يعد البرنامج الفضائي المصري هو البرنامج الوحيد الذي نضج واكتمل رغم الخفوت الإعلامي له، فقد نجح في إطلاق أول قمر صناعي تصويري بعد أقل من سبع سنوات على بدايته، وكان يمكن أن يكون أكثر برنامج مؤهل ليصبح مشروعًا قوميًا لولا الانتكاسة التي تعرض لها بفقد الاتصال مع القمر المصري "إيجيبت سات1". والحقيقة أنه البرنامج الفضائي المصري نجح بإمكانيات ضئيلة جدًا في خلق أول فريق عربي من نوعه قادر على تصنيع الأقمار الصناعية، وقام بإرسال هذا الفريق إلي واحدة من أكبر الدول المصنعة للأقمار الصناعية وهي دولة أوكرانيا التي فتحت لهم 270 مصنعًا متخصصًا أكثرها مصانع عسكرية الطابع في أربع مدن وهي "دينبروبتروفيسك"، و"زاباروجيا"، و"كييف"، و"خاركوف". ورغم قلة الميزانية والفضيحة الكبرى مع الجانب الأوكراني الذي لم يتسلم بقية حقه والذي قدر بحوالي 36 مليون جنيه إلا أن القمر الأول انطلق بنجاح واستفادت مصر من جميع الجهات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية حتى فقد الاتصال بهذا القمر، وتم إلغاء تأجيل إطلاق القمر الثاني والثالث "إيجيبت سات1" و"ديزرت سات". وفجأة وبدون مقدمات فقدت مصر الاتصال بقمرها "إيجيبت سات1" في رمضان 2010 بعد عمل متواصل لمدة 3.5 سنوات وتم الإعلان عن فقده إلى الأبد ليتيه في الفضاء بلا رجعة، ويتم الإعلان عن بدء تصنيع "إيجيبت سات2"، منذ سنتين ولكنه لم يخرج إلى النور حتى الآن. في البداية أكد الدكتور محمد بهي الدين عرجون، رئيس البرنامج الفضائي المصري، أن نجاح ثورة شباب التحرير في 25 يناير الماضي أعادت الأمل لأكثر من 62 من شباب علماء البرنامج الفضائي المصري الذين تدربوا في أوكرانيا، وساهموا في تصنيع القمر الصناعي إيجيبت سات 1، مبينًا أنهم يستعدون حاليًا لتصنيع القمر الصناعي الثاني "إيجيبت سات2". وقال إن نجاح الشباب في إطلاق ثورتهم من خلال الفيس بوك وتويتر جعل من علماء الفضاء يحاولون الانطلاق من خلالهما وبالفعل أنشئوا موقعين في محاولة للإعادة إحياء البرنامج، الأول دعوة لإقامة وتفعيل وكالة الفضاء المصرية، والثاني جروب خاص أطلقوا عليه "معًاً للنهوض بالبرنامج الفضائي المصري"، موضحًا أن تكنولوجيا التصنيع الفضائي يمكنه أن يدعم أكثر من 4200 صناعة مختلفة في كل المجالات، بالإضافة إلى أنها ستعلم المصريين لأول مرة معنى الإتقان الصناعي، ولا يزال البرنامج يحمل نفس الأهداف الخاصة ببناء أقمار صناعية بأيدٍ مصرية وعقول مصرية وامتلاك القدرة على تصنيع تلك التكنولوجيات. وأوضح الدكتور محمد كساب، المسئول عن تصميم هيكل القمر، أنه لا يوجد ما يمنع مصر من دخول مجال الصناعة الفضائية، خاصة أن مصر تمتلك ترسانة كبيرة من المصانع الحربية، ولا ينقصها سوى تأهيل العمالة الفنية ومهندسي الإنتاج على مستوى الجودة التي نحتاج إليها لدخول عالم تكنولوجيا الفضاء، مشيرًا إلى أن مكونات الصناعات الفضائية تأتي بالخبرة وبالتدريب، أما