يشير مصطلح رأس المال البشرى إلى المعارف والاتجاهات والمهارات التى يكتسبها الفرد، وتعد ذات قيمة نظراً لتأثيرها على الإنتاجية الاقتصادية له. ويشير أيضاً إلى القدرات الإنتاجية للأفراد، باعتبارها عوامل مدرة للدخل ونتاجا للاستثمارات السابقة فى المهارات البشرية. ويعد آدم سميث أول من تحدث عن هذه النظرية فى القرن الثامن عشر فى كتابه "ثروة الأمم". وقد وضع الاقتصادى الشهير "تيودور شولتز" الأسس الحديثة لهذه النظرية فى عام 1962 عندما نشر مقالته المشهورة "الاستثمار فى البشر". وفى عام 1964 نشر الاقتصادى الأمريكى "جارى بيكر" كتابه "رأس المال البشرى"، والذى أصبح منذ ذلك الوقت هو العمدة والمرجع الأساسى فى بحوث علم اقتصاديات التعليم. وقد حصل "جارى بيكر" بعد ذلك بعامين على جائزة نوبل فى الاقتصاد عن بحوثه فى نظرية رأس المال البشرى. وبعد أن كان التعليم ينظر إليه باعتباره استهلاكاً للأموال، أصبح ينظر إليه باعتباره استثمارا يدر عوائد مالية؛ حيث يسعى الأفراد إلى تعظيم دخولهم من خلال الاستثمار فى تعليم أنفسهم. ولا تقتصر العوائد الاقتصادية على الأفراد بل تشمل أيضاً الأمم؛ حيث تتمتع الدول التى يعيش فيها مواطنون أفضل تعليماً بمستوى أفضل من المعيشة. وتؤدى الاستثمارات الحكومية إلى تعزيز المساواة فى الدخول وتقليل معدلات الفقر وتقليص نسب البطالة. وتؤدى الاستثمارات فى التعليم والتدريب إلى توسيع الخيارات المتاحة أمام الفرد. وباختصار فإن زيادة عدد سنوات التعليم التى يحصل عليها الفرد تؤدى على زيادة دخله، وإلى تحسين إنتاجيته فى عمله. ومن ثم، فإن للتعليم عوائد فردية ومجتمعية. ويرى علماء اقتصاديات التعليم فى القرن الحادى والعشرين أن اكتساب المهارات العقلية، وليس عدد سنوات الدراسة هى العامل الأكثر تأثيراً على دخل الفرد، وعلى توزيع مكاسبه المالية، وعلى معدل النمو الاقتصادى. ويعنى ذلك أن للبعدين الكمى والكيفى للتعليم، أبرز الأثر على دخل الفرد المستقبلى وعلى الازدهار الاقتصادى للدولة. وقد أكد عدد كبير من الدراسات أن ما تنتجه الشركات اليوم ليس مهماً، ولكن المهم هو مقدار ما تمتلكه من معارف، وكيفية تطبيقها لهذه المعارف. ويرى علماء الاقتصاد أن رأس المال البشرى يشمل الإنفاق المباشر على التعليم والصحة، والإنفاق غير المباشر مثل الدخل المفقود الناجم عن فرصة العمل الضائعة أثناء الدراسة والتدريب وتوظيف وقت الفراغ فى تحسين المهارات والمعارف. ويتميز التعليم بوجود عوائد غير مباشرة له؛ حيث يساهم التعليم فى تحسين الصحة البدنية والاتزان الانفعالى للأفراد. كما يمد التعليم الأفراد بالمعارف والمهارات اللازمة لأدائهم لوظائفهم، ويعدهم لكى يكونوا أفراداً أكثر إنتاجية فى المجتمع. ويمثل التعليم الأداة التى يكتسب بواسطتها الأفراد المهارات والقدرات العقلية اللازمة لنجاحهم فى أداء وظائفهم فى المستقبل. وبالإضافة إلى اكتساب المهارات العقلية والوظيفية، يزيد التعليم من جودة كفايات الأفراد ومهاراتهم الاجتماعية. وتؤكد