غالبا ما تكون الثورات نابعة من نبض شعبى للمطالبة ببعض الحقوق المفقودة سواء على المستوى الاجتماعى او على مستوى الفكرة السياسية ، وغالبا ما تستخدم سؤ الحالة الاجتماعية لمجتمع ما وتدنى الخدمات والمطالبة بتحسين المعيشة الاجتماعية ليكون ذلك كله نواة لتحقيق مكاسب سياسية وهذا ما حدث فى حال الثورة المصرية والتونسيسة فعندما اشعل محمد البوعزيزى النار فى جسده لم يكن يفكر على الاطلاق فى تغيير سياسى انما كانت بالنسبة له الاداة الوحيدة لمجرد التعبير عن استيائه من وضعه الاجتماعى فلم يكن البوعزيزى يوما مناضلا سياسيا او ناشطا حقوقيا انما هو شاب بسيط كعامة شباب الوطن العربى الذين انهوا دراستهم وتم القذف بهم فى معترك الحياة ليواجهوا مصيرهم المجهول ويصبح امله ان يحصل على قوت يومه فقط، وهو الحال فى الثورة المصرية ففى بدايات الثورة لم يكن هناك سوى شعار واحد عيش حرية عدالة اجتماعية وكان دائما ما يتمثل للشبابا فى خلفية الصورة خالد سعيد ذلك الشاب الذى تم الزج به فى طريق الثوار لاحداث حالة من الرمزية او الفلاش باك لهم حتى اذا فترت عزائمهم كان من الممكن ان يرجعوا الى صورته التى تمثلهم جميعا فدائما ما يكون من الضرورى وجود صورة مرفوعة تعبر عن الرمزية ليلتف حولها الشباب محمد البوعزيزى نموزجا فى تونس وخالد سعيد نموزجا فى مصر حاصل الامر ان الفكرة السياسية لم تكن مطروحة ابتداء ولم تكن النية موجهه لتغيير نظام وانما دائما ما تتطور هذه الفكرة من خلال جملة من التطورات التى من بدايتها الى نهايتها يصنعها الشباب المتمرد على اوضاع اجتماعية وليس الرافض لاوضاع سياسية وهذا ليس معناه الفصل بين ماهو سياسى وما هو اجتماعى وانما غالبا ميا يكون الظرف الاجتماعى هو مقدمة للفكرة السياسية وعندما يرتفع سقف المطالب الاجتماعية من المطالبة بتحسين الدخول والاهتمام بالمرافق واصلاح الطرق ومعالجة مشكلة البطالة وما يستتبع ذلك من اعتصامات واضرابات فئوية هنا يبرز دور النخبة التى ظلت تراقب المشهد عن بعد متحينة الفرصة للانقضاض على ذلك المنتج الشبابى الرائع، لكن هذا الانقضاض لم يتم بصورة عشوائية او غير منظمه لكنه غالبا ما يتم عن طريق استمالة شباب الثوار واحتوائهم نفسيا وعاطفيا بمساعدة الالة الاعلامية التى هى دائما تميل الى الجانب النخبوى فيحاول الاعلام تلميع هذه المطالب باضفاء نوع من الربط بين ما هو سياسى وما هو اجتماعى فى هذه الحالة جملة من الالقاب فتجد ان هذا اصبح ناشطا سياسيا وقد لا يكون يفقه اى شىء فى علم السياسة وكل ذلك خديعة والعوبة اصنطعتها النخبة وساهم فيها الاعلام بشكل كبير، ايضا شباب الثوار فى حال ثورتهم دائما ما يبحثون عن غطاء درامتيكى لثورتهم العاطفية وهذا لن يجدوه سوى لدى النخبة التى تفتح لهم منتدياتها وتوفر لهم احيانا الغطاء المادى الذى لا غنى عنه. والحالة فى مصر تتمثل فى جماعة الاخوان المسلمين الذين لولا قدرتهم الفائقة على الحشد والتنظيم وتوفير الامكانات المادية اعتقد ان ثورة 25 يناير لم يكن لها