شاهدت أمس شريط الفيديو الذي تم بثه عبر الإنترنت للجنود السبعة المختطفين في سيناء، وبعيدًا عن أي جدل سياسي، فإن المشهد مهين بالفعل لمصر ولرئيسها ولجيشها معًا، مهين لنا جميعًا، وأتصور أن الخاطفين لم يقدموا على فعل ذلك الأمر المشين، إن كانوا مصريين فعلًا، إلا إذا كان قد استقر في وعيهم، من خبرات سابقة أن القرار السياسي والعسكري مسترخٍ وغير جاد في هذه الأوقات، وأود التذكير بخطابات الرئيس محمد مرسي في أعقاب مقتل ستة عشر جنديًا قبل قرابة عام بالقرب من رفح، وأبدى الرئيس غضبًا عنيفًا وأقال وزير الدفاع ورئيس الأركان وخطب أكثر من مرة متوعدًا بعظائم الأمور وأنه لن ينام ولن يغمض له جفن حتى يثأر لدماء هؤلاء الشهداء، ولكن الجميع ناموا من بعدها وغمضت جفوننا جميعًا، وبدا أن مصر حكومة وشعبًا وجيشًا قد نسوا الموضوع، وابتلعت رمال سيناء دماء الشهداء ولم تبق لها أثرًا، وبدون شك فإن هذا ما يغري بالمزيد من الاعتداءات والإهانة للجنود والضباط الذين نلقي بهم هناك في تلك البقاع النائية بدون حماية أو كرامة أو ثمن، ثم يعودون إلى أهليهم جثثًا أو حطامًا بدون أي معنى أو حتى معركة شريفة، ويزيد الأمر سوءًا الآن الغموض الشديد في الموقف تجاه هذا الموضوع، منذ وقوع الأزمة، ونحن لا نعرف، من الذي يريد الحسم العسكري ومن الذي يريد التفاوض، كل الجهات تسرب معلومات وأخبارًا متناقضة، وهذا ما لا يبشر بخير أبدًا عن علاقات مؤسسات الدولة بعضها ببعض، ثم قامت رئاسة الجمهورية باستدعاء رؤساء الأحزاب لكي تتشاور معهم في الموضوع وفي الحل الأمثل لهذه المشكلة، وتلك من غرائب إدارات الأزمات، فمثل هذه الأحداث يتأثر قرار حسمها ومواجهتها بالتقارير والمعلومات الاستخباراتية الدقيقة وعالية السرية فهي التي تحدد خريطة العمل وتكاليفه وفرص نجاحه، وبالتالي تحدد لصانع القرار اختياراته، فما معنى أن تأتي بعدد من الشخصيات السياسية لكي تستشيرهم في الموضوع؟ هل جرى العرف أو يسمح القانون بأن يتم اطلاع رؤساء الأحزاب على أسرار الدولة والمعلومات الاستخباراتية الحساسة والسرية، أم أن استدعاء هؤلاء السياسيين لمجرد شراء الوقت وإعطاء رسالة بأن الرئاسة غير مقصرة وأن العملية العسكرية والتفاوضية إن فشلت فإن الجميع يتحملها بمن فيهم من حضروا "المشورة" وليس الرئاسة وحدها؟ وأتمنى في هذه النقطة تحديدًا أن تظل الرئاسة متذكرة لهذا المبدأ في التحديات الخطيرة التي تواجه الوطن، فإذا كانت مشورة قيادات الأحزاب والقوى السياسية مطلوبة قبل اتخاذ القرار، فإن هذا يكون مبدأً عامًا، وليس في "الزنقات" فقط. كثير من التصريحات التي صدرت تندد بموقف الرئاسة لا يمكن تبرئتها من الاصطياد ومحاولة توظيف الأزمة في سياق الضغط على الرئيس وإحراجه وإظهاره بمظهر الضعيف، وفي تقديري أن هذا السلوك السياسي غير لائق، ولا يعبر عن إحساس عالٍ بالمسؤولية، فمثل هذه الأزمات تمثل تحديًا لنا جميعًا، وليس للرئيس وحده، وعلينا جميعًا دعم "الدولة" لاستعادة الهيبة والقانون وسيادتها على الأرض المصرية، بغض النظر عن شخص الرئيس أو أي خلاف سياسي معه،.. حتى كتابة هذه السطور لم يجد أي جديد، هناك معلومات عن تحركات عسكرية متسارعة لا نعرف إن كانت للتهديد والضغط على الخاطفين أم أنها تحرك جدي لتحرير الرهائن بالقوة، كما أن الانقسام واسع بين التيارات الإسلامية حول طريقة التعامل مع الموضوع، وهو جزء من ارتباك الإسلاميين بعد الثورة، وانتقال الوعي من مرحلة الصراع مع السلطة إلى الشراكة في السلطة، وفي كل الأحوال أتمنى أن تنتهي هذه الأزمة على خير وأن يلطف الله بهؤلاء الشباب البسطاء المختطفين وأن يعودوا إلى أهلهم سالمين. [email protected]