النواقص في الآلات فيمكن استكمالها مع الوقت حتى يمكن أن تمتلك مصر 80% من المكونات الصناعية الفضائية في عشر سنوات، خاصة أنه لا توجد دولة في العالم تمتلك 100% من الآليات الفضائية. وقال كساب إن العالم كله يتجه إلى الاهتمام بالتنمية بشكل أقوى في المجالات العلمية لتساعدها في اتخاذ القرار، مبينًا أن تكنولوجيا الفضاء يمكنها أن تساهم في التنمية الزراعية من خلال توفير بيانات الأراضي التي تصلح لزراعة القمح في صورة فضائية واحدة، منوهًا إلى أن القمر "إيجيبت سات2" قادر على تصوير مساحة كبيرة جدًا من الأرض في لحظة واحدة بحيث يكون قادرًا على تصوير الدلتا كلها في وقت لا يزيد عن ثلاثة أيام، بالإضافة إلى قدرته على إعادة تخطيط الدلتا والصحراء، وقدرته على اختبار جيولوجيا الدلتا وتقسيمها إلى ما يصلح لتكوين القرى وما يصلح لتكوين المدن. وأشار كساب إلى أن الإرادة السياسية في كل دول العالم هي التي تتحكم في مجال الصناعات الفضائية، فإذا كانت الإرادة السياسية متحمسة للمجال تكون النتيجة أسرع مما يتخيل الجميع، موضحًا تجاهل الحكومات المصرية المتعاقبة للبرنامج الفضائي وغياب الإرادة السياسية لإحساسهم أن البرنامج الفضائي مجرد ترف لا يقدر عليه إلا الدول الغنية، وليس من أولويات الدول النامية التي تعاني من الفقر. وأكد كساب أن مصر بدأت البرنامج الفضائي بميزانية لا تليق بمصر وحضاراتها، مبينًا أن دول العالم التي بدأت هذا البرنامج دخلت المجال، وهي تعلم ما هي الإمكانيات التي يحتاجها البرنامج، أما البرنامج المصري فبدأ بطريقة تثبت أن العاملين فيه "صنعوا من الفسيخ شربات"، لأن البرنامج المصري بدأ بميزانية تبلغ 20 مليون دولار فقط، رغم أن تصنيع قمر صناعي واحد يحتاج إلى 50 مليون دولار، مطالبًا بتوفير ميزانية تبلغ 50 مليون دولار، ووصفها بأنها ليست الميزانية الطبيعية لأي برنامج فضائي ولكنها ستكون أفضل من لا شيء، خاصة أن ميزانيات برامج الفضاء على مستوى العالم تقدر بالمليارات. وطالب كساب بتوفير هذه الميزانية اللازمة للحفاظ على الكوادر البشرية والعلمية، خاصة أن 45% من القوة البشرية التي تعلمت في أوكرانيا إضرت للفرار، فمنهم من رحل إلى أوروبا وأمريكا حتى يكمل دراسته، ومنهم من رحل إلى دول الخليج بحثًا عن الرزق، لأنه لم يجد الوضع اللائق في مصر، مؤكدًا أن كل هؤلاء الشباب إذا وجدوا بداية سليمة تبدأ في البرنامج الفضائي سيعودون إلى مصر. وقال كساب إن الهيئة انتهت من الجزء المهم من تصميم القمر الصناعي "مصر سات2"، وأن الجزء المتبقى يحتاج إلى أمر سياسي ودعم من القيادة السيادية، مضيفًا أن البرنامج الفضائي المصري يحتاج إلى قانون منظم للأنشطة الفضائية بحيث يثبت البرنامج في إطار قانوني. أما الدكتور علي صادق، رئيس مجلس بحوث الفضاء، فأكد أن البرنامج الفضائي لن يحقق أي شئء، لأنه لا يوجد قرار من الدولة لدخول مصر العصر الفضائي، أي أن المشكلة