بصراحة الإخوان لا يملكون أي مهارات سياسية، باستطاعتهم أن يكسبوا القوى السياسية المعارضة بأفكار بسيطة جدًا، وبخطوات تكتيكية سهلة تخفف الهجوم الحاد والمتواصل من كل التيارات الأخرى. مثلًا.. يعهدوا بمناصب وزارية محدودة لشخصيات من المعارضة، حتي لو كانت وزارات هامشية لا يؤثر أداؤها علي مجمل السياسة العامة للحكومة، فقط مقاعد في وزارات تقليدية يكسبون بها الأحزاب الأخرى، ويظهرون بمظهر الحريص على إشراك الجميع في العملية السياسية، وهذا بالتأكيد سيقفز بشعبيتهم إلى السماء، ولكنهم للأسف لا ينظرون إلا تحت أقدامهم، ولا يهمهم إلا "التكويش" والتمكين والسيطرة والتمدد ، وهذا سيصل بالبلد للجحيم. كلام نظري جميل، ومصطلحات براقة ورائعة من قبيل التوافق والمشاركة والإجماع الوطني، يطلقها أولئك الذين يتمطعون كل ليلة على الشاشات، ويرددها خلفهم بعض الطيبين أصحاب النوايا الحسنة الذين يتلقون ثقافتهم السياسية من الإنترنت، ويكاد يغلبهم التثاؤب من فرط الساعات التي يقضونها ليلًا أمام "التابلت" العشرة "إنش" وهو يزهو بألوانه المبهرة، ويصدر أصواته الرقيقة مع كل نقرة "تاتش" على شاشته اللامعة، ومع كل "تويتة" أو "كومنت" ترد إليهم من أصدقائهم في المجتمع الافتراضي الذي تقوقعوا فيه. من الناحية العملية الإخوان لديهم تجارب مريرة مع القوى التي تدعي الثورة في محاولات متكررة للتوافق والتشارك معها، وبسبب الطبيعة الانسحابية لهذه القوى فشلت كل هذه المحاولات، وجرى إفشال كل اتفاق يصل له الإخوان مع القوى السياسية التي تتشدق اليوم بعبارات التوافق، ولا أريد أن أواجه بسؤال من نوع لماذا تتصورون أنكم مستهدفون، وأن هناك من يحاربكم ويرغب في إفشالكم، لأن هذا سؤال ساذج، لا يصدر إلا من واحد "على نياته". في بداية المرحلة الانتقالية سعى الإخوان عبر حزب الحرية والعدالة إلى تشكيل تحالف واسع من القوى الوطنية والأحزاب الرئيسية لخوض الانتخابات البرلمانية في مواجهة الفلول، تدخلت الأيدي العابثة وقتها لتفشل كل الاتفاقات، وانتهى التحالف الذي بدأ بأكثر من ثلاثين حزبًا وحركة سياسية إلى قائمة بها أقل من خمسة أحزاب، وذلك بسبب الانتهازية وسياسة لي الذراع التي تمارسها أحزاب طفيلية لا وزن لها في الشارع ولكنها صاحبة صوت صاخب في قنوات الفلول، وتسعى باستخدام أسلوب العويل في الفضائيات لحجز أكبر مساحة في الاتفاقات السياسية، وإذا لم تحصل على ما تريد تبدأ في الانسحاب جماعيًا بهدف إفشال العملية برمتها. تمامًا كما حصل في جمعية الدستور الأولى، في التوقيت الحرج انسحبت مجموعة كبيرة من القوى التي تدعي المدنية، بهدف التحكم في تشكيل الجمعية بدون وجه حق ، وإلا فلتفشل الجمعية وليتوقف مشروع الدستور، ونجحوا في ذلك واضطر الإخوان وقتها للتراجع وحلت الجمعية وتعطل مسار الفترة الانتقالية. في الجمعية الثانية للدستور والتي شكلت بالتوافق تمامًا مع المجلس العسكري، وبعد أن اشتركت القوى التي تدعي المدنية في جميع أعمالها لمدة ستة أشهر، أدركوا أن "العملية جد" وأن الدستور على وشك الاكتمال، وأنه سيحسب للإخوان أنهم توافقوا مع القوى الأخرى في إنتاج دستور في أصعب الظروف، فكان لابد من الانسحاب المفاجئ والجماعي لإفشال الموضوع كله، وقلب الطاولة رأسًا على عقب، ولو استسلم الإخوان وقتها لعمليات الانتهازية والقرصنة السياسية لدخلت البلاد في نفق مظلم. ثم يأتي بعد ذلك من يطالب الإخوان بأن يسندوا حقائب وزارية للذين تعمدوا إحراجهم في كل مناسبة ، وسعوا لإفشالهم في كل موقف، كأنهم من السذاجة بحيث يسلموا رقابهم للمغامرين يتلاعبون بهم كيفما شاءوا، ويمارسون هواياتهم في الانسحاب في الأوقات الحرجة، سيما أنهم لن يتحملوا أي مسئولية سياسية أو تاريخية عن ذلك، فقط الإخوان هم من سيوجه لهم اللوم، لأنهم مطالبون بالإنجاز والإصلاح والتوافق "والطبطبة" "والتدليع" والتدليل، والاستسلام في النهاية لسكاكين جبهة الإنقاذ وأسيادهم من الفلول. لماذا يتعين على الرئيس أن يتوسل لجبهة الإنقاذ حتى يرشحوا وزيرًا في الحكومة، أو أن يستجدي القوى السياسية التي تمارس الابتزاز حتى يتكرموا عليه بقبول منصب في السلطة التنفيذية، بات في حكم اليقين أن هؤلاء لن يشتركوا في أية عملية سياسية تحت رعاية الإخوان، لأنهم يعلمون أن مجرد المشاركة تعني نجاح الإخوان، المحافظ الناصري السابق لمحافظة الشرقية "عزازي عزازي" استقال من منصبه فور إعلان نجاح الرئيس مرسي، لم يطالبه أحد وقتها بالاستقالة، ولم يوجه له أحد أية اتهامات، لقد اتخذوا قرارًا مسبقًا بالامتناع عن المشاركة لإظهار الفريق الحاكم بمظهر الإقصائي والمستحوذ على السلطة، وإذا كان ثمة مشاركة من جانبهم فإن خطة الانسحاب المفاجئة تكون دومًا جاهزة لإحداث الفراغ القاتل، وهي خطة غير أخلاقية تمارسها القوى السياسية التي تتشدق بالديمقراطية والليبرالية، ولكن المؤمن "لا يلدغ من جحر مرتين".