رئيس جامعة المنوفية يؤكد على جاهزية الكليات لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني    «الشيوخ» يوافق نهائيًا على تعديل قانون لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية (تفاصيل)    براتب 20 ألف جنيه.. تعرف على فرص عمل للشباب في الأردن    رئيس الوزراء يقبل رأس ابنة أحد أفراد هيئة الإسعاف شهيد الواجب    63 ألف طالب بالصفين الأول والثاني الثانوي يؤدون امتحانات الرياضيات واللغة الأجنبية الأولى بالمنيا    الحصاد الأسبوعي لأنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي | إنفوجراف    رئيس الوزراء يؤكد سعى الدولة الدائم لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين    الببلاوي: غرفة عمليات متكاملة لمتابعة حجاج السياحة في مكة والمدينة    خبراء: "المسامير الصغيرة" تعرقل تصنيع هواتف آيفون في أمريكا    ل «حماية المعلومات السرية».. البنتاجون يتخذ قرارا بشأن الصحفيين المعتمدين    محافظ أسيوط يؤكد على دعم وتمكين الفتيات لممارسة الأنشطة الرياضية    محمد صلاح أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للموسم الحالي    أحمد الكاس في قطر لحضور قرعة كأس العالم تحت 17 سنة    "مش هتنازل عن حق بنتي".. والد الضحية سما يطالب بالقصاص في واقعة انفجار الواحات    تخفيف الحكم من مؤبد للمشدد 15عاما لتاجر لقتله شخص بشبرا الخيمة    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 6720 حاجا للمدينة المنورة    القبض على 4 أشخاص بتهمة سرقة المواطنين في القاهرة    «كان ياما كان في غزة» يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان    «فركش».. دنيا سمير غانم تنتهي من تصوير «روكي الغلابة»    رسميًا.. إطلاق تطبيق إلكتروني لطب خدمات الإسعاف في مصر (تفاصيل)    الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان استعدادا لبدء التطبيق الفعلي للمنظومة في المحافظة 1 يوليو المقبل    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    بعد افتتاح الرئيس.. تفاصيل المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر الصناعية| صور    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتسيطر على بلدتين    موجة شديدة الحرارة.. تحذيرات من الطقس خلال ال 72 ساعة المقبلة    المتحدث العسكري: الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة فرنسا    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي والمصري في الجولة الثامنة للدوري    منى زكي تعود بشعر «كاريه» يثير إعجاب الجمهور    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    لحظة أيقونية لمؤمن واحتفالات جنونية.. لقطات من تتويج بالأهلي ببطولة أفريقيا لليد (صور وفيديو)    جامعة سوهاج: اعتماد 250 مليون جنيه لفرش وتجهيز مستشفى شفا الأطفال    5 روتينات صباحية لصحة الغدة الدرقية بشكل طبيعي    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    وحدات تكافؤ الفرص بالشرقية تنظم 4 ندوات دينية توعوية وثقافية    تنويه للمسافرين.. تأخيرات في مواعيد القطارات تصل ل 90 دقيقة    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية    ضبط 35.7 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    10 شهداء في قصف الاحتلال مدينتي جنوب قطاع غزة    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 24 مايو 2025 في أسواق الشرقية    عيد الأضحى 2025.. أسعار الخراف والماعز في أسواق الشرقية    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الميدان
نشر في المصريون يوم 13 - 08 - 2013

المشهد المتحقق الآن في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة وكل الميادين في مصر مشهد لم يسبق لمصر أن عاشته في تاريخها كله إلا في ثورة يناير.
· في لحظات محددة تتمرد الشعوب على ذاتها، وتلفظ كل حالات الخور والخوف، وتستدعي كل أنواع الصلابة والشجاعة من تاريخها، ويتحرر وجدانها من كل خوف حتى ولو كان الموت ذاته.
· ثقافة جديدة نشأت في الميدان وبدأت تحتل مساحتها اللائقة بالشعب المصري في عقول ووجدان أبنائه، وهي ثقافة تخلصت مفرداتها من كل أنواع الخوف من السلطة بما فيها الرصاص الحي، بل هي تستهين به، وتسقط مهابته، وتراه وسيلة الباطل في بطشه وتسلطه وطغيانه، وتسخر من القاتل السفاح. تأمل تلك المفردات.
· هي تكة وبس، رصاصة ومش حتحس.
