نعيش جميعًا ونحن منذ نعومة الأظفار في حراك مستمر ومنافسات لا تنقطع. وكثير منّا استطاع بفضل هذه المنافسات مع الغير أن يخلق لنفسه مكانًا متميزًا سواء في دراسته أو في ممارسة ما رياضة كانت أو غيرها.. فهذه طبيعة البشر السعي دومًا إلى الأفضل والتميز.. وقفت أرصد حالنا فوجدت وللأسف أننا نمر بل وبقوة بمرحلة التمايز السلبي وهو إظهار الأسوأ في كل فصيل وكل منّا يسعى وبقوة إلى إظهار العيوب والمساوئ كافة للآخر. ونسى أنه أيضًا له من المساوئ لو علمت عنه جميعها لفارقه أقرب الناس إليه. فما بالنا أن تكون هذه السلبيات محض افتراء من البعض لإشعال هذا الحراك من التمايز السلبي فيما بيننا. فتجد مثلًا وضع الرجل الصعيدي في صورة الأبله ومحل التندر والنكات بدلًا من إظهار الشهامة والرجولة التي يتصف بها غالبية أهلنا في الصعيد. كذلك ما نراه من إضافة الألفاظ والعبارات على أهل الشرقية فبدلًا من الثناء عليهم لأنهم أكرموا ركاب قطار توقف أمام إحدى القرى وقت أذان المغرب في رمضان فقامت القرية كلها واعتبرت هؤلاء الركاب بمثابة الضيوف وأكرموهم أيان إكرام فبدلًا من وصفهم بالكرم وصفوهم بغير ذلك. والمنوفية ودمياط ومحافظاتنا كافة بل وأحياؤنا ليسوا بعيدين عن إظهار السلبيات المفتراة عليهم.. فيا ترى من أزكى روح التمايز السلبي بيننا..! ليت الأمر وقف عند هذا الحد بل تعداه إلى إزكاء روح التمايز السلبي على مستوى العقيدة فتجد وصفًا للإخوان المسلمون بكثير من الأمور لو صحت لخرجوا من الملة ولأصبحوا هم الشيطان الأعظم. ولا يتوقف هذا الفصيل أو ذاك عن وصف الآخر واتهامه بأمور سلبية وإن صح بعضها فإن كثير منها يجب التجاوز عنه. بالرغم من أن الباب مفتوح ليكون هناك تمايز إيجابي فيما بيننا، فكيف نؤمر بالتوحيد ونحن بعيدين كل البعد عنه؟ فكلمة التوحيد ليست مغزاها فقط توحيد العبودية للواحد القهار فحسب بل والعمل بمقتضياتها الثمانية ومن ضمنها الولاء والبراء فيا من اتهمت الآخرين وأظهرت عوراتهم أليست لك عورات؟ ألست مأمورًا بالستر على إخوانك؟ ألم تجد فيهم أو منهم خيرًا؟ لاشك أن الاختلاف بين البشر هو الأصل -هم خلقوا كذلك- وبالرغم من ذلك فالتكامل فيما بينهم هو ما يدفع حركة التنمية ويخلق حياة ملؤها الحب والإنتاج والرفاهية بعيدًا عن الكراهية.. والأمثلة من الغرب الكافر لهي خير دليل فهم أى الغرب من عملوا كمجموعة متكاملة رغم اختلافاتهم الكثيرة جنسية –عقائدية- فكرية- دينية-...الخ. وبالرغم من ذلك تكاملوا فسادوا نعم هم السادة وخلقوا منّا عبيدًا باختلافاتنا. عندنا من التمايز الإيجابي ما يجعلنا نتوحد ونتكامل فلا فارق بين سلفي أو إخواني، ولا فارق بين جماعة التبليغ والصوفية، ولا فارق بين من يرفعوا راية الجهاد بحق ومن اتخذوا من التنمية والبناء راية وفكرًا بل وأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول لا فرق بين كل هؤلاء وبين شركائنا في الوطن فكلنا سواسية في وطن يحتاج منّا إلى بذل الغالي والنفيس ليقوم من غفوته وليظهر كل منا الأفضل في التضحية وذل النفس في سبيل إعلاء كلمة الحق وراية التوحيد في بلاد التوحيد. يا من اعتليتم السلطة ورفعتم رؤوسكم من ذل القهر الذي مورس عليكم وعلى غيركم إلى سماء الحرية لا تتخذوا راية الإقصاء راية ولا تجعلوا إمامكم هو المؤسس، بل فعلوا شعاركم واجعلوا الرسول وأحاديثه وأفعاله هي المنهج والسبيل إلى الوصول إلى التوحيد لا تلوثوا من خالفوكم في الرؤى بما ليس فيهم واستروا عورات غيركم، فهكذا تربينا فكلنا عورات ولا تجعلوا عوار الساسة سببًا في إقصاء المخلصين من أهل المحروسة. ولهذا يا أولى الألباب أهل المحروسة في حاجة إلى بناء الإنسان المصري قبل بناء البيت المصري ولن يتم البناء إلا بالتمايز الإيجابي وإظهار أفضل ما فينا. من حلم ساد.. ومن عفا عظم.. ومن تجاوز استمال إليه القلوب...! وإلى أن نجد من يظهر أفضل ما فينا بدلًا من أن يفرقنا من أجل أن يسود. اسلمي يا بلادي ولك منى السلامة.