لكل أمة ماض و حاضر و مستقبل.... فالأمة التى تقف أمام ماضيها كثيرا تعيش فى أوهام سرعان ما تفقد الحاضر و المستقبل و الأمة التى تنشغل بالحاضر دون أن تخطط لمستقبلها فى ضوء ما سبق من تجارب الماضى لن تفلح فى تحقيق طموحاتها كما تريد .... و الصواب أن تتصدى الأمة لمشكلات حاضرها و هى مسترشدة بتجارب الماضي و لا يفوتها رسم المستقبل و التخطيط له فلا تجعل من ممارسات الواقع سدودا تقف فى طريق مستقبلها فكان من الضرورى أن أكتب شيئا فى هذا المجال كعلامة إرشاد على طريق المستقبل .... إنه مما لا شك فيه أن هموم الحاضر كثيرة و هو أمر أجهد العديد من الحكومات المتعاقبة فى البلد الواحد بل و أسقطها فى أعين الجماهير و هى فى الحقيقة لا تتحمل بمفردها مسئولية الإخفاق لأن من سبقوها من المسئولين فى مراحل ماضية لم يخططوا للمستقبل فتراكمت المشكلات تباعا مثل مخلفات القمامة التى تترك داخل كردون الأحياء دون إزالة حتى تكاد تسد الشوارع !! فالتخطيط للمستقبل لا يقل أهمية عن التصدى لأمور الواقع فكان من الضرورى أن يسند المسئولون مهمة التخطيط للمستقبل إلى هيئة خاصة تضع كل ما يتعلق بالرؤية المستقبلية لسنوات مقبلة. فهناك تخطيط طويل المدى ربما يصل إلى ربع قرن من الزمان أو أكثر وهناك تخطيط متوسط المدى يكون فى حدود خمسة عشرعاما و هناك تخطيط قصير المدى و هو ما يعرف بالخطط الخمسية و كل ذلك من مستويات التخطيط لا بد من وجوده. وإذا أراد المسئولون عن التخطيط رسم خريطة المستقبل عليهم أن يتبعوا الخطوات الآتية : أولا قراءة ملف الماضى و يشمل ذلك تجارب الدولة وغيرها من الدول الأخرى حتى لا تتكرر أخطاء السابقين و لا عجب أن تجد بين الدول من يعاود الخطأ و كأنه لم يخض تجربة أو يستفد درسا و هذا من سخط الله و عدم توفيقه فلا يهتدى أمثال هؤلاء إلى الصواب . و لا أكون مبالغا إن قلت إن هناك من الأنظمة التى عرفت الحق و لكنها تبقى على الباطل من باب العناد و الكبر !! نعوذ بالله من ذلك .... إن خلاصة ملف الماضى لا بد و أن تشمل كل ما يتعلق من دروس مستفادة فى كافة مجالات الممارسة و حجم السلبيات و الإيجابيات فى كل قطاع عمل بما يشكل رؤية حول مدى الفشل و النجاح و بالتالى استبعاد أوجه الفشل و تلافيها و اعتماد أوجه النجاح و كيفية تنميتها . ثانيا التعرف على إمكانيات الدولة الحالية و المتوقعة فهو من الأهمية بمكان بحيث يدرك المسئولون عن التخطيط ما هو الذى تحت أيديهم من قدرات و مزايا حول قوة الدولة فى المجال العسكرى و كذلك القوة الاقتصادية و الصناعية و البشرية و مدى تقدمها العلمى و التكنولوجى و قوة الترابط الاجتماعى و تماسك الدولة مع شعبها و تأتى العقيدة كتاج يزين جبينها و يمنحها العزيمة على تحقيق الغايات .... كل هذا يلزم النظر فيه و تكوين نتيجة ذات دلالة مع الوضع فى الاعتبار التطورات المتوقعة للدولة فى مجال معدلات النمو و الازدهار و زيادة الإمكانات المتاحة بمرور الوقت الزمنى مع افتراض حسن الأداء الذى ينبغى المحافظة