· اقتل واحد اقتل مية، مش حنسيبها للحرامية.
· تتشل الأيادي، اللى بتقتل ولادي.
· تلك أبجدية ومفردات الثقافة الجديدة، وهى ثقافة يتجلي فيها بعد الشجاعة والسخرية من القاتل والذي أظهرته الأحداث، وقد كان في تقدير البعض مستكنا وغائبا في وجدان المصريين، بينما كان معدوما لا وجود له في تقدير آخرين، هذا البعد لن يمِكِّن طاغية أو مستبدا من النوم ولو لليلة واحدة بلا منغصات أو أرق.
· أنا هنا لا أتحدث عن الحشود وروعتها وضخامة عددها وإنما أتحدث عن حجم الجسارة الجديدة والجرأة غير المعهودة، والثقافة التى أخذت امتدادها داخل الوجدان المصري، فأضحى يعشق الإقدام على المخاطر، ويزهو بالمنية، ويرى الموت في سبيل الحق الذى أمن به سبقا وارتقاء لمن نالوه قبل غيرهم.
· مدلول الثقافة الجديدة والذى أظهر الجسارة والتحدي والإصرار على تحقيق الأهداف ومواجهة الرصاص بصدور عارية، ورءوس عالية، هو عكس ما كان سائدا عن الشعب، وما كان يوصف به من قبل كشعب خنوع يقبل الدنية ويمضغ المظالم ويقتات على الاستبداد والقهر في الصباح والمساء، ويسلي نفسه بأغاني عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم وأفلام الشحرورة والسندريلا ومباريات الكأس ودوري كرة القدم.
· الدراسات التى تناولت هذا الشعب من ناحية تكوينه الوجداني وأبعاده الحضارية لم تكن كافية، ولم تكن دقيقة في التعرف على مكوناته، وربما اكتفت بما هو ظاهر في سلوكه دون أن تتعمق الباطن المستكن داخل وجدان هذا الشعب، وأنه في لحظة إرادة واحدة يثور على ضعفه فيصبح قويًا، ويتمرد على كل أنواع الخوف لديه فينفضها عن نفسه وينطلق في الميادين وكأنه إعصار هادر.
· مع فارق التوقيت، لا أكاد أنام إلا لحظات قليلة من كثرة ما تشدني وتبهرني مواقف ذلك الشعب، فمع كل يوم أو ليلة يتدفق عطاؤه المبهر، ومع كل يوم أو ليلة يظهر لك بُعْد جديد لم تكن تعرفه عنه من قبل وأنت الذي تربيت في أرضه وبين حقوله، وعلى ضفاف نيله وترعته، وتحت أشجار نخيله وكافوره وصفصافه.
· وبصرف النظر عن موقفك السياسي وقناعاتك، ومع مَنْ أنت أو ضد مَنْ، فليست تلك هي موضع العجب ولا هي التى تشد كل انتباهك وتشد كل أعصابك، وتحظى بكل طاقة التركيز لديك، وإنما قدرة هذا الشعب على امتصاص التحدي وحجم جسارته التى تصل في التقدير إلى حد يتخطى حتى كل حسابات التهور، وذلك هو السر الذي يبحث عنه ويهتم به كل باحث مشغول بأثر الدوافع في التغلب على أعقد المشكلات وأعتاها، بل وصنع المستحيل أحيانا.
· ظهور هذا النوع من الأبعاد المخفية الكامنة في بعض الشعوب والأمم لا يظهر مع رتابة الحياة، ولا في أوقات الرخاء وإنما يظهر في التحديات الكبرى التى تواجه الشعوب، ويستشعر الوطن لحظتها أن هويته مهددة، والهوية هي الملاذ الأمن الذي يلجأ إليه الفرد والمجتمع عند الشدائد الكبرى، فإذا شعر شعب بتهديد لتلك الهوية هب ثائرا لا يلوي على شىء مهما كانت النتائج والأثار.
· الشعب المصري استشعر تلك اللحظة أمام تحديات واجهت كرامته وحاولت أن تذل كبرياءه بعد حرب يونيه 1967، فتحمل مرارة الأيام، وتحامل على جراحه حتى جاءت لحظة الحركة الحاسمة فقفز إلى أعلى، متجاوزا كل حدود التقدير، وتخطى كل دروب الخطر ومنحياته، وقرر أن يدخل إلى قلب اللهيب ولا يحترق فحطم خط بارليف وعبر أعتى الموانع المائية، وقرر الدخول إلى العدو في عمق تحصيناته ودشمه ومواقعه الحصينة.
