شبكة السي إن إن الإخبارية الأمريكية وصفت القاهرة بأنها قد أصبحت مدينة الاحتجاجات.. كما تحدثت الشبكة عن "ربيع السخط" الذي يدعمه الركود السياسي والفساد في بلادنا. وفي الواقع فإن حالة من عدم الرضاء لا تتعلق فقط بأولئك الذين يعتصمون أمام مجلس الشورى ولكنها تمتد إلى قطاعات كثيرة تتمنى لو كانت أيضا قادرة على الاعتصام والنوم أمام المجلس للحصول على حقها وتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية. فهناك الأطباء الذين احتجوا مرارًا وتكرارًا على ضعف أجورهم والذين طالب نقيب الأطباء بتخصيص أموال الزكاة لهم، وهناك الصيادلة والمدرسون والبيطريون وكافة المهنيين، وكلهم يعاني تدني الأجور وعدم مواءمتها لظروف ومتطلبات واحتياجات العمل. وعلاوة على كل هؤلاء فإن الوضع العام يدعو إلى القلق وينذر بالخطر، فالغلاء يلتهم أي زيادة محتملة في المرتبات، ومعاناة الناس في تزايد، والمشاكل الحياتية تتراكم وكلما خرج الناس من أزمة دخلوا في أزمة أخرى وكأن سياسة حكومة الدكتور أحمد نظيف هي إلهاء الناس بالأزمات حتى يبتعدوا تمامًا عن حوار التغيير وحتى لا يكون لهم دور في تحديد مستقبل بلادهم.. ولأن الحزب الوطني لم يستطع أيضا أن يترجم وأن يعكس تطلعات المواطنين ويتفاعل معهم، ويقدم لهم المثل والقدوة على قيادة التغيير والإصلاح المنتظر فإن الدعوات الجديدة للتغيير التي يقودها عدد من النشطاء السياسيين والشخصيات التي أحدثت هزة على المسرح السياسي كالدكتور البرادعي وجدت نوعًا من الصدى والتجاوب، وجعلت الناس تعتقد في أنه من الممكن أن يكون هناك إصلاحًا على نطاقًا واسعًا، ونوعًا جديدًا من التغيير يغلق الباب على حديث كان يدور همسًا وأصبح علنيًا حول احتمالات الفوضى والفلتان في الشارع المصري. وهناك الآن توقعات كثيرة عن تغيير منتظر قد يطول الحكومة ويفتح الباب لحكومة أخرى أكثر قدرة على الانحياز للأغلبية وأكثر إحساسًا بمعاناة الناس وبالغضب المشتعل في النفوس. والتوقعات تمتد أيضًا إلى الحديث عن قرب الإعلان عن نائب للرئيس، وهي خطوة هامة تهدئ من الكثير من المخاوف وتضمن استمرار الاستقرار وعدم وجود أو تفاقم صراعات من أي نوع. ومخاوفنا من أن يقتصر التغيير فقط على الأشخاص هي مخاوف مرجعها التجربة والخبرة، فقد علمتنا التجارب أننا كنا دائمًا نبحث عن التغيير ونقصره على الأشخاص فإذا ما جاء التغيير ندمنا على ما فات وترحمنا عليه..!! ولذا فإن التغيير الذي ننشده هو تغيير قائم على الإيمان بأن العصر قد تغير، وأنه لابد من فكر جديد يقوده أشخاص يتمتعون بقدرة على الرؤية ومحاربة الفساد والشللية والمحسوبية والانحياز فقط لمصلحة الوطن، والإيمان بحقوق الفرد وحق الجميع في حياة آدمية بعيدًا عن المعاناة اليومية التي تسلب الإنسان كرامته وقدرته على العمل والإبداع. ونحن في هذا نؤكد موقفنا السياسي والاجتماعي في أننا مع الأمن والاستقرار الداخلي لأن هذا الوطن لا يتحمل أية هزات عنيفة أو تغيير يكون ناجمًا عن فوضى غير خلاقة، ونقف أيضًا معارضين لأي تغيير مجهول يدفعنا ويدخل بنا متاهة من المغامرات والتجارب الغير مضمونة. ولهذا نقف مع أهمية وضرورة أن يكون التغيير من الداخل، وأن يكون الإصلاح شاملاً وجريئًا ومتطورًا ونابعًا من واقعنا ومن طبيعة المجتمع ومشاكله، فالأفكار الإصلاحية لا تستورد ولكنها تأتي وتنمو وتتطور على أرض الواقع ووفقا لشكله وطبيعة مشكلاته. وأي تأخير في هذا النوع من الإصلاح الذي نتحدث عنه وننشده، وأي تلاعب في عملية التغيير والإصلاح لن ينجم عنها إلا مزيد من فقدان الثقة وتعقيد الأوضاع وفتح الباب أمام تدخلات خارجية قد لا تكون مفيدة في مجتمع يشعر بالحساسية الشديدة تجاه كل من يبدي رأيًا في مسائل تتعلق بالبيت من الداخل ويقف معارضًا لهذه التدخلات حتى وإن كانت في صالحه..!! إن هناك توقعات كثيرة حول خطاب السيد الرئيس حسني مبارك في عيد العمال القادم بعد بضعة أيام، وهي توقعات تنصب حول إمكانية تحديد شكل وملامح المرحلة القادمة، وليس من شك أن السيد الرئيس على علم كامل بأن الناس تنتظر الكثير، وتتوقع الكثير وتأمل في أن يكون هناك وضوحًا في تحديد معالم الطريق.. وشكل المرحلة القادمة ومتطلباتها ورجالاتها أيضًا..! [email protected]