بغضّ النظر عن الاهتمام المبالَغ به بما يسمى بطولة كأس العالم، والتي أصبحت حدثًا عالميًّا بامتياز يترك آثارَه على الاهتمامات الدولية، بل وتمتدُّ نتائجه على مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أرجاء المعمورة، فإن هذه المنافسة والتي يشتد وطيسُها يومًا بعد يوم، تعكس في كثير من تفاعلاتها وما ينتج عنها صورًا واقعية لعالمنا اليوم، عالم تسود فيه الثقافة المادية وعقلية الاحتكار والجشع والإقصاء والافتقار للقِيم الأخلاقية والافتقاد إلى المبادئ الإنسانية. الرياضة بمعناها الراقي، والذي يعكس روح التعاون بين الفريق الواحد والتنافس الودي بين الأعراق والشعوب كوسيلة للتعارف والتواصل لم تعدْ كذلك هذه الأيام، فقد تحوَّلت كرة القدم إلى ميدان للتسويق وجَنْي المكاسب المادية وليحرم الفقراء من متابعة تلك الرياضة، والتي أصبحت مواسمها فرصة ليزداد الأثرياء ثراءً ولتعرض الشركات العالمية عضلاتها التجارية على حساب الشعوب والجماهير والتي تعبَّأ وتحشد بطريقة هستيرية. من الملاحظ على بطولة كأس العالم انحدار مستوياتها الفنيَّة الرياضية، والسبب بتقديري يكمن في هيمنة العامل المادي على الرياضة، والتي أصبح نجومُها يباعون ويشترون من قِبل الأندية العالمية وكأنهم سلع تجارية، كما أن الأخلاق الرياضية أصبحت نادرة، فعوض أن يتعلم الأطفال ممن يعتبرون "نجومَهم" الروحَ الرياضية والتنافس الشريف، نجد حالات من الخشونة المتعمَّدة والعدد الكبير من البطاقات الحمراء، والتي تعكس انتشار السلوكيات السلبية في مباريات كأس العالم، كما أنك تجد من الحركات البهلوانية والتصرُّفات غير السوية لبعض اللاعبين حال تسجيل هدف في مرمى الخصم، مما يعكس حالةً من ضياع القِيَم الرشيدة والعقول الراشدة في عالم اليوم. من الممكن ملاحظة أن الرياضة غالبًا ما تعكس أوضاع الدول والتي تشارك فرقها في المنافسات الرياضية سلبًا أو إيجابًا، فروح التقدُّم والنهج العلمي والأخلاقي غالبًا ما تلمسُه في فرق الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال فإن النهضة وروح العزيمة التي تتحلَّى فيها تركيا على العديد من الأصعدة انعكست على الوضع الرياضي، وهو ما لمسناه في الفريق التركي في بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة، في حين أن دولًا عربية تعاني من الفساد الإداري غالبًا ما تخفق فرقها رغم الدعم الكبير والذي تحظى به من قِبل القيادات السياسية والإمكانات المادية الضخمة المرصودة في تحقيق إنجازات رياضية، هذه الملاحظة يمكن إسقاطُها على فرق أوروبية تخلَّفت في المونديال لتعكس حالةً من التراجع لدولها من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ارتباط الأوضاع الرياضية بأحوال دولها كان واضحًا على الفريق الفرنسي، فقيادة ساركوزي والتي أخفقت في العديد من الميادين وأدت لتراجع فرنسا فيها، لذا لم تكن الرياضة استثناءًا على الفوضى، والتي تضرب البلاد في ميادين مختلفة، وإذا كانت فرنسا قد حصلت على كأس العالم عام 1998 بفضل مهاجريها، قد عانت في 2010 من تمرُّد لاعبيها على مدربهم، والذي زعم أنه عنصري وأنه استبعد لاعبين من أصول عربية من تشكيلة المنتخب، فالبلاد التي انتكبت لقِيمها في مسألة الحرية وحقوق الإنسان واضطهدت مسلميها في لباسهم وحجابهم وضيَّقت عليهم، هي فرنسا والتي خسرت كما كان واضحًا في جنوب إفريقيا ولاء لاعبيها وارتباطهم بها. الأزمة الغذائية والتي شغلت العالم وأشغلته، كانت في جوهرها أزمة أخلاقية من ناحية هدر الغذاء في إنتاج الوقود الحيوي والاعتداء على البيئة بشراسة لأهداف مادية، والأزمة المالية كانت في حقيقتها أخلاقية عكست عقلية الجشع والطمع والسعي لتحقيق الأرباح بكل الأساليب وشتى الوسائل، الخلل الأخلاقي والذي يعاني منه العالم بفضل القوى السياسية المهيمنة على المسرح الدولي والتي تحتكم إلى معايير مزدوجة فتلجأ لتجريم الضحية وتبرير العدوان والاحتلال، بل وتسميته بتحرير فيما تصف المقاومة والسعي لتحرير الأوطان إرهابًا، ذلك الخلل ضرب جميع مناحي الحياة لتمتد آثارُه ونتائجه على الرياضة ومسابقاتها، والتي تفوح في كثير من أجوائِها وهوائِها روائح الفساد وصفقات ما وراء الكواليس. المصدر: الإسلام اليوم