دخلت "الجماعة الإسلامية" على خطى الأزمة المشتعلة حول رفض الكنيسة الأرثوذكسية منح تصريح بالزواج الثاني للأقباط الحاصلين على أحكام قضائية نافذة، واقترحت لعدم إثارة النزاع حول تلك القضايا مجددًا أن يتم إحياء نظام المحاكم الخاصة بالمسيحيين، للفصل في الأمور والقضايا المتعلقة بالأقباط. وكان هذا النظام معمولاً به قبل ثورة 23 يوليو 1952 حيث كانت توجد محاكم ملية خاصة بالمسيحيين فقط، إلا أنها ألغيت بعد الإطاحة بالنظام الملكي، مثلما ألغيت المحاكم الشرعية الخاصة بالمسلمين. واشترطت الجماعة أن يقتصر تشكيل تلك المحاكم على قضاة مسيحيين، يحكمون بين الأقباط الذين يختصمون إليهم بحسب ما يعتقدون، وعارضت بشكل تام أن يكون من بين أعضائها قضاة مسلمون، لأن لا يصح شرعًا أن يحكم قاض بغير شريعة الإسلام لا بين المسلمين ولا بين غير المسلمين، على حد قولها. جاء ذلك في سياق دراسة أعدها الشيخ عبد الآخر حماد، وهو أحد أبرز قيادات "الجماعة الإسلامية"، وأمضى 19 عامًا خارج مصر، حصل خلالها على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأمريكية المفتوحة، وله العديد من الكتب والمؤلفات في العقيدة الإسلامية. وفي دراسته، يفند حماد المقولة التي تتكرر على ألسنة القيادات الدينية المسيحية في مصر كلما أرادوا أن يثبتوا صحة وجهة نظرهم في رفض حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يلزم الكنيسة بالسماح للمطلقين بالزواج مرة ثانية، وهي الزعم بأن الشريعة الإسلامية تقول: "إذا أتاك أهل الذمة فاحكم بينهم بما يدينون"، وهي المقولة التي وردت على لسان الأنبا شنودة والأنبا بيشوي في تصريحات صحفية. وفجر حماد مفاجأة حين كشف أنه لا صحة إطلاقاً لتلك المقولة التي تتذرع بها الكنيسة في رفض تنفيذ حكم القضاء بشأن الزواج الثاني بزعم أنه يتعارض مع الإنجيل، ويقول إنه لا أصل لها في شريعة الإسلام التي لا يمكن أن تأمر أهلها بأن يحكموا بين الناس مسلمين أو غير مسلمين إلا بالحق، وهو كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وتساءل عن سندهم حول هذا الأمر وفي أي موضع ذكرت تلك المقولة. وساق العديد من الأدلة من القرآن وأقوال أهل العلم من المسلمين التي تجيز الاحتكام إلى القضاة المسلمين للفصل بين أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين، وفق ما تنص العقيدة الإسلامية وليس وفق عقيدة المتخاصمين من غير المسلمين، كما جاء في الآية الكريمة بشأن اليهود "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " المائدة: 42. إذ يقول إن الآية الكريمة تخير النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا ما جاءه أهل الكتاب طالبين الحكم بينهم - بين أمرين:- الأول:- الإعراض عنهم.. وعدم الحكم بينهم، والثاني:- أن يحكم بينهم.. لكنها تأمره إن اختار الأمر الثاني أن يحكم بينهم بالقسط، الذي أنزل على نبيه (صلى الله عليه وسلم) كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (7/45)، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن التخيير بين الإعراض والحكم بينهم منسوخ بقوله تعالى: "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ " المائدة : 49. ويلفت حماد في دراسته إلى أنه ورغم ورود نصوص في "سفر العدد" الذي يؤمن به المسيحيون بشأن توزيع الميراث، والتي تحجب الإناث من الميراث إذا كان للمتوفى ذكورًا وغيرهم من أقارب المتوفى، وحتى مع عدم ورود ما ينسخ تلك الأحكام في الإنجيل، إلا أن المسيحيين في مصر يحتكمون للشريعة الإسلامية في المواريث ويتركون ذلك النص الموجود في العهد القديم. وأورد واقعة تاريخية في هذا السياق، وهو أنه إبان الاحتلال الفرنسي لمصر (1789- 1801) أنشأ الفرنسيون ديوانًا سمي بمحكمة القضايا- كما قال الجبرتي المؤرخ الشهير- فوضوا إليه القضايا في أمور التجار والعامة والمواريث والدعاوى، وكان من أعضائه الديوان ستة من التجار المسلمين ومثلهم من الأقباط، وقد أراد رئيس ذلك الديوان استمالة النصارى إلى قوانين الفرنسيين في المواريث من أنهم لا يورثون الولد ويورثون البنت، فكان رد المسيحيين بالرفض.