في ندوة عقدت في إسرائيل حضرها من مصر الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق، وبطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية المصرية، وعدد من الأساتذة الإسرائيليين المتخصصين في الشئون السياسية والعربية "وذلك في 19/12/1980م"، في هذه الندوة قال د. خليل للإسرائيليين المجتمعين معه: "أود أن أطمئنكم أننا في مصر نفرق بين الدين والقومية، ولا نقبل أبدًا أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى معتقداتنا الدينية". وما أن أنهى مصطفى خليل كلامه، حتى وقف البروفيسور دافيد يرد عليه قائلًا: إنكم أيها المصريون، أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة، ولكنني أحب أن أقول لكم: إننا في إسرائيل نرفض أن نقول: إن اليهودية مجرد دين فقط، بل إننا نؤكد لكم أن اليهودية هي دين، وشعب، ووطن. وقال البروفيسور تفى يافوت: أود أن أقول للدكتور مصطفى خليل: إن الشرق الأوسط كان موطن الديانات، أما القومية فقد كانت من ابتكار الأوروبيين، الذين أزعجهم انتشار الحروب الدينية في أوروبا، فابتكروا الفكرة القومية للتخفيف من حدة الصراع الديني، في أوروبا، فباعوا ابتكارهم إلى شعوب الشرق الأوسط. والأمر الذي يدعو للعجب هو اعتزازهم بمرجعيتهم وتنصلنا منها مع أن المرجعية الإسلامية تختلف تمامًا عن فكرة "الدولة الدينية". ولعل أهم هذه الفروق أن الدولة التي تكون مرجعيتها الإسلام - لأن غالبيتها مسلمة، ليست الدولة (الثيوقراطية) التي تضفي على الحاكم القداسة والعصمة، وإنما هي التي تختار الحاكم وتقوِّمه إذا اعوج وتعزله إذا أصر على اعوجاجه – كما أنها ليست دولة للمسلمين فقط، بل هي دولة حديثة بمرجعية إسلامية، يسمح فيها بالتعددية الدينية، والحرية في ممارسة العبادة، معتبرة غير المسلم كرامته محترمة لأنه إنسان مصون الكرامة. فحينما وجد عمر بن الحطاب رجلًا ضريرًا يهوديًا يتكفف الناس غضب وقال: والله ما أنصفناه أكلنا شبيبته وتركناه في الهرم، ثم أمر له من بيت مال المسلمين بمرتب شهري هو وأمثاله من اليهود والنصارى. وقد رأينا كيف كان تاريخ المسلمين مليئًا بأسماء غير المسلمين الذين ساهموا في النهضة العلمية والمجتمعية آنذاك حتى إن البيهقي في ق 6 ه ألف كتابًا سماه (حكماء الإسلام) جعل فيه عددًا من التراجم لعلماء مسيحيين وصابئة وكان السبب في ذلك ما تمتع به غير المسلمين من حرية دينية وفكرية بحماية الدولة ورعايتها. لذلك كان البون شاسعًا بين الدولة ذات المرجعية الإسلامية القائمة على العدل والتسامح والرحمة بالعالمين، وبين دولة عنصرية همجية تعتبر الآخر حيوانات على أقل تقدير. فهل يفهم علمانيو بلادنا ما فهمه اليهود وهم يردون على رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى خليل فيعتزوا بدينهم ويعزوا به بلادهم؟!