطقة ويُصار إلى نشرها وبثها عبر مواقع " جهادية" أوردية أو بشتو أو فارسي وهو ما ساهم في بث وعي لدى هذه الجماعات المتحالفة مع القاعدة بالقضية الفلسطينية، وهو وعي لم يكن متوفرا في السابق وسط هذه الجماعات الموغلة بالمحلي الباكستاني . ولا يُستبعد أن يكون الحضور الصهيوني في مناطق وسط آسيا وما تردد عن وجود صهيوني في الشمال الأفغاني المحكوم من قبل التحالف الشمالي الأفغاني الذي يحظى بعلاقات تقليدية وتاريخية مع الهند حليفة إسرائيل فل المنطقة أقول لا يستبعد البعض أن يكون لذلك علاقة بتنامي وحضور قضية فلسطين في ذاكرة وأدبيات الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، ولا زلت أتذكر مقولة السفير الطالباني السابق في باكستان عبد السلام ضعيف في مؤتمر صحافي بباكستان وذلك إبان الحرب الأميركية على طالبان قال يخاطب المسؤولين الباكستانيين:" تذكروا أن إسرائيل جديدة تتشكل على حدودكم " .. الحضور الهندي في أفغانستان كداعم للحكومة الأفغانية له علاقة مباشرة بهذا الملف سيما وأن التحالف الهندي الصهيوني قديم ومتعدد الجوانب، ومتبادل الخدمات، وبالتالي فتل أبيب تعتمد على الهند بشكل كبير في الحصول على تحركات الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، خصوصا بعد استهداف عسكر طيبة بشكل مباشر للمصالح الصهيونية في مومباي أخيرا ..