لدي الكثير مما أعتقد بصحته عن الحالة المصرية وأرغب في قوله غير أني أجابه عقبة كبيرة في الحقيقة وهي أن الغالبية الأن ممن تقرأ أو تسمع تصنف فوراً أي متحدث في إحدى خانتين إما "مع" أو "ضد" وهذه مشكلة - غير أنها تعظم حين نعلم أنها قد تتسبب في قطع روابط وعلاقات صداقة تمتد بعضها لسنوات رغم أن الخلاف السياسي أمر طبيعي ووارد – بل يكاد أن يكون القاعدة بعد هذه المقدمة أطرح رؤيتي الكاملة للأحداث بمصر كما اراها وكما تؤكدها الشواهد الكثيرة التي عندي 1- الجيش في مصر عنصر أساس لحماية كيان الدولة (أي بقائها أو وجودها ذاته) هذا هو قول التاريخ – لم تكن مصر يوماً بدون جيش وحين إنهار هذا الجيش كانت مصر محتلة بالتأكيد أو هي على بعد خطوات من الإنهيار. الجيش هو عمود مصر الفقري و نيلها الثاني وأي تهديد لأي منهما يعني تهديد مصر ذاتها. فالنيل الأول هو مصدر الحياة والجيش هو مصدر الإستقرار والوجود السياسي ذاته - إن أي إنهيار للجيش يعني ببساطة أن وجود الدولة ذاتها أصبح على المحك - لا بل أصبح ماضياً. الجيش عنصر أساس لبقاء مصر وليس فقط درع لها من مخاطر الخارج. 2-الجيش المصري، كأي جيش حين يتحرك داخليا (أي في الداخل المدني) يتحرك بقوة مرتكباً ما يطلق عليه المدنيين أخطاء – أخطاء من وجهة نظرهم كمدنيين متناسين أنه جيش وليس حزباً سياسياً! فالجيش الأمريكي الحامي لراعية الديمقراطية وحقوق الإنسان إرتكب مجازر وكوارث في العراق وله فضائحه في أفغانستان والجيش الروسي له ما له في أفغانستان والشيشان ومن قبل في براج وغيرها – هي جيوش وهذه طبيعتها وإذن فالجيش المصري ليس بدعاً من الجيوش- بل هو جيش نظامي محترف يعلم تماماً طبيعة عمله والأهم هو أنه يعي حيوية دوره وأهمية وجوده لوجود الدولة التي يدافع عنها. 3- في مصر حالة مطالبة بالديمقراطية - وهي حق للشعب لا شك في هذا - بل إنه وبعد ثورة 25 يناير يستحق هذه الديمقراطية بعد أن أثبت أنه واع وقادر على الفهم والبذل والمطالبة رغم صبره الطويل الذي يكون عادة مراعاة لأهداف أخرى ابعد مدى 4- هناك في مصر مجتمع منقسم متشرذم لا يعرف معنى العمل السياسي الحرفي نتيجة أعوام طويلة من توقف الحركة السياسية الوطنية في مصر ورغبة نظام مبارك العارمة في إقصاء أي وجود سياسي يمكن أن ينافسه (في النصف الاول له في الحكم) أو ينافس إبنه من بعده (في أعوامه العشرة الأخيرة وتحديداً منذ العالم 1997 وربما بدأ التفكير في مسألة الوراثة بعد عملية محاولة إغتياله في أديس أبابا) وهناك أيضاً في مصر عامة بسطاء تأتي أهمية توفير مقومات الحياة لديهم أولوية قصوى في ظل وضع إقتصادي مترد أقصى ما يكون التردي ورهيب من حيث شدته وتوجد أيضاً جماعة ملتحفة برداء ديني ونشطة جداً سياسياً - هذه الجماعة منظمة تنظيماً شديداً وتستطيع أن تُسيطر على المشهد السياسي بسهولة في أي ممارسة حرة للديموقراطية وهذا ليس ذنبها - فهي قد عملت بجد طوال سنوات لتصل لهذا لتنظيم الجيد الذي يمكن أن يخدم