ان ترى النور. الملاحظ المدقق فى احداث الخامس والعشرين من يناير يجد ان كافة طوائف المجتمع كانت مجتمعه فى الميدان وكل طائفة لها ايديولجيا او ان صح القول اجندة خاصة تحاول من خلالها الوصول فالنخبة العلمانية تريد التاكيد على مدنية الدولة فتتداول هذا المصطلح اعلاميا وتسوق له وهى فى ذات الوقت تتهامس فيما بينها نريدها علمانية، والنخب التى تنتمى الى التيارات الاسلامية فى الواقع لديها مشكلة حقيقية فهى تنادى دائما بالدولة الاسلامية مما يجعل التيارات الاخرى وحتى الذين لا ينتمون الى اى تيار سياسى يتسالون وهل نحن فى دولة كافرة فنحن من اكثر الدول التى يوجد بها مساجد القاهره وحدها بها اكثر من الف مسجد وفى القرى تقام المساجد والزوايا على ضفاف الترع وفى كثر من الاحيان بدون موافقة الوزارة المختصه، ايضا المواطن البسيط كان دائما ما يتسال فعلى اى مذهب ستكون الدولة مذهب الاخوان او مذهب السلفيين، ايضا الاقباط لم يغيبوا عن المشهد داخل الميدان بل كانوا يقفون لحماية المصلين اثناء اداء الصلاة فى مشهد درامى الى حد كبير لكن هذا لم يمنعهم من التعبير عما يدور فى رؤسهم من رفضهم لقيام الدولة على اساس دينى وقد يكون ذلك لاحساسهم من التعرض للقهر وهم فى ذلك يستحضرون سيطرة الكنيسة على مقاليد الحكم فى العصور الوسطى الى الدرجة التى كانوا يدخلون الناس الجنة او النار لمجرد اعطائهم صك بذلك، اما الغائب الحاضر فى هذا المشهد فهم البسطاء او كما اصطلح على تسميتهم حزب الكنبة وهو فى كل الاحوال يمثلون اغلبية مطلقة من الشغب ليس شرطا ان يكونوا فقراء على الاطلاق لكنهم طابور طويل يضم الكثير من رجال الاعمال الذين ليس لهم اهتمامات سياسية وقد تكون حالة الارتباك فى صالحهم لترويج تجارتهم بعيدا عن الرقابة , ومنهم كثير من اساتذة الجامعات الذين انتهت مشاكلهم الحقيقية عند زيادة دخولهم بما يتناسب مع مكانتهم, ومنهم ومنهم ومنهم الكثير وقد حاولت النخب المختلفة ايضا احتوائهم من خلال الوعود بتوفير المواد الاساسية والاهتمام بمحدودى الدخل منهم وفى كل ذلك فهم الخاسرون طوال الوقت فمن المنطقى ان تتعطل التنمية فى اوقات الثورات حتى تنتهى النخب من حسم صراعاتها على السلطة ولا يملك البسطاء والمهمشين الا ان يصبروا ويصابروا ويكتمون انفاسهم ويربطون على بطونهم. بعدما اعلن مبارك او اجبر على التنحى يوم الحادى عشر من فبراير بدأ الثوار يفيقون من غفوتهم ويراجعون حساباتهم ويطرحون السؤال الذى طالما طرحه النظام الاسبق ان لم يكن مبارك فمن يكون؟ فالرئيس المتنحى كانت قدراته تفوق الخيال فى لتلاعب على كثير من الاوتار التى تجعل الشعب دائما فى حالة من الاسترخاء فهو تارة بطل السلام الذى جنب البلاد ويلات الاصدام فى كثير من المواقف وهو ايضا الرجل الذى يبدو ان الغرب يقدره ايما تقدير وكذلك العديد من الدول الخليجية وهو الرجل الذى يحبه الاقباط على الرغم من انهم لم يحققوا اية مكاسب تذكر فى عهده بل على العكس فكثير من العنف كان يوجه ضدهم ابتدا من مذبحة «الكشح» عام 2000 التي راح ضحيتها 21 قتيلاً، مرورا بمذبحة نجع حمادى بقنا عام 2010 وراح ضحيتها 6 قتلى.