إذا صح ما نسب للمشير طنطاوي، رداً على وصول الإخوان للسلطة عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وقوله: "اشربوا.. مش انتو اللى اخترتوهم"، لأدركنا فعلاً أننا نستحق الضرب ب"قبقاب شجرة الدّر"، على المصيبة التى اختارها البعض منا بأيديهم، وليصدق علينا المثل العسكرى الذى كان يجبر المخطئ فينا، ونحن بالخدمة، على اللف حول سارية العلم سبع مرّات، وهو يردد: "كووك كووك.. أنا بعكوك.. أنا اللى جبته لنفسى يا أفندم"! ولأننا فعلاً "اللى جبناه لنفسنا ومش ح نلاقى حتى نشرب"، فقد صدقنا تخاريف "النهضة" التى وعد بها الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته خلال الانتخابات، ثم نكتشف الآن أن هذا المشروع، لم يكن "خازوقاً" استشهد عليه سليمان الحلبى قبل قرابة قرنين من الزمان، ولكنه قد تمخض "سدّاً" هناك على بعد آلاف الكيلومترات فى إثيوبيا.. سيجلس عليه 90 مليون مصري، سيموتون عطشاً وهم يحلمون بآخر صورة تذكارية مع ما كان يُسمى النيل، وتسقط بعد 7 آلاف سنة مقولة المؤرخ العظيم هيرودوت، الذى قال يوماً إن "مصر هبة النيل".. دون أن يدرى أنه سيأتى يوم، وفى غفلة من الزمن، تحت حكم "الإخوان" ستكون "نيلة" أى ضحيّته وقتيلته. ما علينا.. إذا كان القائد الفرنسى نابليون بونابرت قال يوماً: إن العظماء هم الذين يكتبون التاريخ، إلا أنه وبعيداً عن نظرية المؤامرة، وأسطوانة تركة الثلاثين عاماً، تبقى الحقيقة المرّة: وهى أننا أمام نظامٍ ليس لا يقرأ التاريخ فقط، أو لا يفهمه، ولكنه لا يكتبه أيضاً.. ذلك أن الأمية السياسية والاجتماعية، اختصرت كل "النهضة" الموعودة فى مشروع التمكين، والتمدد فى غزو مفاصل الدولة، ولتذهب البلد إلى الجحيم. وها نحن بعد أن شرعت إثيوبيا رسمياً فى بناء "سد النهضة"، نكتفى ب"سدّ الحنك"، والجعجعة والكلام عمّال على بطال، هم هناك فى أديس أبابا يقرنون الأقوال طيلة عامين بالأفعال، ولا يقيمون وزناً لأى شيء، فيما نحن بقيادة حكومتنا الرشيدة، نثرثر ونطنطن، ونلطم ونشق الجيوب، حتى السودان الشقيقة أيدت على لسان وزير خارجيتها حق إثيوبيا فى بناء السد، لتكتمل "الوكسة" السودا، من عمقنا الاستراتيجى فى الجنوب. ولهذا ليس غريباً، أن نرى ما نرى، ونسمع ما نسمع، من حكومة فاشلة، يكتفى رئيس وزرائها بابتسامة "بلهاء" دون أن "تهتز له قصبة"، كما يقول الشاعر القديم، فيما وزراؤها كلهم "فى حيص بيص".. تصريحات متناقضة، وأقوال مرتجفة، بينما الرئيس الذى يبدو أنه "أخد زومبة فى أديس أبابا"، لا يشعر بأى غضب أو إهانة، بدءاً من طريقة استقباله فى المطار، وحتى قطع الصوت أثناء كلمته، ومغادرته دون أن يحضر أعمال القمة الأساسية، ليؤكد غياب مصر الكامل وتراجعها التام فى عهده الميمون، محلياً ودولياً، وحتى عندما يقرر التحرك، فإنه يبشّر وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط والتليفزيون الرسمى بالتوجه صوب قارة آسيا، وزيارة كوريا الجنوبية بحجة الاستفادة من تجربتها! كوريا إيه يا عم الحاج.. فى هذا التوقيت الأغبر؟ هكذا صرخ بفزع عم عبد الله يونس، أحد الفلاحين البسطاء فى قريتى الصغيرة على أطراف فرع رشيد، وهو يندب "اليوم الأسود" الذى حلّ بالبلاد.. متندّراً على الرّاحل محمد رضا فى الإعلان الشهير: "ادّى ضهرك للترعة"، ويقول بسخرية: "آدى آخرة الألاطة.. دلوقتى مش ح نلاقى ترعة تبص فى وشنا"! الرئيس الذى دعا الشعب للدعاء لزيادة المياه، كان هو نفسه، بشحمه ولحمه، وبركاته فى أديس أبابا، ولم يستفد من تجربتها النهضوية فى تحويل النيل الأزرق والتى أعلنتها عقب مغادرته بساعات، وبالتأكيد كان مع حكومته يسمعون عن الإجراءات الإثيوبية منذ إبريل 2011، ولكنهم لم يتحركوا، مكتفين فقط بتحويل كل ما فى البلد إلى "عفريت أزرق" يلاعبنا بهمومه وسوء إدارته، فيما سيخرج علينا أحد الدراويش، باعتبار ما حدث بأنه من إنجازات الرئيس، والتأكيد على أن سد النهضة، ما هو إلا امتداد للفكرة العبقرية التى أوهمونا بها فى مصر.. واسمها طائر النهضة.. فيصرخ مجذوبٌ من إياهم مبسملاً ومحوقلاً: "بركاتك يا أم هاشم.. مدد يا أم العواجز"! لحظة.. أروح آخد لى صورة تذكارية عند شط النيل (مذكّر النيلة التى ابتلينا بها) قبل ما "يفطس"، ويصبح على كل مصرى أن يلجأ ل"جركن ميه" يحتفظ به، "باروكية" ذكرى للأجيال المنحوسة. آدى النهضة واللى جالنا منها.. حتى فى إثيوبيا؟ مش كفاية اللى بنشوفه فى مصر "المهبوشة"! غطّيني.. وصوّتي! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.