أهدافها السياسية. صحيح أنها بدأت دعوية ولكن ضعف مبارك الواضح منذ أول فترات حكمه وقوة الزخم التي إكتسبتها من رعاية ودعم الرئيس الراحل السادات لها جعلتها تحول أهدافها من الدعوة (قبل السياسة) إلى التمكين (أي السياسة) 5- هناك شعب به قطاع عريض لا يمكن أن ننكر عليه ما يشعره ويتجسه تجاه الجماعة وهذا القطاع لا يشعر بالثقة تجاه أهداف الجماعة الحقيقية. أهدافها السياسية مبهمة، إتصالاتها الخارجية تثير الشكوك (لا عن طريق حزبها السياسي فهذا حق للأحزاب لأنها قد تصل للحكم يوماً من خلال العملية الديمقراطية ولكن عن طريق تنظيمات الجماعة الدولية المبهمة غاية الإبهام - إسنا في أميريكا مثلاً)، مواقف الجماعة البراجماتية (من ينسى صور قادتها وهم يتحاورون مع الراحل اللواء عمر سليمان والتي كانوا يدركون حتماً أنما هي لإنقاذ مبارك؟) التي لا يمكن لعاقل أن ينكرها وأخيراً عقيدتها التي كانت العباءة التي خرجت منها كل الجماعات السياسية المرتدية رداءاً دينياً. أنا أحد هؤلاء الذين لا يثقون بها (أي بالجماعة) مطلقاً، سواء منذ تعرفت عليها في الجامعة أوالأن من خلال متابعتي لها والتي أزعم أنها متابعة جيدة، وهذا حقي ومن حقها أن تحصل على حقوقها كاملة ككيان سياسي حتى وفي ضوء عدم الثقة بها (أنظر 7 و 8 ) - فهي جزء من الوطن وأعضائها بعض أبنائه (وطبيعي أن 99.99% من أبنائها ليسوا كلهم على ذات الكادر القيادي بها وبالتالي ليسوا كلهم عارفين بالأهداف الخفية للجماعة- الخفية والمؤكد وجودها - وأي منكر لوجود أهداف خفية لها يكون كما النعامة التي تدفن رأسها في الرمال - وبالله لا يسألني أحد ما هي هذه الأهداف (يا متفذلك) لأني لا أعرفها قطعاً غير أنه يمكن أن نحاول معرفتها بالإستقراء البسيط للموقف السياسي على الساحة العربية على الأقل! 6- أي إعمال لمبدأ الديمقراطية الأن سيأتي بالجماعة حتماً وهذه هي الديمقراطية غير أن الصندوق الذي تقاتل عليه الجماعة كعجل مقدس ليس هو فقط ما يمكن أن نعول عليه في حالتنا الراهنة هنا – الحالة المصرية. فالدولة المصرية قد خرجت منهكة من خوضها خمسة حروب ضخمة وحكم شمولي أمني مخيف في عهد حسني مبارك. ثلاثون عاماً إنفض الناس فيها عن أشياء كثيرة وتعرضوا لأحداث جسام (هل يمكن أن ننسى المظاهرات المطالبة لعبد الناصر بعدم التنحي أو مظاهرات يناير في عهد السادات، بل هل يمكن أن ننسى هزيمة القيادة السياسية والعسكرية في يونيو 1967؟) وتغيرت التركيبة المجتمعية والقيمية للشعب المصري في هذه الفترة تغيراً هائلاً - هائلاً بحق بحيث أصبح ما كان مستبشعاً في الماضي من بعض التصرفات والسلوك المجتمعي حقيقة مقبولة اليوم والعكس صحيح. لا يمكن أن ننتقل فجأة وبين عشية وضحاها لحكم ديمقراطي كامل! لا يمكن. روسيا لم تستطع ورومانيا لم تستطع وأوكرانيا لم تستطع أما ألبانيا فقد إنفصل عنها إقليم كوسوفو (بصرف النظر عن أسباب الإنقسام - والتي أؤيدها – لكن حصل إنقسام للدولة فعلاً) – لكن هذه الديمقراطية التي نريدها لا تتجزأ ويجب أن نقبل بها كما هي وإلا فإننا لا نقوم بها كما يجب ونخدع أنفسنا. غير أننا ابداً لا يجب أن ننسى أن الفترات الإنتقالية وخصوصاً بعد الثورات لا تخضع لمعايير منطقية معروفة أو موضوعة كقوانين في كتب – كل ثورة لها طريقتها في الخروج من مرحلة الثورة لمرحلة الإستقرار ومن ثم التطبيق الحقيقي للديمقراطية، والصندوق، في حال نجاحها الكامل. 