مجلس الشورى يعيش حالة من التخبط ويفتقد للرؤية ولن يستطيع إقرار قانون السلطة القضائية الجماعة تبنت مشروعًا لتدمير ثالث أعظم محكمة دستورية فى العالم بحصارها وتدمير أحكامها طالبت من المستشار مكى فتح ملف القضاة الذين زوروا الانتخابات ولكنه تجاهلنى أكد المستشار فؤاد راشد -رئيس محكمة استئناف القاهرة- أن سقوط ضحايا جدد من المتظاهرين يؤكد أن موقف الرئيس "مرسي" فى القانون الجنائى لا يختلف عن موقف المخلوع "مبارك" لأن الضحية فى الحالتين "متظاهر سلمي"، موضحًا أن جماعة الإخوان المسلمين تتعامل مع مؤسسات الدولة بمبدأ الثأر وأن مشروع "الأخونة" كارثة تقتل المؤسسات.
وقال المستشار راشد، فى حواره مع "المصريون"، إن مجلس الشورى يعيش حالة من التخبط ويفتقد للرؤية الواضحة، وأنه لن يستطيع إقرار قانون السلطة القضائية، موضحًا أن الجماعة تبنت مشروعًا لتدمير ثالث أعظم محكمة دستورية فى العالم بحصارها وتدمير أحكامها، وأن الإخوان حلموا بالحكم تسعين عامًا ولم يمنحوا أنفسهم فرصة تسعين يومًا ليتعلموا كيف يحكمون القاهرة.
وإلى نص الحوار..
** فى البداية، هل تعتقد أن تأجيل مؤتمر العدالة كان الهدف منه وضع القضاة أمام الأمر الواقع؟
كل شيء الآن أصبح واردًا فى فكر جماعة الإخوان المسلمين، فقد تلقوا مسئوليات لم يكونوا مؤهلين لمباشراتها, وبعضهم اعترف بهذا صراحة فى كثير من المواقف، فقد حلموا تسعين عامًا بالوصول إلى الحكم ولم يعطوا أنفسهم فرصة تسعين يومًا لاستيعاب كيف يحكمون القاهرة.
** معنى هذا أن هناك دافع وراء سعى مجلس الشورى إلى سرعة إنهاء قانون السلطة القضائية؟
يجب أن تعلمى أن فرصة إقرار مجلس الشورى للقانون معدومة, وما جرى من المجلس هو جزء من حالة عامة من التخبط فى الأداء العام تخبطًا يعكس غياب الرؤية كما يعكس الرغبة فى السيطرة وربما إثبات الوجود.
** البعض يرجح أن قانون السلطة القضائية هدفه الانتقام من القضاء خاصة بعد حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشعب وجماعة الإخوان المسلمين؟
كل من يتابع أداء الإخوان المسلمين سيشعر أن هناك إحساسًا عامًا أنهم فى حالة تربص بكل مؤسسات البلد وليس القضاء وحده, فهم يشنون الغارات على الأزهر والشرطة والقضاء والإعلام والجيش والمخابرات, لم يتركوا مؤسسة دون أن يبدوا تربصًا بها.
** لهذا يصرون على خفض سن المعاش للقضاة وكأن الفساد يبدأ بعد الستين فقط؟
المثير فى الأمر أنه تم جمع التطهير والسن والحديث عن الوساطات فى سلة واحدة, وكأن السن هو عامل الفساد وقلة الكفاءة, رغم أن الدفعات القديمة عمومًا كانوا أوائل الكليات قبل أن يفتح مبارك باب المحسوبية على مصراعيه, فكل الدفعات المعنية بهذه الإهانات عينوا قبل مبارك عندما كانت الكفاءة هى الأصل, وأذكر أن آخر معاون نيابة من دفعتى كان حاصلًا على نحو79% من مجموع الدرجات وعموم الدفعة حاصلون على تقدير جيد جدًا.