التي تواجه البرنامج هو انعدام الإرادة السياسية وعدم وجود صانع قرار، مؤكدًا أن إصدار هذا القرار يتوقف عليه تصنيع قمر صناعي ويجعل مصر قادرة على تقديم برنامج فضائي جيد، مضيفًا أنه شاهد على توقف البرنامج الفضائي الأول والثاني رغم أنهم نجحوا في تصنيع قمر صناعي في البرنامج الثاني، ورغم أن المتسبب في توقف البرنامج الفضائي معلوم إلا أنه لم يُحاسب حتى الآن. من ناحية أخرى أكد المهندس إسماعيل إبراهيم، مسئول مجموعة الكمبيوتر المحمول، والذي تم تدريبه في مدينة "دينبروبتروفيسك" على أن تجربة أوكرانيا من الصعب تكرارها مرة ثانية، وإننا في مصر لم نستغل هذه الفرصة، مبينًا في آسى أن البرنامج الفضائي لم يكن مجرد شراء قمر، بقدر ما كان الهدف توطين للمعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، من خلال التدريب على بناء أقمار مشابهة، مشيرًا إلى أن هذه العقول القادرة على إنشاء عشرات الأقمار هي الثورة الحقيقية، ولكن للأسف الشديد الدولة تهدر هذه الثروة. وقال إسماعيل إن تجربة أوكرانيا أتاحت للمصريين المشاركة لأول مرة في تصنيع الأقمار الصناعية، على الرغم من أنهم لم يقوموا بأي جديد منذ عودتهم عدا تطوير كل ما تعلموه هناك انتظارًا لليوم الموعود، مؤكدًا أن ما تعلمه من مدربته الأوكرانية "ليدفينفا" والخاص بتكوين وتنظيم الأوامر الفعلية للقمر والبرمجيات الخاصة به، لا يزال ينتظر اللحظة التي يطبقها فيها على أرض الواقع في مصر، متسائلًا هل ستمنحه القيادة السياسية الفرصة لينجز عمله أم أنها ستتركه ليرحل مع من رحلوا لتفقد مصر عقلًا جديدًا؟ على الجانب الآخر اتفق معه المهندس محمد محمود إبراهيم، عضو مجموعة الكمبيوتر المحمول، والذي تم تدريبه في مدينة "زاباروجيا"، وهو مسئول عن تصميم نظام التحكم والكمبيوتر المركزي وقضى بها الفترة من 2003 حتى 2005 ليكون أطول الشباب تدريبًا في أوكرانيا، وأكد أن البرنامج الفضائي المصري أتاح للشباب المصري خبرات مكتسبة لاشتراكهم في كافة الوظائف الخاصة بتصنيع الأقمار الصناعية. وقال المهندس محمد إن الإمكانيات المصرية قادرة على صناعة المستحيل، ولكن للأسف الشديد لا توجد إرادة سياسية، مشيرًا إلى أن الدعم الذي يحظى به لاعبو كرة القدم قبل أي بطولة إفريقية لا يجده شباب علماء البرنامج الفضائي المصري، مطالبًا بضرورة دعم البرنامج الفضائي قبل فوات الأوان، على أن يضع المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجية علوم الفضاء في أجندة أولوياته باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق التنمية المستدامة انطلاقًا من معرفة الإمكانيات من الفضاء. لم يختلف معهم المهندس أحمد صلاح لاشين كثيرًا، فباعتباره أحد أعضاء مجموعة القوى الكهربائية التي تدربت في مدينة "زاباروجيا" على يد 21 خبيرًا أوكرانيًا داخل مصنع "خارترون نيوكوم" الحربي، وكان من المفترض أن يتم استنساخ 21 متخصصًا مصريًا في