من عجائب الأمور على أرض المحروسة أن تجد النخبة التى تحتل واجهة البلاد من كلا الجانبين سلطة حاكمة أو معارضة استغرقتها مشاكلها الشخصية وطموحاتها وآمالها بالسلطان وكرسى السلطان عما سواه من هموم أناس وثقوا فى نخبتهم المتعلمة المثقفة وانتخبوا رئيسًا ديمقراطيًا على أمل أن تنعكس تلك الممارسة الديمقراطية على جوانب حياتهم المعيشية، ولكن من لمثل هؤلاء أو حزب الكنبة كما سبق وأطلقوا عليهم؟ مَن لهم سوى الله؟ طبول الحرب تدق وأصوات الغربان ونعيق البوم يصم الآذان على فضائيات عدة تخصصت فى نشر الغل والإحباط واليأس فى قلوب الناس بشيطنة الآخر وإفشاله ولا بأس من اختلاق أكاذيب أو ترويجها، ولا بأس من استعداء الجيش ومحاولة جره للسقوط فى الصراع متحيزًا لطرف دون الآخر، بينما إذا أحكمنا عقولنا التى يبدو للأسف أنها غابت وسط نعيق الغربان، لحدثتنا تلك العقول أن هذه الثورة قامت لتحرير الشخص المصرى والكيان المصرى من كل قهر سواءً مثلته سلطة قهرية فاسدة أو سلطة عسكرية، فلن يقبل من أسقطوا أعتى جبابرة إفرازات الحكم العسكرى فى ثمانية عشر يومًا أن يعود العسكر للحكم، وكذلك جيشنا الأبى الذى أظهر حسًا وطنيًا راقيًا فى رفضه أن يلقى نفسه فى أتون السياسة بين طرفين أو متحيزًا إلى أى منهما، وهذا ما قلب عليه رموز ممن ينتسبون إلى الوطنية للأسف، ولكن لا مانع لديهم من أن يحكم الجيش ولو فشل فى سبيل إقصاء الإخوان، فبالله عليكم هل يصدق أحد أن تلك النخبة بها رجل رشيد. هناك أدبيات للخلاف بل وللاقتتال سواء حربيًا أو سياسيًا، وهناك سقف لا يستطيع أن ينكره أحد، هو أننا كلنا مصريون ننتمى لتراب هذا البلد ولأهله وناسه الطيبين، ولا نحتاج تصنيفًا من هذا أو تعنيفًا ولومًا من ذلك، لأنه يبدو أن نخبتنا الغارقة فى غيها وأحلام يقظتها، نسيت أن هؤلاء البسطاء الذين يمثلون الشعب هم من يقرر من يحكم وهم من يختار، كما أن بلدنا لا يمكن أن تحكمه جماعة أو فئة دون غيرها، بلدنا يحتاج إلى التوافق الذى وعد به الرئيس والإخوان، ثم أخلفوا، وعلى الجانب الآخر لا يرى أقطاب المعارضة أساسًا ما هو التوافق، بل دعونا نذكر ونحن مطمئنين أننا أمام حالة ونموذج مرضى للمعارضة لا يعرف إلا الرفض دون تقديم بدائل، فكيف نصل إلى التواصل بدون حوار، بل إن منطقية الأمور تجعلنا نقر الحوار حتى مع أعدائنا، بينما للأسف نستنكره إذا كان مع بعضنا البعض، وإلا هل من عاقل يفسر تلك الهجمة الغريبة التى ووجه بها السيد عمرو موسى لاجتماعه بالشاطر، سواء هو أو أيمن نور وخروج تصريحات غريبة تدعو إلى مساءلة الرجل بل والمطالبة بفصله من الإنقاذ، فما هذا العبث يا رموز المعارضة، بالله عليكم دلونا: أليس منكم رجل رشيد؟ على الجانب الآخر وكقوى إسلامية لا بد أن نعى أخطاء المرحلة، ونعمل على تصحيحها، عملاً بحديث رسولنا الكريم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل يا رسول الله: ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا، قال: أن تكفه عن ظلم الناس" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، بالتأكيد هناك دور لا بد أن يضطلع به جهات عدة كالهيئة الشرعية مثلاً والجبهة السلفية وحزب النور تحديدًا لما له من تجربة جيدة يمكن البناء