تتسم التصريحات الصادرة هذه الأيام من مختلف الأطراف في مصر بالتشنج الشديد والعنف المفرط، تصريحًَا وتلميحًا، وهو ما يعني أننا فشلنا جميعًا في بناء وطن جديد ودولة جديدة تخلف دولة القمع والاستبداد والفساد، التصريحات اليوم تتحدث بلغة الحرب والدم والصاع بصاعين، كما أن الروح العامة في الخلاف السياسي قلب المسألة من تنافس سياسي إلى ما يمكن وصفه بصراع وجود، إما بقاء هذا الطرف أو ذاك، وهو فرضية مستحيلة، سواء لهذا الطرف أو ذاك، وحدها الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس اتسمت تصريحاتها بالحكمة والحرص الشديد على البعد عن التهديد والعنف ولغة الحرب والنزال، قالت الشرقاوي إن الرئاسة ستتعامل بحكمة كبيرة مع أحداث 30 يونيه، ودعت إلى تغليب لغة الحوار للخروج بالبلد من أزمته، وهو كلام عاقل، رغم قناعتي بأنه لن يغير من واقع الأمر شيئًا، لأن الأوضاع تحتاج قرارات وأفعالاً من الرئاسة وليس كلمات، ولكن الكلام العاقل، على الأقل، لن يصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة الآن، أيضًا لم أستوعب أبدًا توقيت صدور قرارات تعيين المحافظين الجدد، تلك الخطوة كانت خارج حدود قدرة العقل على الاستيعاب، خاصة في توقيتها، فالبلاد مقبلة على أحداث مقلقة جدًا، والكل يترقبها والكل داخل مصر وخارجها لا يعرف إلى أين تفضي بنا، والكل متوتر والكل يشعر بأن هناك حريقًا يقترب، وبالتالي فإن القرارات ذات الحساسية كان ينبغي أن يتم تأجيلها لما بعد هذه الأحداث، خاصة أن الاستعجال لا مبرر له ولا ضرورة، وهناك محافظات ظلت بلا محافظ لأكثر من خمسة أشهر ولم تحدث كارثة، فبقاء المحافظ الحالي في منصبه لشهر آخر لا أظن أنه سيعطل مسار البلاد أو يعوق التنمية مثلاً، فلماذا كان الاستعجال وصدور قرارات جمهورية بتعيين حوالي سبعة عشر محافظًا نصفهم من الإخوان ونصفهم من الجيش، لمن ترسل هذه الرسالة، وكان من عواقبها ما نراه منذ صدور القرار من أحداث عنف وحصار لمباني العديد من المحافظات وصدامات دموية، نسأل الله ألا تتطور وسط هذا الاحتقان، لماذا كان الاستعجال يا أهل العقول؟ أيضًا في قرارات تعيين المحافظين أمور لا تصدق، ولا يمكن تفسيرها تفسيرًا منطقيًا أبدًا، مثل مجاملة الجماعة الإسلامية، الحليف الأساس للإخوان الآن، بتعيين محافظ لها، فلم يجد صاحب القرار من جميع المحافظات إلا المحافظة السياحية الأولى والمحافظة التي تحتفظ بذاكرة سيئة جدًا للجماعة الإسلامية ذاتها، الأقصر، وأنا شخصيًا أقتنع تمامًا بالتحول السياسي للجماعة الإسلامية، ولكني لا أخفي صدمتي من اختيار المكان، ألم تجد محافظة أخرى لتمنحها للجماعة؟ لماذا الأقصر بالذات؟ وهو ما دفع وزير السياحة إلى تقديم استقالته رغم محاولات النفي من رئاسة الوزراء، يا جماعة أنتم تشتغلون "سياسة"، والأمور لا تدار بهذا الاستهتار وتجاهل حساسيات لا يخطئها المبتدئون، كما لن يخفف من وقع الصدمة أن يضطر عضو حزب الجماعة الإسلامية لأن يعلن ترحيبه بالسائحات أيًا كان الزي الذي يرتدونه، أي أنهم لو تجولوا بالبكيني في شوارع الأقصر فسيكون تحت رعاية الجماعة الإسلامية وقيادييها، لماذا كل هذا الحرج والتوريط؟ كنت أتمنى أن تكون هناك حكمة وتروٍ أكثر في الاختيار والتوزيع، وكنت أتمنى أيضًا أن يكون هناك عقل سياسي يستشعر المسؤولية تجاه الوطن والمخاطر التي تحدق به، فلا يستعجل خطوة كهذه لم يكن لها أبدًا ما يبررها الآن، غريب جدًا أن نستعجل فيما يستوجب التريث والتأخير ونتأخر فيما هو جدير بالاستعجال وسرعة الإنجاز. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.