التوصية التي أجمعت أقسام الأبحاث في جميع الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تقديمها لرئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت بُعيد نيل حكومته ثقة الكنيست، كانت قاطعة وواضحة. فحسب هذه التوصية، فإن النجاحات التي حققتها إسرائيل في محاصرة حكومة حماس مهددة بالانهيار في حال لم تتجند الدول العربية بشكل واضح وجليّ وفعّال في الحرب ضد حكومة حماس. جميع أجهزة التقدير الإستراتيجي في الدولة العبرية اتفقت على خطورة الحملات الشعبية التي شُرع في تنظيمها في العديد من العواصم العربية لجمع التبرعات للشعب الفلسطيني لتجاوز الحصار وإفشاله، على أساس أن هناك احتمالاً أن تتطور التحركات الشعبية في العالم العربي لفعل أكثر تأثيراً على دوائر صنع القرار في العالم العربي، محذرة من احتمال أن تنجح التحركات الشعبية التي تعتمل في العالم العربي في إجبار الأنظمة الحاكمة على كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وحكومته. ولا خلاف بين هيئة أركان جيش الاحتلال وقادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على أن قدرة الدولة العبرية على تحقيق هدفها المتمثل في إسقاط حكومة حماس ، يتوقف بشكل أساس على عدم قيام الحكومات العربية بملء الفراغ الذي تركه توقف المساعدات الغربية للسلطة الفلسطينية. ونظراً لرهانات الحكومة الإسرائيلية الجديدة على الدور العربي في إفشال حكومة حماس، فقد قرر أيهود أولمرت أن تكون كل من القاهرة وعمان والرباط هي العواصم التي يزورها، مباشرة بعد لقائه الرئيس الأمريكي جورج بوش في واشنطن. في نفس الوقت تقرر أن يلتقي عدد من الوزراء الإسرائيليين، - لاسيما وزراء حزب العمل المعروفين بعلاقاتهم "المميزة" - مع العديد من صُنّاع القرار في العالم العربي، علانية وسراً لإقناعهم بوقف التحركات الشعبية المساندة للشعب الفلسطيني والرافضة للحصار عليه. وكما تؤكد المصادر الإسرائيلية فإن أولمرت ووزراءه-عملاً بتوصية الأجهزة الاستخبارية-سيقدمون للزعماء العرب الذين سيلتقونهم "إغراءين" لافتين. فأولمرت سيذٌكر من يلتقيه من القادة العرب أن إفشال حكومة حماس، والعمل على إسقاطها هو في الأساس "مصلحة" عربية، على أساس أن نجاح تجربة هذه الحكومة يعني إعطاء دفعة قوية للحركات الإسلامية في العالم العربي ، للوصول للسلطة عن طريق الانتخابات. وسيشدّد أولمرت على أن إسقاط حماس عن طريق الحصار سيحمل رسالة للشعوب العربية مفادها أنه لن يكون من المفيد لها أن يتبوأ الإسلاميون مقاليد الأمور. أما الاقتراح الأكثر إغراءً الذي سيقدمه أولمرت للعرب فيتمثل في تطمينه للزعماء العرب أنه اتفق مع الرئيس بوش على تخلي الإدارة الأمريكية نهائياً عن مشاريع تشجيع الديموقراطية في العالم العربي ، التي تبنتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. اللافت للنظر أن الرسالة التي سيحملها أولمرت للزعماء العرب قد تم تنسيقها بشكل جيد مع الإدارة الأمريكية، بعد سلسلة اتصالات مكثفة قام بها (دوف فايسغلاس) كبير مستشاري أولمرت مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايتس. في تل أبيب يبدو المسؤولون الصهاينة واثقين من نجاح تحرك أولمرت المرتقب، وهم يستمدون الدعم من اتفاق كل من الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني أثناء لقائهما في العقبة مؤخراً على وجوب إجراء الاتصالات مع أولمرت، وتعزيز العلاقات معه. والذي يثير الطمأنينة في أروقة صنع القرار الإسرائيلي أن موقف مبارك وعبد الله "الإيجابي" من أولمرت ، يأتي على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة العبرية لمحاصرة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي يطلق فيه أولمرت العنان لقادة جيشه لممارسة أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. وتبدي الأوساط الإسرائيلية ارتياحاً عميقاً بشكل خاص من التصعيد الأردني ضد حكومة حماس، لاسيما بعد اتهام عمان حركة حماس بتهريب الأسلحة إلى الأردن، هذا على الرغم من أن الدوائر الاستخبارية الصهيونية نفسها قد شكّكت في الرواية الرسمية الأردنية حول القضية. ومن "بوادر حسن النية" التي ترى تل أبيب أن كلاً من مصر والأردن تقدمها لأولمرت هو تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي بين إسرائيل من جهة وكلاً من عمان والقاهرة، حيث أكدت الدوائر الأمنية الإسرائيلية أنه بفضل معلومات تلقتها من كل من المخابرات المصرية والأردنية فقد تم إحباط العديد من العمليات التي كان رجال المقاومة يعتزمون تنفيذها داخل الدولة العبرية. وسيسعى أولمرت في لقاءاته مع القادة العرب على إقناعهم بالعمل فوراً على وقف كل الحملات الجماهيرية التي تُنظّم من أجل فك الحصار ضد الشعب الفلسطيني، إلى جانب تشديد الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض على قادة حركة حماس ووزراء الحكومة الفلسطينية، وعدم السماح لهم بزيارة العواصم العربية. وقد أبدى الإسرائيليون انزعاجاً واضحاً من موافقة العديد من الدول العربية على استقبال وزراء الحكومة الفلسطينية. الذي يثير الاستهجان أن أولمرت يريد من الدول العربية، إلى جانب المساهمة في إسقاط حكومة حماس، دعمها له في تطبيق خطة "الانطواء" في الضفة الغربية، والتي تهدف بشكل أساس إلى ضم جميع الكتل الاستيطانية ومنطقة غور الأردن واستكمال تهويد القدس، وتوسيع جدار الفصل العنصري شرقاً وجنوباً في عمق الضفة الغربية ، لكي يبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية، وليضمن سيطرة الدولة العبرية بشكل نهائي على جميع مصادر المياه العذبة في الضفة، إلى جانب ترسيم حدود دولة إسرائيل بشكل يضمن مصالحها الإستراتيجية. إذن واضح تماماً أن هناك رهاناً إسرائيلياً قوياً وجدياً على الدور العربي الرسمي في تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني ، ومعاقبته على تمسكه بحقه في اختيار ممثليه بشكل حر. من هنا فإنه يتوجب البدء في تحرك شعبي عربي وإسلامي عارم لمنع مواصلة أنظمة الحكم – خاصة المجاورة لفلسطين - من الانزلاق في تعاونها مع دولة الاحتلال في مشاريعها الهادفة لتصفية القضية ، وإجهاض التجربة الديمقراطية المتميزة للشعب الفلسطيني . ---- * المصدر : الإسلام اليوم