الدراسات أنه كلما ارتفع المستوى التعليمى للأفراد، كلما زاد وعيهم الصحى وتحسنت سلوكياتهم الصحية. ويؤدى ارتفاع المستوى التعليمى إلى زيادة دخل الفرد، ومن ثم إلى تحسن مستوى المعيشة والظروف الوظيفية والنظام الغذائى والقدرة على تمويل العلاج ونفقات زيارة الأطباء ودفع تكاليف الدواء. وساهم التعليم فى تعزيز مثل الحرية والديمقراطية والمساواة. ويحسن التعليم من قدرة الأفراد على اتخاذ القرارات الصائبة، ومن قدرتهم على التفكير الإبداعى والتفكير المنطقى. ويؤدى ذلك التحسن فى قدرات الأفراد إلى توظيفهم لمهاراتهم وقدراتهم العقلية فى تحسين بيئتهم بصورة مستمرة. ومن خلال تنمية قدرة الأفراد على التعلم وعلى التكيف مع البيئة المتغيرة دوماً، يساعد التعليم الأفراد على التكيف مع التكنولوجيا سريعة التطور. وليس هذا فحسب، بل يساعد التعليم أيضاً فى زيادة معدلات مشاركة الفرد فى الأعمال التطوعية التى تخدم المجتمع. وعلى الرغم من أهمية العوائد الفكرية والسياسية للتعليم، إلا أن العوائد الاقتصادية له تعد هى بؤرة نظرية رأس المال البشرى. وقد أشار معهد بحوث التعليم العالى فى جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس فى إحدى دراساته المنشورة فى عام 2010، إلى أن السبب الرئيسى وراء التحاق الطلاب بالتعليم العالى هو عوائده الاقتصادية. ويرى "شولتز" أن اكتساب المعارف والمهارات يحول العمال إلى أصحاب رأس مال، ويجعل لهم قيمة اقتصادية. ويؤكد أن الاستثمار فى هذه المعارف والقدرات والمهارات هو العامل الأبرز وراء التفوق الإنتاجى والنجاح الاقتصادى للدول المتقدمة صناعياً وعلمياً. ونظراً لتحول الاقتصاد الأمريكى من اقتصاد يعتمد على الصناعة إلى اقتصاد يعتمد على المعارف، تزايدت أهمية التعليم العالى وتعاظم دوره فى تحقيق التنمية الاقتصادية. وتشير إحصاءات الهيئة القومية للتعداد السكانى إلى أنه من بين 200 مليون مواطن فى سن ال 25 فأكثر يوجد هناك 62.4 مليون فرد، و18.2 مليون فرد، و38.7 مليون فرد، و15.2 مليون فرد، و2.7 مليون فرد حاصلين على شهادة إتمام الثانوية العامة، ومؤهلات فوق متوسطة، ودرجة البكالوريوس، ودرجة الماجستير، ودرجة الدكتوراه على الترتيب فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى عام 2010. وتعنى تلك الإحصاءات أن نسبة الحاصلين على تعليم فوق متوسط أو أعلى تصل إلى 39%، فى حين أن 31% هم من الحاصلين على تعليم ثانوى من إجمالى الشباب فى سن ال 25 فأكثر. ترى متى يساهم نظامنا التعليمى فى إعداد التلاميذ لسوق العمل؟ ومتى يمد نظامنا التعليمى أبناءنا بالمهارات اللازمة لرفع دخولهم ورواتبهم؟ ترى هل نعيش لنرى ذلك اليوم الذى يحصل فيه 70% من الشباب على تعليم ثانوى على الأقل؟ ومتى تعمل مدارسنا على منح الفقراء والمهمشين فرصاً حقيقية للحراك الاجتماعى والاقتصادى تمكنهم من تحسين مكانتهم الاقتصادية / الاجتماعية؟ ترى هل نستيقظ من غفوتنا وندرك أن التعليم هو أهم مفاتيح النهضة الاقتصادية؟