** إذا كان الوضع بهذا الشكل، فلماذا يطالب النظام بتطهير القضاء؟
بالرغم من أن القضاء يطهر نفسه بنفسه، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن القضاء يحتاج إلى إجراءات إصلاحية كوضع ضوابط لتعيين القضاة بعيدًا عن تغليب فئات محظوظة على حساب الكفاءات، وفتح ملف القضاة الذين كان لهم تواطؤ مع الأمن، وحكم بعضهم أحكامًا متفقًا عليها ضد خصوم مبارك، وأيضًا ما نشر عن القضاة فى تزوير الانتخابات، ولقد فتحت هذا الملف مع المستشار أحمد مكى بعد توليه وزارة العدل، وطالبته ونحن معًا فى مكتبه أن يحيل الملف للتحقيق، كما أطالب الصديق المستشار أحمد سليمان بالتحقيق فى هذا الملف.
** البعض يؤكد عداء الإخوان للقضاة يعود للأحكام التى صدرت عليهم فى عهد عبد الناصر؟
هذا ليس منطقيًا.. فالقضاة من عهد عبد الناصر لم يبق منهم لليوم قاضٍ واحد، فعبد الناصر توفى منذ43 عامًا، والقاضى لا يعين بالقضاء قبل بلوغ 30 سنة وليس فى القضاء من يبلغ 73 عامًا, لذلك من الصعب أن يثأر الإخوان من قاضٍ معين, لكنى أشعر أن لهم ثأرًا مع كل المؤسسات، وربما كان الهدف هو أخونة كل الأجهزة.
** ماذا لو تمت الأخونة؟
ستصبح كارثة، ولن يتم تدمير القضاء وحده بل سيتم تدمير كل مؤسسات الدولة وسمعتها الدولية.
** ما دليلك على ذلك؟
هناك مشروع إخوانى يرفع شعار (معًا لإنهاء المحكمة الدستورية العليا)، بالرغم من أنها واحدة من أعظم ثلاث محاكم فى العالم كله, إلا أنهم حاصروها وأهدروا أحكامها وهذا لعب بالنار.
** وما رد فعل القضاة على ذلك؟
أخطاء حكم الإخوان وحدت القضاة سواء النادى أو حتى من كانوا ولا يزالوا على خلاف مع بعض توجهات مجلس الإدارة، فجعلوا الكل فى خندق واحد فى هذه الحرب التى تشن على القضاء ومع الحرب حالة من التخبط المثير للأسى.
** معنى هذا أن الإخوان قاموا بتوحيد صف القضاة دون قصد؟
هذا صحيح.. فالإخوان قاموا بتوحيد القضاة دون قصد، فقد كان هناك تياران من القضاة, تيار الاستقلال وله رموزه وتيار يمثله المستشار أحمد الزند, وقبل الثورة استفحل دور النادى فى مقاومة نظام مبارك وجاء المستشار أحمد الزند مدعومًا من مبارك ونظامه علنًا وظل المستشار الزند مؤيدًا لمبارك حتى لحظة سقوطه، ولكن بعد الثورة جرت أمور غيرت الصورة.
** لماذا؟ لأن موقف بعض رموز التيار من الإخوان جاء خصمًا من تاريخ التيار المناهض لطغيان مبارك والمدافع عن استقلال القضاء.
** هل لهذا السبب أعلنت عن خروجك من تيار الاستقلال، خاصة أن البعض أصبح لا يثق فى تيار استقلال القضاة بعد أن خرجوا من عباءتهم وتبين انتماؤهم لتيارات سياسية يعملون لأهدافها؟
الجميع يعلم أن تيار الاستقلال لعب دورًا عظيمًا فى الدفاع عن حقوق المواطنين والتصدى لمبارك, لكن التيار خسر خسارة فادحة لقرب الكثيرين من رموزه من الإخوان المسلمين أيًا كانت ملابسات هذا الاقتراب, خاصة أن أداء بعض الرموز جاء مخيبًا للآمال تمامًا, فنجد بعض رموزه دافع عن دستور رفضه المجتمع، وبعضهم دافع عن الإعلان الدستورى المنكوب الصادر عن الدكتور مرسي، وبعضهم صمت لحصار المحكمة الدستورية, لذلك لم أعد أسعد إطلاقًا بأن يقال إنى ضمن تيار الاستقلال، وقد أعلنت من قبل خروجى منه وعملى تحت راية وطني، وربما نعيد تنظيم الصفوف يومًا والعودة إلى العمل لصالح مصر والقضاء فى ظروف ملائمة.