7- هذه النقطة، هنا، هي مربط الفرس في جوهر الخلاف الحقيقي الذي نراه في الشارع بل وفي كل المنطقة العربية تقريباً، سواء تلك التي بها فرع للجماعة أو تلك التي تخشاها. الجيش لا يستطيع الثقة بالجماعة – أجهزة الأمن القومي (وهي لا تشمل الشرطة التي نعلم تماماً كلنا أنها فاشلة وفاسدة فشلاً وفساداً يستوجب الهيكلة لا الإصلاح) لا تثق بالجماعة ثم إنها أصلاً على عقيدة أمنية تجعلها ترى في الجماعة السياسية(والدعوية) جماعة مريبة ذات أهداف غامضة و خطرة فكيف يمكن للجيش الأن أن يقهر جدار عدم الثقة الرهيب هكذا وفجأة وكيف نسأل الأجهزة الأمنية أن تثق في مسؤول من الجماعة هي على يقين أنه سيخبر جماعته بكل ما يقع تحت يديه من معلومات تستغلها الجماعة لمصلحتها ومصلحة إنتشارها وسيطرتها!؟ متابعة شخصية الرئيس السابق محمد مرسي تؤكد هذه الحقيقة. أنا أحترم الرجل وإختياراته وقراراته وموقن أشد اليقين أنه كان يعمل معتقداً أنه يحقق الصالح العام – كما تراه الجماعة التي يثق بها هو. لكن الجيش، كيف نطلب منه أن يثق فجأة في الجماعة!؟ هذا أمر فيه من اللامعقول ما فيه.كيف يثق الجيش بقائد لا تعلم كيف يفكر – بل تعلم أنه لا يفكر كما يفكر الجيش؟ كيف يمكن لرئيس جهاز أمن قومي أن يعمل ولديه مشكلة عدم ثقة مع رئيسه (وقد علمنا الأن كيف عمل) هذا الرئيس الذي يتوجب عليه أن يطلعه بنفسه على أعقد أسرار الأمن القومي وأكثرها حساسية وخطورة؟ مستحيل – لنكن صرحاء مع أنفسنا فنحن بشر وما سردته بعاليه لا يمكن لبشر أن يطيقه – فكيف بمن هم مجبولون على الشك حتى في أنفسهم أحياناً؟ 8- دعوني أكن أكثر صراح حتى وأقول أن الجماعة لا تفكر بمصر كدولة مستقلة – بل تفكر فيها كجزء من كل – وهذه الرؤية هي جزء من رؤيتها الأكبر لإقامة كيان الخلافة الذي تسعى إليه أو على الأقل هذا النوع من الوحدة الذي تؤمن به.إن قيام الجماعة كان في العام 1928 وسقوط الخلافة كان في العام 1924 (إعلان أتاتورك إنتهاء دولة بني عثمان وقيام تركيا الحديثة العلمانية بكل ما فيها من مثالب) أي أنها نشأت لسبب بحسب قرب التواريخ ومنطقية التفكير، هكذا أرادها مؤسسها، وهذا التفكير في مصر كجزء من كل وعدم الإعتداد بإستقلالها التام عن الأخر يمثل كارثة عند الجيش وعند أجهزة الأمن القومي. إن أزمة في تونس مثلاً تهم الجماعة جداً وأزمة في لبييا قد تتدخل الجماعة لحلها (وقد تدخلت لدي إيران والعراق والسعودية لوقف الحرب وهي الأن منغمسة في الحرب الدائرة بسوريا قبل أن تتدخل العربية السعودية وتطالب بإزاحتها من موقع القيادة للجيش الحر) أي أن هناك أسباباً أخرى تجعل أجهزة الأمن القومي تقف على أظافرها شكأً في الجماعة أو تأكداً من أن تدخلاتها تضر بالأمن القومي المصري كما تراه هذه الأجهزة. بالتالي فهي في حال وصولها إلى مناصب مفصلية في الدولة قد تصدر قرارات لا تهم مصر كدولة ولكنها تهم الجماعه كرؤية وتفكير وكإستراتيجية فكيف يتصرف الجيش إذن؟ إن عقيدة الجيش المصري التي تم إعدادها والإنتهاء منها منذ عقدين أو أكثر قليلاً مقيدة بحدود مصر الجغرافية التي نعرف وبالتالي فهذا التضارب من شأنه زعزعة الأمن القومي ثم الوصول حتماً في يوم ما لما مصر فيه الأن بالضبط. إنها أزمة ثقة لا يمكن أن تحل مهما كان بين الجماعة وبين الجيش والأمن القومي. إن فوز أي رئيس بالإنتخابات يعني بين ما يعني طمأنة الجيش على أمنه وعلى عقيدته وعلى عملياته وسيرتها بالتالي ففي الفترة الإنتقالية الحالية لا يمكن إلا أن يكون الرئيس طيعاً في يد الجيش والأمن القومي – طيعاً بمعنى أنه يمكن الوثوق به والعمل معه وأن يكون متفهماً لهم ولأدواتهم على الأقل خلال السنوات العشر الأولى في المرحلة الإنتقالية نحو الديمقراطية. هذه الفترة تتيح للجيش وأجهزة الأمن القومي أن تعيد صياغة مفاهيمها هي ذاتها عن الديمقراطية وعن طبيعة الحكم المدني. نعم يسمح الجيش بمنتهى الأريحية أن يكون الرئيس المدني نشطاً على المستوى المدني الداخلي (من حيث حله لمشكلات مصر المعقدة والمزمنة) ما دام مستريحاً في التعامل معه من حيث الثقة والتعاون – هذا أمر مفروغ منه فالجيش لا يستطيع العمل داخلياً، ليست وظيفته وليس مهيئاً لها ولا للحكم كما أن أجهزة الأمن القومي أجهزة جمع معلومات وتحليل وهي تبذل في سبيل هذا ما نعلم جميعاً بالتالي فهي أيضاً لا تستطيع أن تحكمن هي أيضاً ليست مهيئة لهذه المهمة. كلا الهيئتين (وهما عندي واحد) قويتين جداً ولكنهما لا فرادى ولا معاً يستطيعان الحكم 9- الجيش الأن وفي حالة الرئيس السابق مرسي لابد أن يتحرك. قائد الجيش رجل مخابرات وهو حين يفكر يفكر بالحقائق مجردة ولا يرى أي شيء سوى الحقائق مجردة والحقيقة الوحيدة أمامه الأن هي أنه لا يستطيع الثقة بالرئيس فماذا يفعل؟ من المؤكد أن فكرة الإنقلاب على الرئيس (أي رئيس بالمناسبة) ستظل وارده منذ اللحظة التي أنتخب فيها، لا بل منذ اللحظة التي يفكر فيها في الترشح للمنصب وبالتالي كان أمر التحرك. حين يتحرك الجيش تكون نتيجة تحركاته غير محموده وأحياناً كارثية - غير أن هذا ليس ذنبه بطبيعة حاله - هو جيش، هذه طبيعته وقد ضربنا لذلك أمثلة والجيش لا يملك من أدوات الفعل إلا السلاح – بل إن من واجبه إمتلاك أكبر قدر منه والتدرب على إستخدامه – ضد من؟ ضد كل من يهدد أمنه أو أمن دولته طبقاً لعقيدته القتالية – وضد من قد يعرض إستقرار دولته للخطر. المهم أن الجيش لا يعرف إلا الرصاص ولا يفهم إلا "تمام يا فندم" وهي مختلفة تماماً عن الحياة المدنية التي ملؤها الضجيج والكلام والإعتراض. كل ضباط العالم لا يتعلمون إلا أمراً واحداً فقط كي يؤدونه ببراعة – بل ويقاس عملهم بهذه البراعة – تلقي الأوامر لتنفيذها أو إصدار الأوامر وأيضاً لتنفيذها. هذه طبيعة الجيوش. تخيل قائداً يصدر أمراً ولا ينفذه مرؤسه!؟ نعم هذا الكلام في داخل الجيش ولكن ألم يحذر الجيش ذاته من أن دخوله الساحة السياسية أمر خطير؟ كيف لم ننتبه لهذه الكلمات؟ صحيح أنه يبدو الأن أنها كانت لأطراف محددة وكانت رسائل محددة ولأشخاص محددين إلا أنه تحمل الكثير من الدلالات وليس أقلها شأناً أن الجيش تحت ضغوط ربما سياسية وربما خارجية ويريد الإحتماء منها بالداخل المدني. تسريبات الأيام الأخيرة ووجود الفريق السيسي في خطاب الرئيس السابق الطويل (جداً) تؤكد"لي" هذه المعاني. 10- تحرك الجيش لظروف الدولة التي أتت برئيس لا يستطيع الجيش أن يثق به – وصحيح أن هذه مشكلته، ولكنها مشكلة الجماعة أيضاً كما في النقطة التالية – ولكن في النهاية هذا هو الموقف الذي نحن بصدده. تحرك الجيش وأعطى أذنيه أو بعضاً منها لمن يستطيع مخاطبة المدنيين بلغتهم فهو لا يستطيع – المدنيون لا يقولون تمام يا أفندم! وفي حالتنا هذه كانت الجماعة السياسية الوحيدة على الساحة هي الجماعة القليلة الكفائة (وصاحبة الأهداف هي الأخرى) ألا وهي جبهة الإنقاذ. 11- الآن حدث ما حدث أمام القصر الجمهوري. لقد حشدت الجماعة كالعادة كل قواعدها إلى الميادين الهامة في محاولة منها لمنع الإضرار بالرئيس السابق محمد مرسي وأيضاً في محاولة منها للوقوف أمام الجيش منعاً لإنهيارها هي ذاتها.الوقوف أمام الجيش واجب حين يصر الجيش على أن يبقى في صدارة المشهد ليدير الدولة ككل، لكن أن يعلن أكثر من مرة أنه لا يريد السلطة ويريد تسليمها عقب إنتخابات مدنية (رغم تأكدي من إصراره على الوجود في خلفية المشهد)هو أمر يوجب علينا أن نصدقه ونأخذه عليه ثم نحاسبه به ولكن ألسنا هكذا في المربع الأول ذاته ساعة إختيار الرئيس السابق مرسي؟ لا. هذه هي الإجابة المختصرة للسؤال. فهذه المرة لن تكون الجماعة حاضرة! لقد إحترمت (أنا) قرارها حين أعلنت أنها لن تنافس على منصب الرئيس وأخلت الجماعة بهذا التعهد ثم تعهدت بعدم الترشح لمنصب رئيس البرلمان إلى أن صار إليها!وها هي قد ضمت لها رئيس مجلس الشورى (وهو المجلس الذي لا لزوم له) ورئيس وزراء محسوب عليها ووزراء عدة يجاوزون الثلث أو أقل بقليل؟ في اقل من عام واحد جمعت الجماعة المناصب كلها في يديها بطريقة غريبة جداً وفيها ما فيها من سوء التخطيط السياسي(تأدباً ولولا أني لا أرغب في أن أفكر للجماعة لنشرت مقالتي الثانية عنها) بالله علينا كيف يمكن للجيش أن يشعر بالأمان!؟ كيف لأجهزة الأمن أن تعمل براحة وحرية حركة!؟ قليل من التفكير هنا قد يحل المشكلة. هل أتهم أنا الأن الضحية بأنها هي السبب فيما أصابها؟ ربما أبدو كذلك ولكن ما العمل إذا كانت الجماعة لا تريد أن تقنع بما يمكن أن يتيح راحة وحرية حركة للمسار الديمقراطي؟ ما العمل وهي تصر إصراراً عجيباً على أن تثير المخاوف لدي الأخرين على الساحة السياسية؟ ما العمل وهي تضرب بكل الأراء عرض الحائط؟ ما العمل وهي لا تعلم أن أقصى أمانيها السياسية (على الأقل في هذه المرحلة الإنتقالية الخطيرة التي تمر بها البلاد) لابد أن تكون مناصب المحافظين أو بعض الوزراء في أي وزارة يتم تشكيلها.... إن عدم الثقة بالجماعة (وإنعدامه الأن لأجل غير مسمى) غلطة الجماعة وليست غلطتنا نحن لكي ندفع ثمنها! 12- ماذا عن الدماء؟ هذا هو السؤال الصعب إذ أن أي إجابة تبرره تعني أننا (أنا على الأقل ككاتب المقال) نبارك الدماء وأي إجابة تدينه تعني أننا غير مقتنعين بكل ما كتبنا والحقيقة أن هذا الموضوع إختلط فيه الحق والباطل إختلاطاً شديداً ووجب فصلهما بما يسمح به الوقت الأن. الجماعة هي صاحبة الحشود ولبعض كوادرها تصريحات تشي بأنها كانت حتماً ستلجأ للشارع – فهو ملعبها وسيظل لإستراتيجيتها في إستخدام الغطاء الديني – أي ستلجأ للحشد العامي وفي هذه الحالة من المؤكد (ولا أدري كيف يغيب هذا عن الأذهان لديهم و ...) أن بعض الأعصاب ستفلت من جانب الجيش، فلابد أن بجيشنا صقور كما بكل جيوش العالم، بل ويجب أن يكون به صقور، وهذه الصقور سترى، للمرة المليون نحن نتحدث عن جيش لا عن حزب مدني، أن قتل 100أو 200 أو حتى 1000 لا يهم ما دام هدفهم سيتحقق... هكذا الجيوش وكان يجب على الجماعة قبل أن تفكر في هزيمتها في الإنتخابات القادمة أن تحافظ على دماء أبنائها وميريديها ولكني أبداً لا أستطيع أن أطلب من الجيش أو أن أقول له: توقف عن التفكير في القتل كأسلوب حل للمشكلات التي قد تعترضك أو كأسلوب من أساليبك لتحقيق أهدافك، لن يكون ساعتها جيشاً بل حزب سياسي مسلح! نعم أخطأ الجيش في "تسرعه" بتعديل المشهد السياسي – غير أن التسريبات التي خرجت بها النيويورك تايمز عن أخر لحظات الرئيس في القصر مع الأخذ بالإعتبار ضغوط خارجية لابد ومورست ولو حتى بالإستفسار عن نوايا الجيش أدت إلى هذا التسرع. الفريق أول، عبد الفتاح السيسي رجل مخابرات – والتسرع ليس من شيم هؤلاء الرجال. كان على الجماعة، ولا يزال عليها، أن تحتاط حين تتعامل مع الجيش، وبخاصة في أعقاب فترة حكم شمولية كالحة كفترة مبارك وكان عليها أن تزيل أي شكوك لدي الجيش وأجهزة الأمن قبل أن تستحوذ عليها عقليتي التمكين و "جاء الوقت لنأخذ حقنا". كانت أمام الجماعة فرصة من ذهب تحقق لها من الأهداف ما لم تحلم به (وأيضاً لن أفكر هنا للجماعة) غير أن عقليتها هذه اضاعت عليها فرصة لا أظنها تتكرر. فمصر الأن قد مرت بالمرحلة الإنتقالية – بخشونة – ولن تكون الجماعة في الواجهة وحدها مرة أخرى. ما كتبته هنا لا يعني أنني اقف مع إراقة الدماء – لأي سبب كان - وإنما يعني أن علينا أن نعي كيف تخرج الدول من فترات الحكم القاسية وكيف تجتاز فترات الإنتقال الديمقراطي رويداً لا قفزاً. نعم أحمل الجماعة كل المسؤولية ولكني لا أستطيع أن أقدم التحية للجيش كما كنت أريد لأنني لا أرغب في رؤية المزيد من الدماء.