جاءت معظم التعاليق على مقال الاسبوع المنصرم انفعالية غاضبة. فلم يكن القصد من حديثي النيل من كليات التربية أو الانتقاص من قدرها أو التسميع بها كما جال في خواطر البعض، وانما كان القصد وصف واقع ماثل أمامنا ولا يجب أن تكون عليه هذه الكليات ولا مناص من تغييره. وفاتني في المقال السابق التنويه إلى الظلم البين الواقع على خريج كلية التربية. ونقول ونصر على القول... ما الحكمة التي توجب على معيد كلية التربية قضاء سنتين أي أربعة فصول دراسية في الفرقة الثالثة والرابعة بكلية العلوم أو الآداب قبل أن يسمح له بالتسجيل الوجوبي لدرجة الماجستير، بينما زميله في أي كلية أخرى يكون قد قطع شوطا في دراسته لهذه الدرجة. ما الحكمة إلا أن يكون التعليم في كلية التربية ناقصا أو مبتسرا. هاتان السنتان- من ناحية أخرى- تقفان عقبة أمام من يريد استكمال دراسته العالية ممن لا يشغلون وظيفة معيد إذ يلزم له التفرغ الذي يكون غالبا بلا مورد رزق يعينه. ونصرخ لعلنا نسمع ثقيلي السمع أن وجوب عمل معادلة لشهادة كلية التربية بكلية العلوم أو الآداب ليس على نفس المستوى العلمي لخريج الكليات الأخرى، فهو نصف جامعي وعليه استكمال النصف الآخر في مكان آخر... هذا هو الواقع. الأمر إذن في حاجة إلى مراجعة لوائح كليات التربية، وتعديلها جذريا بحيث لا تزيد العلوم التربوية عن 20 أو 25% من مجمل المقررات الدراسية، وعلى أن يعترف بهذا الخريج بأنه كامل الأهلية، ثم لا يسمح بعدها- وإن بقانون- لأي خريج من غير كليات التربية بممارسة عمل تعليمي حتى وإن حصل على دبلوم تربوي، ذلك أن طالب التربية- كما تفضل غير قارئ بالقول- يعد فور التحاقه بالكلية ليصبح معلما. وأخشى أن أقول أن أساتذة المواد التربوية يعمدون إلى حشو اللائحة بالمقررات التي تقع في تخصصهم ليضمنوا حصيلة جيدة ومتجددة من تصريف المذكرات وأشباه الكتب خاصة وقد قرأنا أكثر من تعليق ينعي على المواد التربوية كثرتها وعدم فاعليتها ولا هدف منها إلا المادة ولا مصير لها إلا صناديق القمامة، كما ينعي على أساتذتها تقصيرهم في تبيان محتوياتها. كنت أود من هيئة ضمان الجودة والاعتماد أن تولي كليات التربية اهتماما موضوعيا. فليس حلا زيادة مدة الدراسة سنة خامسة ثم تعطي لأي خريج أخر فرصة الا لتحاق بهذه السنة الخامسة ليصبح معلما. وإذ ذهبت الهيئة هذا المذهب فلا ضرورة إذن لكليات التربية ويكتفى بكلية لإعداد المعلم لتمنح دبلوما مدته سنة لمن يرغب من خريجي أي كلية في اجتيازه ثم الانخراط في سلك التعليم. ألستم معي في أن وضع كليات التربية الحالي يتميز بالغرابة، ثم تجئ هيئة الجودة لتزيد وضعها غرابة فوق غرابة. واللافت للنظر أن يظل هذا الوضع ماثلا أمام أساتذة كليات التربية ولا يحركون ساكنا، فهم لم يفكروا في تطويرها وتنميتها... وللأسف جل اهتمام الكثيرين منهم توزيع الكتب والمذكرات التي يتخلص منها الطالب كما يتخلص من أي نفاية فور خروجه من لجنة الامتحان. لسنا ندري كيف صبر شيوخ التربية ويصبرون على هذا الوضع المؤسف إلا أن تكون هناك مآرب أخرى غالبة على ماعداها. قضية التعليم في مصر ستظل بلا حل شاف ما لم يتم أولا إعداد المعلم إعدادا سليما، ولن يتحقق هذا الاعداد إلا بإعادة النظر في مناهج كلية التربية لتصبح معادلة للكليات الأخرى ثم قصر وظائف التدريس- بقانون- على خريجيها لتصبح لهم هوية كما لغيرهم. أما ما تطرحه هيئة ضمان الجودة والاعتماد في شأن هذه الكليات فخير منه إلغاؤها. وأرجو من كل من يهمه أمر كليات التربية أن يأخذه مأخذ الجد وأن يتناوله بالمناقشة العقلانية علنا نصل إلى ما نرجوه من صواب. وللحديث بقية إن شاء الله.