بعيدًا عن الهنات التى ظهرت بين الإسلاميين فى ساحات رابعة العدوية منذ عزل الرئيس محمد مرسى، وتتعلق بإدعائهم بنزول أمين الوحى جبريل على ميدان رابعة، والحمامات السبع التى حطت على كتف مرسى، أو تقديم النبى صلى الله عليه وسلم له ليصلى بالناس فى وجوده، يمكن القول بأن الإسلاميين أظهروا شجاعة نادرة، وقوة كبيرة هى أصيلة فى طبعهم. فقد ثبت أن استمرار دفاعهم عن الرئيس مرسى ما هو إلا استمرار للدفاع عن مشروعهم الإسلامى، بغض النظر عن شخص الرئيس المدافع عنه. فما زالوا مؤمنين بمشروعهم أشد الإيمان، ومستعدين لتقديم الغالى والنفيس لعدم إفشاله. بل أثبتوا أن القضايا الكبرى لا يمكن أن يحملها إلا أبناؤها الذين تربوا منذ صغرهم على حملها، وكانوا على استعداد لتقديم أرواحهم دفاعًا عنها. أضف إلى هذا أن المؤسسات الإسلامية، كجبهة علماء الأزهر واتحاد علماء المسلمين، والبيانات العديدة التى خرجت عن العلماء، كلها أثبتت أنها تدافع عن شرعية الرئيس المعزول، وعن حقه فى العودة لمنصبه لممارسة سلطاته التى انتخبه الشعب لتأديتها. وعلى هذا فإن التيارات الإسلامية بشتى أنواعها وتشكيلاتها، مازالت تدافع عن مشروعها بقوة، وتود إعادة الدولة التى أتاحت لهم التحرك فى شتى النواحى لتدشين مشروعهم الإسلامى بكل حرية ودعم. وفى ظل دفاع الإسلاميين المستميت عن مشروعهم، مازالوا لا يرون الخطأ القاتل الذى وقع فيه الرئيس مرسى الذين يدافعون عنه، ولا يلتقطون الخيوط السرية التى أوقعته فى العزل. فقد استمع الرئيس المعزول لنصائح بلدياته من العلمانيين واليساريين والفنانيين والليبراليين ورجال الأعمال، فكانت المصيبة. فهؤلاء المضارون من حكم بلدياتهم الإسلامى يتحكمون فى قطاعات عديدة فى الدولة، فضلًا عن أعمالهم الخاصة وتحالفاتهم الإقليمية والدولية التى تعرضت للانكشاف والخطر. كونهم يديرون أمر الدولة على أرض الواقع، أما شكلًا فهى دولة الإخوان. ولكون هؤلاء قد لعبوا دورًا مهمًا فى إسقاط الرئيس مبارك من قبل، فقد اعتقدوا أن لعبهم لدور المعارضة للحكم الجديد، سيجعلهم فى حرية تامة، ريثما يتمكنوا من الدولة الجديدة أكثر فأكثر، فيقلبوا ظهر المجن لبلدياتهم الشيخ الطيب. آملين فى الاستفادة من النظام الجديد بطريقة مباشرة وغير مباشرة، خوفًا على مصالحهم الاقتصادية التى تمتد لكل كبيرة وصغيرة فى هذا البلد. ومن ثم فإن تحمل حكم الإسلاميين جر عليهم تعطيلًا لتلك المصالح، وضربًا لتحالفاتهم التحتية. ففى كل المؤسسات عانوا من عدم التعاون، وهدمت كل تحالفاتهم السابقة التى نسجوها فى الداخل والخارج. فبدأت المساحة تزيد، والنصائح السيئة تقدم للرجل الأول بطريقة تنخر فى حمكه، وتضرب بقوة فى أسس دولته. لهذا فإن التضحية ببلدياتهم كان أمرًا طبيعيًا للمحافظة على مصالحهم ومكتسباتهم. فقد لعب هؤلاء دور الفأس الذى يهشم حوائط الرجل، ويعجل بإسقاطها. ومن ينظر لبلدياته فى كل المؤسسات التى رفضت التعاون معه، وداخل حملة تمرد وجبهة 30 يونيه وجبهة الإنقاذ وغيرها من الجبهات التى رفضت الحوار مع الرجل وعزلته، يتأكد تمامًا أن مصالح هؤلاء كانت أهم بكثير من حكم الرجل أو أى مشروع إسلامى يدافع عنه الملايين. فكثير من بلدياته من الصحفيين والإعلاميين والقضاة والتنفيذيين مثلوا خنجرًا يوجه الطعنات للرجل، ويتمنون إزاحته عن السلطة بأى ثمن دون أن يدفعوا تكلفة حكم الإسلاميين القائم، ومحاصرتهم فى الداخل والخارج. هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء كانوا هدفًا لكل الراغبين فى إسقاط الحكم القائم. فكانوا هم النقلة لكل ما تروجه عناصر التحبيط والتيئيس والإرجاف المنتشرة فى البلد. بهدف توصيل الرسائل السيئة لبلدياتهم وتحبيطه فى كل أمل له فى استتباب الحكم. فبات هؤلاء وسيلة جيدة لإيصال الانقاسامات والشقاقات التى تواجه الرجل، ولا يستطيع أعداؤه توصيلها إليه بطريقة مباشرة. ولعل سماع الرئيس مرسى لبلدياته من هذا الفصيل جاء باعتبارهم يعرفون تفاصيل الدولة أكثر بكثير من المشايخ والإسلاميين المتحمسين لمشروعهم الإسلامى، لكنهم لا يملكون الخبرات الكافية التى تقيمه وتدشنه. وربما تظهر أصابعهم فى عدم استعداد الرئيس لمواجهة كل الخطط المعلنة مسبقًا ضده قبل 30 يونيه 2013 . سواء تلك التى أعلنتها حملة تمرد، أو عبر التحذيرات التى أطلقها القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، على مرحلتين: لمدة أسبوع، ثم لمدة 48 ساعة. فأصابع هؤلاء البلديات المتسببين فى النهاية السيئة للرجل مع الحكم، ظهرت فى عدم تحرك الرئيس لمواجهة التحركات التى اتخذها خصومه. فبدا طيعًا مستسلمًا للعزل بطريقة غريبة وعجيبة. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة Ahmedabdeldaim210@hotmail,com