انتقلت السلطة بسلاسة في نيجيريا إلى جودلاك جوناثان في نفس اليوم إعلان وفاة الرئيس عمر يارادوا بعد معاناة طويلة مع المرض. نيجيريا ليست دولة عادية، فهي أكبر الدول الأفريقية سكانا، يقترب سكانها من 150 مليون نسمة، نصفهم من المسلمين تقريبا الذين يسكنون في الشمال، و40% من المسيحيين الذين يسكن معظمهم في دلتا نهر النيجر الغنية بالنفط في الجنوب، و10% من الديانات الأخرى. جودلاك الذي ينتمي إلى الجنوب الغني، اسم على مسمى، فهو سعيد الحظ فعلا منذ تم انتخابه نائبا للرئيس يارادوا والأخير هو أول مسلم يتولى الحكم بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية انتهت عام 1999 عندما سلمت السلطة لرئيس مدني بمقتضى دستور جديد ينص على انتخابه بالاقتراع المباشر لمدة أربع سنوات ويجوز له الترشح لمدة ثانية فقط، ومن حينها حدث اتفاق بأن يتناوب الشمال المسلم مع الجنوب المسيحي على رئاسة الجمهورية. المرض الطويل هاجم يارادوا بمجرد دخوله القصر الرئاسي الذي بدأه باعلان ذمته المالية وهو أمر غير معتاد في أفريقيا أو دول العالم الثالث، ومن أول يوم أكد أنه سيحارب الفساد المستشري في نيجيريا التي تحتل المرتبة الثالثة عشر عالميا بين الدول المصدرة للنفط. عندما انتقل إلى جدة بالسعودية للعلاج الطويل توقع الخارج والداخل أن تغرق هذه الدولة الكبرى في أزمات سياسية وإجتماعية قد تهددها بالتقسيم والتشرذم، فهي غارقة دوما في صراعات عرقية ودينية وخصوصا بين المسلمين والمسيحيين. حدث غير المتوقع.. فأثناء فترة علاج عمر يارادوا في السعودية أسند مهامه ببساطة ودون مشاكل لنائبه جودلاك. قيل يومها إنه لن يفعل خوفا من رد فعل قبيلة الهوسا التي تشكل ربع سكان نيجيريا و95% من أبنائها مسلمون. فهم يريدون استكمال فترتهم التي تنتهي بنهاية مدة الرئيس يارادوا عام 2011، ويخشون إن تولى المسيحيون الحكم ألا يتركوه مرة أخرى، لكنه فعل احتراما للدستور وصيانة لوطنه وحفاظا على استقراره. عندما عاد من جدة تحدثت صحف نيجيرية عن موته سريريا، وانتشرت شائعات بأن زوجته عادت به جثة وأخفت موته حتى لا تذهب السلطة إلى نائبه "حظ سعيد".. كأنها شجرة الدر الأخرى! بعد ساعات قليلة من إعلان الناطق الاعلامي باسم رئاسة الجمهورية وفاته رسميا، انتقلت السلطة بطريقة رائعة لنائبه جودلاك دون أي مشاكل، وحلف اليمين بخطاب مؤثر نعى فيه رئيسه الذي اعتبره جوهرة التاج، فهل من الصعب أن نرى مشهدا مثيلا في مصر ذات الشعب الواحد، وليست 250 قومية كما في نيجيريا. سيقول البعض.. لا يوجد عندنا "حظ سعيد" لأن منصب النائب مغيب منذ تولي الرئيس مبارك السلطة. وهذا واقع، لكن بانتقال بعض صلاحيات رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء، لم تعد هناك أهمية كبيرة للنائب، فرئيس الحكومة صار فعليا ينوب عن رئيس الجمهورية، كما رأينا أثناء رحلة العلاج الأخيرة في ألمانيا. سيردون أيضا على هذه النقطة بأنه بمجرد تعافي الرئيس قليلا من عمليته الجراحية قام بتوقيع قرارات عادية سلمها له رئيس ديوانه زكريا عزمي في مشفاه، وهي قرارات لا تستحق أن تسافر إليه في ألمانيا ما دام رئيس حكومته ينوب عنه. لقد انتقدت ذلك في حينه، لكن الاشاعات التي راحت تتحدث عن مرض الرئيس ربما دفعت إلى ذلك "الشو" التلفزيوني، خصوصا مع مطالبة الاعلام والرأي العام للدولة بالشفافية لأن مصر ليست بلدا صغيرا. ولأنه ليس متوقعا أن يترشح غير الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن المتاح حاليا هو مطالبته بمزيد من الصلاحيات لرئيس الحكومة، الذي قد يصبح هو نفسه السيد "حظ سعيد" وأن يخضع الاختيار لهذا المنصب لمعايير دقيقة، فلا يتم التركيز على كونه من التكنوقراط أو من رجال الأعمال أو الاقتصاديين، بل سياسيا من الطراز الأول من عينة الدكتور مصطفى خليل عليه رحمة الله، وأن يقدم في يومه الأول إقرار ذمة بممتلكاته في خطاب علني أمام البرلمان. [email protected]