** ما تقييمك لأداء وزير العدل السابق كأحد رموز تيار الاستقلال؟ وهل قام بدوره من أجل استقلال القضاء أم طغى عمله السياسى لمصلحة الحكومة؟
هذا الرجل ليس رجل سياسة وقد اجتهد وأصاب وأخطأ قطعًا, ولكنى كنت أتمنى لو لم يصبح وزيرًا أبدًا، فقد كنت قلقًا على المستشار أحمد مكى وعلى تاريخه المضيء، فالإخوان أخذوا المستشار مكى وهو صاحب التاريخ، فى لحظة انقلبوا عليه وصاروا يسبونه فى الميادين سبابًا موجهًا مبرمجًا.
** وهل تتوقع أن يكون هذا مصير المستشار أحمد سليمان؟
أنا أخشى على المستشار أحمد سليمان، وعلى تاريخه المشرف من الاقتراب من الإخوان ومن انقلاب الإخوان أنفسهم عليه, فلا عزيز لديهم، وأتمنى له السلامة.
** وماذا عن تعيين بجاتو وزيرًا؟
كنت أتمنى ألا يقبل المستشار بجاتو منصب الوزير، وأتوقع أن يندم فى وقت قريب لن يطول، فلم يكن بجاتو خطرًا على الإخوان ولا أظن أنهم فكروا فى التخلص منه بهذه الطريقة كما يقول البعض.
** البعض يقول إن هذا التعيين بمثابة ركل لأعلى سلطة تمهيدًا لقانون السلطة القضائية الجديد والذى من المتوقع أن يخفض سن القضاة وبالتالى يعاد تشكيل المحكمة الدستورية برمتها؟
خفض سن القضاة يعنى انهيار القضاء لعدة سنوات وليس المحكمة الدستورية وحدها التى تودع ساعتها كل قضاتها عدا واحد, فسوف ينعق البوم على كل المحاكم العليا فى بر مصر, لكنى أجزم أن هذا فوق طاقة الإخوان ولن يحدث, هو إجراء انتحارى وهم أضعف من الإقدام على إجراء مدمر لا يصب فى خانة الصالح العام، وأعلن كامل أسفى على مقام مؤسسة الرئاسة وعلى كلمة رئيس الدولة التى ضرب مجلس الشورى بها عرض الحائط.
** كيف لعبت السياسة دورًا كبيرًا فى حياتك مؤخرًا خاصة بعد ترحيلك من الإمارات؟
عشت طوال عمرى فى قاعات المحاكم لا أتجاوزها, لكنى فى سنوات مبارك الأخيرة أدركت أن الصمت عار على جبين الصامتين لأن الخطر على بلدى أكبر وأجل من أن أصمت فدخلت الساحة معارضًا علنًا, كتبت ضده مئات المقالات وهاجمته فى كل منبر متاح وهاجمت نظامه, وأنوه هنا إلى أمر يثور دائمًا، فهل يجوز لى مثل ذلك وأنا قاضٍ وبلدى يتعرض لمخاطر فوق طاقة الصمت إيثارًا للعافية؟ وأقول للمتحفظين لولا أن الصمت خيانة لبلدى لالتزمته فمعارضة الحاكم فى بلادنا مجلبة للمتاعب ولا نفع من ورائها, وإذا وضعت لسانى فى فمى لكان طريقى أخضر يانعًا فى الزمن السابق والحالي, لكنى لن أصمت عن حقوق ناسى من المشردين والجياع بينما كل ما تغير فى المشهد هى الأسماء والظلم باقٍ كما هو فى زمن مبارك.