كافة مجالات القوى الكهربائية، ولكن للأسف كما يقول لا يزال ينتظر العمل الحقيقي في اللحظة الحاسمة، مؤكدًا أنه إذا وجد فرصة أفضل له لن يكون مثاليًا أكثر من اللازم وسيلجأ إليها آسفًا. وأشار المهندس لاشين إلى أن برنامج الفضاء المصري أصبح في حاجة إلى قانون ينظم أعمالنا الفضائية لخلق مستوى آخر من الانضباط والإدارة السليمة، مطالبًا بنظرة اهتمام من الحكومة، مطالبًا بمشاريع عديدة ليعمل عملًا حقيقيًا، مطالبًا بضرورة دخول الجامعات المصرية لتدريب شباب الهندسة، خائفًا أن يأتي اليوم الذي يرحل فيه دون أن يحقق أي إنجاز، قائلًا في حسرة "يبدو أن مصر نسيتنا شوية". أما المهندس أيمن محمود، عضو مجموعة الحمولة الفضائية، وهي المجموعة المسئولة عن تصميم وتصنيع جهاز الحمولة أو الكاميرا المحمولة على القمر، وتم تدريبهم في مدينتي "كييف" و"ليفوف" فيؤكد أن التجاهل الذي وجده شباب علماء البرنامج الفضائي المصري كان على جميع المستويات، وعلى الأخص المستوى الإعلامي الذي لم يهتم بهم على الإطلاق على عكس علماء الغرب الأوروبي الذين يتصدرون الصحف والمجلات. وأوضح أن الأسلوب الذي تعلموا به في أوكرانيا باعتبارها مدرسة شرقية يتناسب مع العقول والمدرسة المصرية، واستطاعوا هضمه بشكل جيد، حتى إنهم كثيرًا ما يسمعون تساؤلات خبراء مؤسسات صناعة الأقمار الصناعية الأوكرانيين الذين صنعوا أكثر من 400 قمر "لماذا لا تصنعوا قمرًا حتى الآن.. مش عايزين ولا مش عارفين ولا مش في دماغكوا"، مؤكدًا أنه جاء إلى مصر يحمل معه أحلامًا كثيرة ارتضى بالجانب العلمي على حساب الجانب المادي من أجل تحقيقها، فهو لم ينس حتى الآن شعور استقباله لأول صورة فضائية لمدينة الإسكندرية، تلك الصورة التي أحس أنها جزء منه، لأنه ساهم في تكوينها بنفسه على الأرض. ورغم كل ذلك اختلفت معهم الدكتورة حنان فوزي، رئيس قسم المعلومات بالبرنامج الفضائي المصري، التي أكدت أن الأزمة ليست في فقد الاتصال بين القمر المصري ووحدة التحكم، ولا الخسارة في هروب بعض شباب المهندسين من البرنامج بقدر ما أن الأزمة الحقيقة في تباطؤ البرنامج وعدم تحديد ما إذا كان القمر الثاني سيصعد إلى الفضاء أم لا، مشيرة إلى أن المهندسين الذين تركوا البرنامج ليس بالقوة القادرة على تدميره مع الاعتراف بأن تعويضهم ليس بالسهولة. وقالت إن كثيرًا من المتسربين خرجوا لاستكمال دراساتهم العلمية في جميع جامعات العالم، باعتبارهم عاملين داخل هيئة بحثية في المقام الأول، والبعض الآخر خرج نتيجة للظروف المادية التي يمرون بها وبحثًا عن الرواتب المجزية، مشيرة إلى أن البرنامج لم يتوقف، بسبب تسرب هذه الخبرات، لأن البرنامج قام باستنساخ كل من عاد من أوكرانيا، كما تم المحافظة على الوثائق المدموغة والخاصة بكل ما تم بين مصر وأوكرانيا في هذا المجال لاستعادة كل ما تدربه الفريق المصري، ويكفي أن مصر أصبح لديها كفاءات شابة حصلوا على الخبرة المطلوبة.