إذا ما قدر لجهة ما أن تحصر عدد السيارات التى تم تفخيخها وتفجيرها بواسطة المخابرات الإيرانية والسورية فى كل من لبنان وإيران والعراق وباكستان.. الخ؛ فإنها ستقدم توصية بإنشاء خط إنتاج كامل لسيارات التفخيخ؛ فلعبة التفجير بواسطة السيارات وإن لم تكن فكرة إيرانية / سورية، إلا أن مخابراتهما قد برعتا فى تنفيذها عبر ثلاثة عقود على الأقل، حصدت بواسطتها آلاف الأرواح فى عمليات متنوعة ما بين الاغتيال وخلط الأوراق وتفجير الأزمات والإيحاء بالانفلات الأمنى والتمهيد لحدث أو ممارسة ضغط.. لذا، لم يك ملغزاً أن تتجه أصابع الاتهام فوراً فى تفجيرات الريحانية الحدودية التركية التى راح ضحيتها العشرات من الشهداء وأضعافهم من الجرحى إلى المخابرات السورية، إما بمساندة إيرانية أو بدون، وسرعان ما تحولت الظنون الغالبة إلى يقين مع إعلان وزير الداخلية التركى معمر غولر أنه قد "تم تحديد هويات الأشخاص والمنظمة الذين نفذوا الهجوم. تبين أنهم مرتبطون بمجموعات تدعم النظام السورى وتدعم أجهزة استخباراته"، واتهام نائب رئيس الوزراء بشير أتالاى الاستخبارات السورية بالتورط، وتواردت الأنباء "لقد جاءت السيارات من سوريا وتم إدخال المتفجرات عبر التهريب ومن ثم تركيبها فى تركيا، وهى من نوع المتفجرات التى استخدمت فى باب الهوى"، بحسب ما قال بعض المحللين الأتراك، ووفقاً لآخر، وهو خالد خوجة، فإن "ربط نائب رئيس الوزراء التركى مجازر بانياس بتفجيرات الريحانية يتعلق بكون سفاح بانياس "كيالى" هو محراج أورال زعيم حركة تحرير لواء إسكندرون". ومع توفر المعلومات بشكل منتظم الآن؛ فإن عملية التفجير بواسطة سيارتين فى البلدة التركية المحاذية للحدود السورية ليست من قبيل العمليات المعقدة، ويبدو أن الاستخبارات السورية لم تبذل جهداً كبيراً من أجل إخفاء هويتها، فاللعب اليوم قد صار "على المكشوف"، وبالتالى فإن الورقة التى ألقيت بالدم التركى الغزير تعنى أن غضب النظام السورى من مساندة الحكومة التركية للسوريين الأحرار على ضعفه قد بلغ حداً غير مسبوق، وهو يعنى أن النظام إما أنه قد استعاد شيئاً من عافيته، أو أنه يعانى ضيقاً بالغاً حدا به إلى تصدير الأزمة إلى تركيا بشكل مباشر، وأيًا ما كان التفسير؛ فإن مثل هذا التفجير يمكن أن يحقق لدمشق عدة أهداف أو بعضها.. فهو قد يمنح إشارة بدء لعلويى تركيا، لإحداث قلاقل على خلفية انزعاجهم المعلن من وجود لاجئين سوريين فى الجنوب التركي، وقد قام بعض المعارضين الأتراك، لاسيما من الأقلية العلوية بمحاولة الإفادة من تأثير هذه المجزرة، لإضعاف روح المساندة التركية الشعبية للسوريين، وهو عين ما حصل فى بعض الدول العربية من التيارين اليسارى والناصرى، فى أعقاب الغارات "الإسرائيلية" على جمرايا، بالقرب من العاصمة السورية دمشق، من إبداء مساندة علنية هى الأولى منذ فترة طويلة عجزت فيها خلايا النظام العلوى السورى عن إبداء تعاطفها معه خشية انفجار الغضب الشعبى فى وجهها.. وهو قد يبعث رسالة واضحة للعاصمة التركية بأن تكف يديها عن مساعدة فصائل المعارضة السنية، لأن نظام بشار لن يقف مكتوفاً إزاء أى عملية مساندة قد تحصل فى معركة القصير القادمة مع الفصائل السورية الحرة، أو أى معركة أخرى تعرقل مساعى بشار من أجل تنفيذ تهجير قسرى ضد الغالبية السنية فى مناطق الدولة العلوية الافتراضية. وهو قد يساهم فى تمهيد الطريق لفتح طريق الإمداد بين الوسط والشمال السورى، الذى يخرج معظمه عن سيطرة النظام العلوى فى دمشق. وهو قد يبرق من طهران إلى أنقرة بأن إبرام العاصمة التركية اتفاق مع حزب العمال الكردستانى، يقضى بإنهاء حالة الاقتتال مع السلطة التركية لن يغل يد الإيرانيين عن اللعب بورقة جديدة تتعلق بالأمن فى الجنوب التركى، لاسيما فى منطقة لواء الإسكندرون التى تساوم دمشق بإعادة إحيائها أو تفجيرها، ويعزز ذلك ما ورد على لسان مسؤولين عسكريين فى إيران بالتزامن مع تصريح من زعيم "حزب الله" اللبنانى تفيد بأن سوريا قد تسمح بإنشاء ووجود "مقاومة شعبية سورية ضد إسرائيل فى الجولان"، وهو ما يمكن ترجمته بأنه قد لا يمنع أيضاً من فتح جبهة فى الجنوب التركى وساحل المتوسط ضد تركيا. وهو قد يستبق أى فكرة تتراءى لدول الجوار السورى للتدخل بشكل أوسع فى القتال الدائر فى سوريا ضد النظام السورى المستمر فى ارتكاب مذابح بحق شعب سوريا السني؛ فالتحركات العسكرية، واللقاءات بين المسؤولين العسكريين فى المنطقة لاشك أنها أزعجت نظام بشار ورغبت إليه إعادة التأكيد على تصريحه السابق فى بداية الأزمة من أن المنطقة كلها يمكن أن تحترق إذا ما عمدت قوى الإقليم على إطاحة نظامه، وها هو قد بدا أنه يضع هذا التهديد على محمل التحقيق. ولقد يمكن أن يكون بعض هذه الأفكار صحيحاً، أو لا، غير أن الحاصل فى النهاية أن رسالة سورية رسمية موجعة جداً قد أرسلت إلى أنقرة، والأخيرة تشعر بعجز حقيقى على الرد المناسب، بسبب تواطؤ القوى العالمية ضد السوريين وحريتهم، وانكفاء "الأصدقاء" فى المنطقة أيضاً على ذواتهم ضعفاً عن اتخاذ موقف مستقل، لكن من يدري؛ فلعل أنقرة تتمكن من توجيه الطعنة إلى قلب بشار هذه المرة، لاسيما لو نجحت فى إخراج الجريمة على أنها عدوان على دولة عضو فى حلف الناتو تتوجب مساندتها بشكل واضح؛ فالطعنة التى تلقتها تركيا أعنف بكثير من عدوان سفينة مرمرة، وأدعى أن تستفز أنقرة لرد مؤلم لنظام بشار الذى يتمتع بحماية دولية مكافئة لتلك المتوفرة ل"إسرائيل" سواء بسواء. Amirsaid_r@