وانتهاء بمذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية عام 2011 التي راح ضحيتها 27 قتيلاً والغريب فى الامر انه دائما ما كانت اصابع الاتهام توجه الى النظام الحاكم لالهاء الناس بالشان الداخلى وشغل الناس بعضهم ببعض عن التفكير فى تنمية حقيقية يمكن لها ان تنهى حالة الاحتقان الموجودة فى الشارع المصرى, وعلى الرغم من ذلك فان الكنيسة القبطية لم تكن راضية كل الرضا عن ازاحة مبارك عن الحكم واستبداله بالمجهول على منطق (اللى نعرفه احسن من اللى ما نعرفهوش) بعد وقت قليل من التفكير ادركت النخب السياسية انها وقعت فى مشكلة حقيقية لان التكتل الوحيد الموجود فى الشارع وهو القريب من الناس الى حد بعيد هم جماعة الاخوان المسلمين على الرغم من انهم لا يمتلكون حزبا سياسيا لكنهم يمتلكون تعاطفا شعبيا لانهم تم اضطهادهم على مدار 80 عاما, ومنطق التعاطف يرتكز على ما تعرضت له هذه الجماعه من اضطهاد فى عهد مبارك وقد اصبحت جماعة محظوره , وهم ايضا يمتلكون ما هو اعظم من ذلك الا وهو (الاسلام هو الحل ) وهذا هو المفتاح السحرى للوصول الى قلوب الناس فالشعب المصرى هو شعب متدين بفطرته ايضا فان التجارب السابقة والتحولات المتلاحقة من الفكر الاشتراكى الى الرأسمالى لم يحقق للناس خاصة البسطاء منهم اقل القليل من الامان الاجتماعى فكان من المنطقى خوض التجربة التى لن تكلف الناس كثيرا فى حال فشلها ومن اجل ذلك رأينا هذا الاكتساح الرهيب للتيارات الاسلامية فى المجالس التشريعية وفى النقابات المهنية والعمالية, وهذه الثقة العمياء جعلت التيارات الاسلامية لا تدقق فى اختيارها لمن ينوب عن الناس فرأينا سائقى التكتك واصحاب الحرف يجلسون على مقاعد مجلسى الشعب والشورى وظهرت كثير من السوءات بعد ذلك والتى ساهمت الى حد كبير فى سقوط هذه التيارات فلم يعد مقبولا ان اعطيك صوتى بوعد انك ستدخلنى الجنة فالجنة بيد الله عز وجل يدخل فيها من شاء ويطرد منها من شاء. بدات النخب السياسية طورا اخر من التحول فى التفكير من مجرد ازاحة نظام الى اقناع الناس بان البدائل المطروحة اشد خطورة مما سبقها ولذلك علت الاصوات بضرورة وضع الدستور اولا والتمهل فى اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية حتى تلتقط النخبة انفاسها وترتب اوراقها لانها تعلم ان اى محاولة لاجراء اى انتخابات ليست فى صالحها على الاطلاق فالتيارات المدنية المتسترة خلف البذات الغالية والسيارات الفارهة كنت تمثل قلقا حقيقيا للبسطاء ولذلك حاول الكثير من النخب ايهام الناس بالتخلى عن ذلك فكانت دائما شعارات الحملات الانتخابية تحمل للناس نوع من الطمانة من امثال (واحد مننا ) (مصر للجميع) الى غير ذلك, لكن هذه الشعارت لم تكن لترضى البسطاء الذين يمثلون الكفة الراجحة فى اى اختبار فوجود التيارات الاسلامية بين الناس والانغماس معهم فى مشاكلهم البسيطة جعل كفتهم هى الراجحة.