** لهذا تحولت إلى معارض لسياسية مرسى بعد مرور 6 أشهر فقط من ولايته...؟
مقاطعًا.. موقفى من الإخوان لا ينبع من عداء ولا خصومة شخصية, بل على العكس كنت ولا أزال أحمل للإخوان ودًا عميقًا وشعورًا بالجميل, هم الفصيل الوحيد فى مصر الذين تلقونى بعد عودتى من الإمارات, وكبارهم هم من اتصلوا بى مشكورين وهم من رتب لى مؤتمرًا صحفيًا لعرض قضيتي, لكن أداء الإخوان سيئ فى ظروف لا تحتمل التخبط.
** ما هى الانتقادات التى توجهها لحكم الجماعة الحالى ولماذا عدم الرضا العام عنهم؟
فى حقيقية الأمر الإخوان يتصرفون بمنطق من جاءته فرصة عمره، فهم متعجلون على الغنائم باعتبار أن الفاتحين يوجب لهم الحصول على ما تمتد إليه يداه من الغنائم، ولا علم لى بنوايا الإخوان لكن الواضح أنهم يقودون مصر إلى الهاوية.
** ولهذا السبب قمت بالتوقيع على استمارة حملة تمرد؟ وهل يجوز للقاضى أن يبدى رائيه علنًا..؟
أنا مواطن مصرى لى كل الحقوق فى التعبير عن رأيى ولى صوت انتخابى كأى مواطن، وتعمدت أن أوقع علنًا وأن تنشر صورتى لأنه لا يليق من القاضى أن يتستر من كلمة حق, التستر من الحق يليق باللصوص ولا يليق بالقضاة.
** أليس هذا تدخلًا سياسيًا؟
هذا صحيح وقد عشت طوال عمرى بعيدًا عن الشأن العام إلا عندما شعرت أن بلدى مهدد.
** هناك تبعات؟
قلت كلمتى ورتبت موقفى وأنا جاهز لأى احتمالات ومستعد تمامًا لتبعات موقفي، فقد كنت وكيل نيابة وأنا ضمن رجال الجيش المصرى عام 1973 وقتها دافعت عن أرضى كمواطن وتعرضت لاحتمال الاستشهاد، يومها كان بلدى معرضًا للخطر ورحت أدافع عنه بروحى واليوم هو معرض لخطر شديد وأنا لن أدع الدفاع عنه أيًا كانت المخاطر، فقد كنت أتمنى بعد رحيل مبارك أن أعود إلى حياتى الخاصة والمحاكم لكن الإخوان ضيعوا منى هذا الحلم بأدائهم الرديء.
** وما مدى قانونية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة استجابة لمطالبات البعض الآن؟
الإخوان لن يفعلوا ذلك أبدًا, هذه الشفافية ليست منطق من يسعون لحصد الغنائم ومن جاءتهم فرصة العمر, لكن حركات مثل تمرد سوف تطور أداءها فيما أظن حسب تطورات المشهد.
** كيف ترى مستقبل القضاء فى مصر خاصة مع ملف التوريث الذى لا ينتهي؟
التوريث فى القضاء عار مصر الوطني، ولقد نددت بالتوريث فى القضاء منذ عام 2006 وتكلمت عن الأهلية الاجتماعية كباب لإبعاد الكفاءة لحساب النفوذ, ولابد من وضع معايير شفافة لدخول القضاء تعتمد الكفاءة فى الأساس.
** وهل ترى أننا سنتحول من توريث القضاة إلى تمكين الإخوان؟
الإخوان جملة عارضة فى السياق الوطني, هم عابرون لن يطول بقاؤهم فى الحكم, لقد دخلوا الحياة السياسية وسوف ندفع ثمن دخولهم ورحيلهم، لكن العائد المفيد حقًا أنهم سوف يكفون عن الصراخ لأجيال على الأقل، فقد اتضح أن الكلام شيء والفعل شيء آخر يناقضه.
** هل تتوقع محاكمة الرئيس محمد مرسى على نفس الجرائم التى يحاكم من أجلها مبارك؟
هذا صحيح.. مرسى فى موقف قانونى مثل موقف مبارك إزاء قضايا قتل المتظاهرين وسوف يحاكم يومًا عنها يقينًا.