أصبحت جرائم الاغتصاب المتكررة مجرد خبر عادي ينشر في صفحات الحوادث بدون أي اهتمام يذكر، وكأن المجتمع قد أصبح معتادًا ومتقبلاً لهذا النوع من الجرائم..! وهذه الجرائم التي تعكس حالة من الانفلات غير المسبوق في شوارعنا لم تعد تقع في ساعات متأخرة من الليل فقط وإنما تتم في أحيان كثيرة جهارًا نهارًا دون اعتراض ودون تدخل من أحد. فأحد حوادث الاغتصاب التي وقعت مؤخرًا قبل عدة أيام كان لسيدة تسير في الشارع ومعها طفلها عندما استوقفها ثلاثة ذئاب واقتادوها بالإكراه لشقة أحدهم وتناوبوا اغتصابها تحت تهديد الأسلحة البيضاء وتركوها بعد أن هددوها بقتل الطفل إن هي أبلغت عما حدث.. والأم التي اغتصبوها لم تكن عائدة في ميكروباص في وقت متأخر من الليل، ولم تكن ترتدي ملابس من التي تثير الفتنة والغرائز ولم تكن من بنات الهوى كما اعتاد كل من يقبض عليه في هذه الحوادث أن يصف الضحية التي قام باغتصابها وأن يلقي باللوم عليها..! وعندما يتساءل البعض عن سبب انتشار الحجاب والنقاب بهذه الكثافة في شوارعنا فإنهم يجب أن يتساءلوا أولاً عن حال الشارع الذي أصبح واقعًا تحت سيطرة المنحرفين والبلطحية والفتوات..، والذي أصبحت حالات التحرش الجنسي الفردي أو الجماعي به منتشرة ومتزايدة، وهو ما يدعو النساء إلى البحث عن وسيلة ذاتية لتوفير الحماية لأنفسهن ولا يجدن ذلك إلا في الحجاب والنقاب لعل وعسى أن يساعد ذلك في إبعاد أولاد الحرام عنهن..! ولكن ذلك كله لن يكون مجديًا في ظل ارتفاع معدلات البطالة وعجز الشباب عن الزواج والانتشار الهائل للمخدرات إلى الحد الذي جعل ارتفاع أسعار الحشيش قضية جماهيرية تتناولها الصحف في الداخل والخارج وتعلق عليها بإسهاب وكأنها أحد المشاكل الحياتية لمصر..! فانفلات الشارع لا يحدث إلا مع انتشار اليأس واللامبالاة والشعور بالظلم والقهر والعجز عن تحقيق الأحلام حتى البسيطة منها والمتمثل في توفير وتوافر لقمة الخبز. والغريب والمثير هو أننا أمام واقع ومشكلات معروفة للجميع وأننا جميعًا نشكو ونتألم من استمرار هذه المشكلات حيث نعاني من التسيب المروري ومن ارتفاع الأسعار وضعف الأجور وانخفاض مستوى التعليم والانفلات الأمني في الشارع، ومع ذلك عندما يأتي أي ناشط أو متطلع إلى الإسراع بعملية إصلاح أو تطوير أو تغيير فإننا نصب عليه اللعنات ونتهمه بالخيانة والعمالة وننزع عنه رداء الوطنية، وكأننا نعيش في المدينة الفاضلة التي ليس بها أخطاء أو نواقص وكأنه ليس مفروضًا ولا مطلوب الدعوة إلى إصلاح وإلى تغيير، وكأنه ليس مهمًا أيضًا أن تتنوع وتتزايد جرائم هذا المجتمع إلى حد مخيف وأن تصبح جرائم الاغتصاب حدثًا عاديًا وأن يقف البعض ليدافع ويبرر ويقول إن ذلك يحدث في كل العالم.. وكأنه لابد أن نتقبل هذا وأن نصمت وأن نرضخ للأمر الواقع وأن نستمتع به أيضًا..! إن تزايد جرائم الاغتصاب والسطو المسلح والسرقات التي تتم في وضح النهار تعكس مؤشرات واضحة لحالة احتقان وغليان لدى بعض الفئات التي لم تعد تكترث بعقوبة ولم تعد تملك إيمانا بشيء والتي يتساوى لديها الموت مع الحياة، فهي تشعر أنها لا تعيش الحياة في كل الأحوال وأنه محكوم عليها بالإعدام حتى وإن لم ترتكب جريمة..! ولعل هذا ما يفسر أيضًا هذه المحاولات الجماعية المجنونة لشبابنا في القرى الذين يحاولون الهجرة إلى دول أوروبا بأي ثمن وبأي طريقة رغم أنهم يعلمون جيدًا أن الطريق إلى ذلك محفوف بالمهالك وأنهم قد يتعرضون للغرق والموت قبل الوصول، ففي يقينهم أن هناك فرصة للحياة والنجاة بالوصول إلى الدول الأوروبية أما بالبقاء في الوطن فليس لديهم أي فرصة للنجاة والحياة..!! إن الذين يقدمون على جرائم الاغتصاب هم أيضًا من الذين يعرفون أنهم قد يقبض عليهم وقد يواجهون أحكامًا بالإعدام، ولكنهم أيضًا على قناعة بأن هناك فرصة قد أتتهم وعليهم انتهازها فورًا وليس مهمًا ماذا سيحدث بعد ذلك، فهم في كل الحالات أصبحوا ضائعين فقد أضاعت المخدرات ما تبقى من عقولهم.. وأضاع اليأس من المجتمع ما تبقى لديهم من قدرة على المقاومة وقدرة على التفكير.. وقدرة على الصبر..!! [email protected]