· الحديث عن النابلم والقنابل الفراغية والفسفور المخصب غابت صوره المرعبة من ذاكرة ووجدان أبناء ذلك الشعب، ولم يبق أمامه إلا الإصرار على العبور وتحدى كل أنواع الموت على الضفة الأخرى.
· السبب المباشر في هذا التفاعل الذي تم في داخل الشعب المصري هو إحساسه بأن كرامته أهينت وبأن حريته مختطفة، وبأن مستقبله يتعرض للضياع.
· في تقديري كباحث متواضع أن اللحظة تتكرر الآن في رابعة العدوية، وفي ميدان النهضة وفي كل ميادين مصر، وأن الشعب يستشعر أن ثورته تسرق، وأن حريته تسلب، وأن هويته في محنة وجود أو موت، ومن ثم تمصرنت القضية، أي أنها أصبحت قضية مصر كلها، قضية وطن يتعرض لمحنة في هويته، ولم تعد قضية إخوان مسلمين، ومن ثم فإن ذاكرة المصريين استعادت وعيها بعد أن نجحت في خطفها لبعض الوقت مصانع الكذب الإعلامي ودوائر هندسة الرأي العام في أجهز الأمن بمستوياتها المختلفة، واستطاعت أن تصور إجماعا جماهيريا رافضا للإخوان عن طريق خداع الكاميرات واستعمال حيل هوليود، غير أن لحظات الزهايمر في الوعي الجمعي لم تطل، وبدأت الذاكرة السياسية في الشعب الأصيل تستعيد ذاتها وتتعلم أنه لا يجوز أن تلدغ من جحر العسكر مرتين فراحت مع الوجدان المصري يستدعيان رصيدهما من عمق التاريخ، ومن أعماق النفس البشرية ويستحضران تجارب سابقة تراكمت خلال عشرات السنين، لم يجن الشعب منها غير المرار والعلقم، فقرر الاعتصام السلمي وألا يصطدم بجيشه الوطنى وإن أريقت دماء زكية، وأن يعود جيشه إلى مهمته الأساسية مكرما ومعززا ومحمولا فوق الرءوس، كما قرر أن يرفض العودة إلى الاستبداد، وأن يواجه هذا التحدي ولو بصدور عارية.
· أمام لصوص الوطن السابقين والذين أرادوا العودة من جديد لحكم مصر على أن يقود الجيش المعركة نيابة عنهم ظهرت الجسارة الجديدة، ليست فقط في التحدي بالتظاهر السلمي والاعتصامات البيضاء، وإنما بسلاح آخر هو قوة الكلمة وشرف المقال وقدسية الحرف المضيء الذي يشير صارخا إلى اللص ويحذر الغافلين من حيل صبيان نشال الوطن، وأعوان البلطجة الإعلامية والثقافية الذين يروجون الإفك عبر مصانع الكذب في فضائيات العم سام، وإن كان المتحدثون فيها بلسان عربي يفضحهم لحن القول، وتكشفهم لكنة تنبئك عن أسرارهم، وما يتلقونه من جدول الشائعات الخاصة بكل يوم جديد.
· الجسارة الجديدة وجهاد الثقافة والقلم لها. في التوثيق الأصيل رجال ورواد كأمثال اللؤلؤ المكنون، لا يتحولون ولا يتغيرون، ولا تباع ضمائرهم ولا ذممهم بملء الأرض ذهبا ولا يرهبهم مثلها حرابا وعذابا.
· تلك الطليعة الثقافية الجادة والشريفة يقودها جنود من كتائب الحق الوطنية التى لم تتحول الثقافة في مبادئهم إلى سوق وتاجر وسمسار، وهم يمثلون نماذج لمخزون الأمة ورصيدها الفكري الشريف والشامخ الذي لا تدينه رغبة ولا تقصيه رهبة، وهؤلاء هم رموز لإضافات وإضاءات حضارية قادمة يحملها رحم الأمة، وظهر بعضها في الأحداث الأخيرة، وبصوت مسموع كشف أباطيل الزور والبهتان، وستولد البقية عما قريب لتكون سياجا للوطن من اللصوص، وحصنا للوعي من التزييف، وحاميا للحرية من كل أشكال الاغتيالات الانقلابية.
مفتى القارة الأسترالية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.