الفيديو الذي صرح فيه الكاتب الصحفي حلمي النمنم – قبل أَنْ يعلم أَنَّه على الهواء- عن أَنَّ (مصر بلد علماني بالفطرة وليس متدينًا بفطرته و أَنَّه قد حانت الفرصة لحذف الإسلام السياسي من المشهد وعلينا أَنْ نستغلها، وقد أريقت دماء لتكون مصر بلد علماني وسوف تراق دماء أخرى )، هذا التصريح ينبغي ألَّا يمر علينا مرور الكرام، بل لابد من أَنْ يقف المخلصون معه بالشرح والتحليل، ففيه صِدْق لكلام ربنا، كما أَنَّ فيه تعليمًا وتحذيرًا لنا، فقد حدثنا القرآن الكريم في أكثر من مناسبة عن أَنَّ الكارهين للإسلام الحاقدين على أهله مهما كتموا حقدهم وأخفوا كرههم فإِنَّ الله مطلع المؤمنين على بعضه، أقف من هذه المواقف على قوله تعالى في سورة محمد (29-31): (أَمْ حَسِبَ الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم *ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم )
فقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} من شبهة أو شهوة، بحيث تخرج القلب عن فطرته واعتداله، أن الله لا يخرج ما في قلوبهم من الأضغان والعداوة للإسلام وأهله وأن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ هذا ظن لا يليق بحكمة الله، بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، فإنه لابد أن يميز الصادق من الكاذب، وذلك بالابتلاء بالمحن، التي من ثبت عليها، ودام إيمانه فيها، فهو المؤمن حقيقة، ومن ردته على عقبيه فلم يصبر عليها، وحين أتاه الامتحان، جزع وضعف إيمانه، وخرج ما في قلبه من الضغن، وتبين نفاقه، هذا مقتضى الحكمة الإلهية، والْأَضْغَانُ: جَمْعُ ضِغْنٍ، وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بِنَصْرِهِ. وقد صدق القائل: وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَفْشُو*** عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا وقوله: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} أي: ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانًا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترًا منه على خلقه، وحملًا للأمور على ظاهر السلامة، ورد السرائر إلى عالمها، وقوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } أي: لا بد أن يظهر ما في قلوبهم، ويتبين بفلتات ألسنتهم، فإن الألسن مغارف القلوب، يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر، بحيث يفهم المستمع من معاني الكلام وفحواه من أي الحزبين يكون صاحب الكلام، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وفي الأثر: "ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر".
أما في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين وَنَبْلُوَا أخباركم) ، فقد ذكر سبحانه أعظم امتحان يمتحن به عباده، وهو الجهاد في سبيل الله، فمن امتثل أمر الله وجاهد في سبيل الله لنصر دينه وإعلاء كلمته فهو المؤمن حقًا، ومن تكاسل عن ذلك، كان ذلك نقصًا في إيمانه. والابتلاء بالسراء والضراء، وبالنعماء والبأساء، وبالسعة والضيق، وبالفرج والكرب.. كلها مواقف وحالات تكشف عما هو مخبوء من معادن النفوس، وما هو مجهول من أمرها حتى لأصحابها، فالفتن كاشفة كما يقول الحكماء، نسأل الله أَنْ يثبتنا على الحق وأَنْ ينصر الإسلام وأهله المدافعين عنه وأَنْ يَخْذُل الحاقدين والكارهين وَالْمُرْجِفين في المدينة، آمين آمين . أحمد عبد المجيد مكى – باحث فى الشريعة الإسلامية