عليها فى التواصل مع الآخر والاستماع إليه والحوار معه لنخرج بلدنا من عنق الزجاجة الخانق الذى حشرته فيها نخبة ظالمة وساعدها عناد الإخوان وعدم جدية دعواتهم للحوار وأخطاء أو خطايا، إن صح التعبير، سقطت فيها الرئاسة فى قضايا عدة، كل رسالة معناها أن ما يشغلهم هو كيفية السيطرة للتوحد بالحكم وشعور الناس بأن قرارات الرئيس التى ربما تمس حياتهم وأمنهم عليها شبهة وبصمات غير رئاسية، وكل تلك الرسائل هى التى أدت لمثل هذا الحشد، لأن الكثير كان ينتظر بعد كل أزمة تفسيرًا وتواصلاً من الرئاسة، ليكون الشعب الذى انتخب الرئيس على بينة من أمره، وللأسف دون جدوى، وهنا والآن لا بد أن يعى الإخوان ويسمعوا لغيرهم، وأن تخف نبرة الغرور لديهم، لابد أن يسمعوا ويعوا ويتغيروا حتى لا تضيع البلاد إرضاء لشهوات طرفين، وهنا دور الهيئات الإسلامية والتى لابد أن تتواصل وتتحاور مع الأطراف كافة للاعتراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها، لأنه للأسف من سيئات الحكم التى سقط فيها الإخوان على مدار سنة هى قدرتهم الفائقة على خلق الأعداء ومعاداة الجميع فى نفس الوقت، ولا ينكر عاقل محاولة التصيد لهم والعمل على إفشالهم، ولكن هذه هى طبيعة السياسة وألاعيبها، ولذا نلوم عليهم سرعة الاستفزاز والعناد والانغلاق على أنفسهم وفقط، بل حتى عدم التواصل بجدية مع غيرهم من فصائل تنتمى لنفس البيت الإسلامى. إذا دققنا نجد أيضًا من الأمور الغريبة هو تعامل الإخوان كجماعة ورئاسة مع مؤسسة لها قدرها وهيبتها مثل الأزهر، غير مقدرين ما يمثله هذا الكيان الذى أرى أنه الآن أكثر من كثير غيره، قادر على إعادة توحيد الصف الإسلامى وتصحيح أخطائه، ولكن كيف يتأتى ذلك بعد ما حدث من تقديم أنفسهم بديلاً حصريًا لكل شىء للوطنية وللتضحية وللأزهر وللإسلام حتى بصورة لا يستوعبها عاقل، ولذا فليتفضل الإخوان بإعادة تقييم الأداء ومحاولة لملمة الأمور للحوار مع الصف الإسلامى أولاً، ومن ثم منبثقًا عنه، ومن خلاله الحوار مع الآخرين شرط توافر الرغبة الحقيقية للحوار والالتزام بنتائجه، وليس مجرد دعوات تفتقد النية لاستكماله. إخوانى المصريون جميعًا.. إننا فى مرحلة فاصلة ونأمل ألا تراق قطرة دم مصرية واحدة فى أحداث 30 يونيه، فلم تقم ثورة يناير العظيمة ليقتتل المصرى مع أخيه وأعداؤنا يتشمتون فينا، فلم لا ينتصر حبنا لمصر على كراهيتنا للإخوان أو سواهم، ولم لا نقدم مصر وأهلها على نزعات الغل، ولم لا يكف إعلام الغفلة والفتن عن تأجيج نيران الحرب التى لن يدفع ثمنها إلا شباب نضن به على هذا السفه، وأرى أن يتحلى الإسلاميون بالصبر وعدم النزول فى 30 يونيه لتفويت الفرصة على الصائدين فى الماء العكر، ونناشد أقطاب الإنقاذ والثوريين وغيرهم أنه إذا كان الشارع لكم، فلا بد أن تتحلوا بالرقى والتحضر وليقم ويتعهد صراحة كل منكم بنبذ العنف والتبرؤ علانية عن اللجوء إليه لأنكم مسئولون أمام الشعب، لأنكم من نظمتم ذلك، فلا بد من مسئوليتكم عما يحدث فيه وإثنائه، فتحديد المسئولية يضع كل واحد أمام مسئولياته ويفوت الفرصة على المخربين الذين يستثمرون هذه الأجواء لنشر الخراب والفزع. اللهم احفظ مصر وأهلها من الفتن والهم نخبتها وحكامها سبل الرشاد.. اللهم آمين..