كانت قناة العربية قد أجرت على الهواء حواراً سريعاً مع العبد الفقير كاتب هذه السطور، وكان محور الحديث يدور حول موضوع السد الذي تزمع إثيوبيا إقامته على النيل، وقد كان كلامي في تلك الحلقة واضحاً تمام الوضوح في أنه يجب إعطاء الحلول الدبلوماسية الأولوية في هذه القضية، ولم يرد في كلامي أي دعوة لإعلان الحرب على إثيوبيا، بل على العكس من ذلك ذكرت خلال حواري أكثر من مرة أنني أحذر من الدعوات المتسرعة التي تقرع طبول الحرب دون حساب للعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على ذلك، وحين سألني المذيع: إلى متى هذا التريث؟ قلت: إلى أن نستنفذ كل الوسائل السلمية. ورغم هذا الوضوح الشديد في كلامي، ورغم أن فيديو الحلقة موجود على اليوتيوب وفي كثير من المواقع، إلا أن تصريحاتي تلك حرفت بشكل واضح وفج؛ فامتلأت المواقع الإخبارية والصحف اليومية بخبر ذلك المفتي المتسرع (وهو أنا)، الذي أفتى بوجوب شن الحرب على إثيوبيا، ووقع كثير من العقلاء ممن نكن لهم التقدير والاحترام في فخ تلك الأكذوبة الإعلامية، فراحوا يعلقون على ذلك الخبر وكأنه حقيقة، مع أنهم لو كلفوا أنفسهم عناء الاستماع إلى تلك الدقائق العشر التي هي مدة الحوار، لاكتشفوا أنهم هم المتسرعون الذين يصدقون كل ما يقال. وكان مما حز في النفس أن واحداً من إخواننا الذين نحبهم في الله، وهو الأستاذ محمود سلطان قد انساق وراء تلك الأكاذيب، فكتب في (المصريون) مقالاً ضافياً حول هذه الدعوة المتسرعة، وزعم فيها أن الجماعة الإسلامية تدق طبول الحرب مع أنها من وجهة نظره هى الحليف الأساسى ل"الإخوان". بينما الرئيس مرسي نفسه كان أكثر رصانة فى التعاطى مع الأزمة "المصرية الإثيوبية".. والتصريحات الصادرة من القيادة السياسية الرسمية، تميل إلى "العقلانية".. وتميل إلى الحل السلمى "التفاوض". ولم ينس الأستاذ محمود في هذا المضمار أن يشيد بموقف إخواننا في الدعوة السلفية وحزب النور، إذ أنهم برغم أنهم الذين يتبوءون في رأي الأستاذ محمود منزلة المعارضة الأساسية للرئيس مرسى ول"الإخوان"، إلا أنهم كانوا الأقرب إلى موقف الرئيس، حيث قرروا تشكيل مجموعة عمل للسفر إلى إثيوبيا لسماع التفاصيل التى يخفيها صخب القاهرة الزاعق، بحسب تعبير الأستاذ محمود في مقاله المشار إليه، ولم ينس الأستاذ محمود كذلك في غمرة انتقاده الصارخ للجماعة الإسلامية أن يزين مقاله ببعض العبارات التهكمية التي لا أدري ما مبرر الإتيان بها، حتى لو كان ما هو منسوب إليّ قد وقع فعلاً من مثل قول الأستاذ: ((ولكن حلفاء الرئيس "الجماعة الإسلامية"، اتخذوا قرارًا بتأديب "العبيد الأفارقة".. إذا "ركبت دماغها" وأساءت الأدب مع "سيدها الأبيض" فى قاهرة المعز!))، ثم يتساءل أخونا الأستاذ محمود: ((ولا ندرى ما إذا كانت المسألة هى فى واقع الحال "توزيع أدوار"، بين الإخوان وبين الحلفاء "الجماعة الإسلامية"))... إلخ ما ورد بذلك المقال. هذا وقد علمت أن قيادة الجماعة الإسلامية قد اتصلت بالأستاذ محمود وبينت له خطأ ما نسب إلينا من تصريحات، وأنه يمكنه التأكد من ذلك بمشاهدة الفيديو المشار إليه، وكان أقل ما نتوقعه من قامة كبيرة كأخينا الأستاذ محمود أن يبادر إلى الاعتراف بالخطأ، فإن الرجوع إلى الحق خيرمن التمادي في الباطل كما قال عمر رضي الله عنه. بيد أن الذي دفعني لإثارة الموضوع مجدداً خبر نشرته (المصريون) على صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم الثلاثاء 4/6/2013، حيث نشرت على لسان الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور أنه خلال لقاء الرئيس مرسي برؤساء الأحزاب السياسية قد طالب المخابرات بهدم سد إثيوبيا، وانتظرت من الأستاذ محمود سلطان أن ينتقد مثل هذا التصريح باعتباره تصريحاً متهوراً مثلما استنكر التصريحات المتهورة التي نسبت إلينا ولم نقلها كما أسلفت، وانتظرت يوماً ويومين وثلاثة، ولكن الأستاذ محمود لم يكتب شيئاً. أنا أعلم أن أخانا الأستاذ محمود قد يقول: ولكن يا أخي إن العنوان ليس مطابقاً تماماً لما في صلب الخبر، لأن تفاصيل الخبر تقول إن الدكتور مخيون قد جعل هذا الطلب هو نهاية المطاف إذا ما فشلت كل التحركات السياسية والدبلوماسية، أقول وكذلك في حالتنا نحن لو نظرت إلى صلب الكلام الذي قلناه لم تجد فيه ما زعمه البعض من قرعنا لطبول الحرب، بل كان كلامي فيما أزعم أكثر هدوءاً واتزاناً من كلام الدكتور مخيون؛ فأنا لم أطالب بهدم السد ولا بإعلان الحرب، بل طالبت بضبط النفس وإعطاء الفرصة للحلول الدبلوماسية، وإن قلت إننا في نهاية المطاف قد نجد أنفسنا في حالة حرب قد فرضت علينا فرضاً، وحين سألني المذيع عن موقف الجماعة الإسلامية حينئذ، قلت إننا لن نخرج عن الإجماع الوطني وسنكون جزءاً منه. وإذن فلم اهتم أخونا الأستاذ محمود في حالة الدكتور مخيون بقراءة الخبر بدقة، بينما لم يعبأ بذلك في حالتنا نحن؟ خاصة أن كلامي - بفرض صحة ما نسب إلي - لم يكن إلا اجتهاداً شخصياً في برنامج تليفزيوني، بينما جاء كلام الدكتور يونس مخيون خلال لقاء رسمي مع رئيس الجمهورية بما يعنيه ذلك من إمكانية تحميل الرئيس جزءاً من المسئولية عنه، وهل نعد ذلك من الأستاذ محمود نوعاً من الكيل بمكيالين الذي نعيبه على غيرنا؟ أرجو ألا يكون الأمر كذلك، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وحمى بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء اللهم آمين..