عليه من الأجهزة المسئولة عن ذلك الكيان . فيتم وضع الخطة فى ضوء التعرف جيدا على الذات و بالتالى تكون الخطة أقرب إلى الواقعية عند التطبيق . ثالثا وضع الخطة بناء على ما سبق يتطلب حصرا للأهداف العليا و المرحلية و استشرافا للمدخلات التى قد تعوق الحركة نحو هذه الأهداف ثم الاختيار بين البدائل المتاحة و محاور العمل الفاعلة اختصارا للطريق مع تحديد تلك المسئوليات و توقيتات التنفيذ لكل مرحلة على حده. فإذا تم الانتهاء من ذلك كله لزم أن نتحدث عن النقطة التى تليها. رابعا - إقرار الخطة من العلماء حتى يتحقق الضبط الشرعى لما ينتوى الكيان القيام به فلا يصح للمسلم أن ينقل قدمه على غير بصيرة و لا شك أن معظم الحكومات فى العصر الحديث تضع رؤيتها المستقبلية بواسطة مجموعة من المتخصصين فى علوم الواقع دون العرض على أهل العلم الشرعى كى يطابقوا ذلك على أصول الأحكام الشرعية فلا تقع المخالفات الجسيمة التى تعود على المشروع كله بالبطلان مع إقرارنا بالاجتهاد المعاصر فى المسائل التى لم يرد فيها النص أو الإجماع أو القياس الجلى و هذا من عظمة الشريعة الإسلامية التى تحتوى على ثوابت لا يمكن المساس بها و على مسائل الفروع التى يتنوع فيها التناول كما أن التراث الفقهى حافل بممارسات سابقة و اجتهادات طيبة تحدث عنها فقهاء المذاهب بما يجعل الأمر واسعا و فى الإطار المشروع .... خامسا تطوير الخطط المستقبلية طبقا لأى متغيرات مؤثرة على جوهر الخطة و مواءمة كل مرحلة مع واقعها الجديد عند التطبيق حتى تكون الخطط حيوية و غير منفصلة عن التعديلات الجديدة فى المعطيات و ختاما فنكون قد تحدثنا فى عجالة حول المستقبليات التى ينبغى أن تحظى بالرعاية حتى لا نفاجأ بتطورات ليس لدينا رؤية لمواجهتها و زيادة سكانية ليس لدينا تصور لتوظيفها فتصير عبئا على الميزانية و مشكلة رئيسية و هى فى حقيقتها نقاط قوة ترفع من قدرات الدولة إذا أحسن المختصون استخدامها .... إن الدولة التى تسير بلا خطة مستقبلية تعتبر حركة عشوائية كلما اصطدمت فى طريق مسيرتها ارتدت إلى الخلف كى تبحث عن سبيل آخر و هو ما نجده فى كثير من حكومات اليوم و فى دول متعدده تسير على غير هدى و برغم وضوح منهج الإسلام نجد أن هناك من يترك العمل به و يختار مناهج وضعية يقوم بتجربتها فإذا فشلت انتقل إلى منهج وضعى آخر بعيدا عن الشريعة الإسلامية حتى أن بعض الحكومات تطبق نظاما يجمع بين بقايا الشريعة و مفردات من النظام الديموقراطى و حزمة من النظام الديكتاتورى و عدة أنظمة اقتصادية متنوعة و بالتالى يصبح ما تطبقه غير معلوم الهوية !! بل إن هناك ماهو أفظع من ذلك و هو أنه يوجد من يعلن عن مبادئ و يدعى احترامها فى الظاهر و حكوماته تسير فى اتجاه آخر بعيدة كل البعد عما يقال فشتان بين المنهج و التطبيق !! جعلنا الله من العاملين بما نقول و المتبعين للمنهج الربانى الفريد الذى فيه الصلاح للراعى و الرعية و حسن الخاتمة فى الدنيا و الآخرة ؛ و صلى الله و سلم على سيدنا محمد