لم نتفاجأ بالموقف الأمريكي ودروه في تعطيل قرار في مجلس الأمن يدين المجزرة الإسرائيلية الجديدة، فكهذا تعودنا، بل المفاجأة أن تؤيد أمريكا موقفنا ولو لمرة واحدة أو تصدر ولو مجرد إدانة ولو بالتنديد لربيبتها (إسرائيل). فبعد عشر ساعات من المفاوضات المغلقة، اكتفى نص البيان الصادر عن مجلس الأمن بشأن مجزرة أسطول الحرية، "بالأسف العميق عن الأعمال التي أدت لخسارة أرواح عشرة مدنيين على الأقل". واكتفى بالمطالبة بتحقيق غير منحاز وشفاف وذي مصداقية ولم يذكر أي إشراف للأمم المتحدة عليه، في حين ورد في النص الأصلي المطالبة بتحقيق مستقل وفقا للقانون الدولي. وأشار مراسل قناة الجزيرة الفضائية إلى أن الوفد الأمريكي عطل مشروع البيان الرئاسي الذي تقدمت به تركيا بدعم عربي ورفض إدانة الهجوم، واعترض على المطالبة بتحقيق مستقل خلال ثلاثين يومًا، كما صمم على إضافة جملة تطالب دول المنطقة بدعم الطرفين للمضي في مفاوضات السلام. فالإدارة الأمريكية أرادت أن تذكرنا ومئات الملايين من العرب والمسلمين، بأنها وفية للإرهاب الإسرائيلي، وداعمة له، ولا يمكن أن تتراجع عن هذا الموقف، حتي لو كان على رأس تلك الإدارة أوباما وليس بوش، فالأمر لا يختلف كثيرًا، أعجبني رسما كاريكاتوريا يصور بوش وهو يمسك العصا ويضرب بها أعداءه، بينما أوباما يمسك وردة في يده ويخفي العصا في اليد الأخرى وراء ظهره، هذه هي حقيقة الفرق بين الإدارة الأوبامية، والإدارة البوشية. فعندما يعلم الملايين من المسلمين من جميع أنحاء العالم بمقتل العشرات وهو يحاولون إغاثة أهالي غزة ويتلون ماء البحر بدمائهم، ويعلمون في الوقت نفسه ما توفره إدارة أوباما الجديدة من غطاء سياسي ودبلوماسي لإسرائيل كي تنفذ جرائمها في حق المسلمين دون محاسبة فإن قناع أوباما الذي حاول لبسه من يوم أن تولى رئاسة الولاياتالمتحدة يكون قد سقط. فمنذ أياما قليلة خرج علينا أوباما بحملة علاقات عامة جديدة متخذًا شعارًا جديدًا لها وهو أن حرب الولاياتالمتحدة ليست ضد الإسلام ولا حتى ضد الإرهاب بل هي ضد القاعدة على وجه الخصوص. وهو الذي بدأ رئاسته بزيارات للعواصم العربية والإسلامية (أنقرة ، القاهرة، الرياض) ملقيًا الخطب ومستشهدًا بالآيات القرآنية ومبشرًا بعهد جديد. تمامًا كما فعل سلفه نابليون فقد نقل الجبرتي أن نابليون عندما دخل إلى مصر جمع العلماء والمشايخ وألقى فيهم خطابًا تاريخيًا استفتحه بالبسملة, استشهد فيه بالآيات القرآنية قائلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم.. لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة قولوا لأمّتكم أن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين). فنابليون هذا هو من خرب الأزهر الشريف واتخذ من أروقته إسطبلاً لخيول جنوده، وكان في الوقت نفسه أول من بشر بوطن قومي لليهود في فلسطين قبل وعد بلفور الإنجليزي بعشرات السنين. لقد استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض الفيتو حوالي 43 مرة ضد مشاريع قرارات تطرحها دول المنظمة الدولية تدين إسرائيل. كان أولها في عام 1967: حين استخدمت واشنطن الفيتو لأول مرة للحيلولة دون صدور نص قرار وقف إطلاق النار أثناء حرب يونيو وانسحاب القوات المتحاربة إلى خطوط الهدنة السابقة. مرورًا بالعام 2004: 25/3: حين صوتت الولايات لإسقاط مشروع قرار يدين إسرائيل على قيامها باغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ أحمد ياسين. كما أسقطت واشنطن 5/10 من نفس العام مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على شمال قطاع غزة والانسحاب من المنطقة. ولا أتوقع أن يكون الفتيو الأمريكي الداعم للمصالح الإسرائيلية سيكون له آخر. لقد حاول أوباما غسل وجه أمريكا البغيض في العالم العربي بعد أن لوثته دماء الشهداء في العراق وفلسطين وأفغانستان، بل دماء السجناء في أبي غريب وجوانتنامو، بكلمات وخطابات مجرد شعارات دون أي محتوى، ولقد أتى الموقف الأمريكي الأخير ليضع الرتوش الأخيرة على وجه أوباما القبيح الذي حاول تزيينه منذ بداية رئاسته وحتى الآن. فالرئيس أوباما يرى أن تلك الجرائم الإرهابية الإسرائيلية، تصب في خانة الدفاع عن النفس، بينما يرى المقاومة الفلسطينية المشروعة هي الإرهاب بعينه، ثم يريدنا بعد ذلك أن نصدق كل أحاديثه عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان والعدالة وضرورة العمل من أجل حور الحضارات وليس صراع الحضارات. نستطيع أن نقول: إن العالم الآن أصبح يدرك أن إسرائيل هي مصدر الإرهاب الحقيقي، وأن دماء الشهداء التي امتزجت بماء البحر، ستلهب عقول وقلوب المئات بل الآلاف ليخضبوا بدمائهم الأرض والبحر وتسقط دمائهم أمطارًا فوق رؤوس أعدائهم.