دعاني موقع إسلام أون لاين إلي ندوة لمناقشة كتاب أزمة الإخوان المسلمين الذي صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية منذ عام وحرره الصديق عمرو الشوبكي وشاركت فيه ببحث حول علاقة الإخوان المسلمين بالجماعات الإسلامية الأخري ، وشارك في الكتاب عدد من الباحثين المهتمين بالموضوع وهو ما أعطي الكتاب قيمة وأهمية ، ودارت المناقشات حول الأوراق ا لتي تم تقديمها ، وفرضيتي الرئيسية في الورقة تقول إن الإخوان لديهم إدراك ذاتي بأنهم الأصل المنافح عن الإسلام وأن من لم يلتحق بهم من الإسلاميين فكأنه سلك طريق الآبقين ، كما أن من التحق بالإخوان وحاول أن يطرح أفكارا مختلفة عن الخط العام للجماعة من الداخل فإن التنظيم لم يسعه ولم تعبأ الجماعة بأن يتسع تنظيمها لجدالات المخالفين الذين غادروها دون أن تطرف للقائمين عليها عين أو يخفق لهم قلب ، لدينا منذ وقت مبكر أسماء كبيرة شاركت حسن البنا في التأسيس وغادرت الجماعة مثل أحمد السكري وإبراهيم حسن ،وفي ا لأزمات الكبري حين تولي الهضيبي مرشدا عاما اختلف معه أسماء كبيرة في الجماعة مثل صالح عشماوي ومحمد الغزالي والباقوري ومحمد خميس حميدة وعبد القادرة عودة وعبد الرحمن السندي وفصل كثير من هؤلاء ، وفي علاقة الجماعة بالإسلاميين الآخرين فإن فرضيتي تقول إن الجماعة تعاملت مع الجماعات الإسلامية الأخري باستغناء جعلها توظف بعضها لأغراض الجماعة مثل الشبان المسلمين وترفض التعاون مع بعضها الآخر مثل مصر الفتاة التي كان يقودها أحمد حسين ، وفي مرحلة السبعينيات فإن أتباع سيد قطب من تنظيم 65 ظلوا يعملون بعد الإفراج عن الإخوان كجزء من الجماعة وحين ذهبوا إلي المسئولين في الجماعة ليسألوا عن وضعهم قيل لهم إنهم مفصولون ، وفي تقديري إن جيل الوسط الذي دخل عليه الإخوان في السبعينيات تم توظيفه لأغراض الجماعة وتقوية تنظيمها دون أن نري اليوم أين هو ذلك الجيل داخل الجماعة وماهي بصماته التي طبعها عليها ؟ ، وكان بالإمكان أن يكون هذا الجيل لو ترك ليقرر مصيره وتوجهه بشكل مستقل بعيدا عن تنظيم الإخوان لمثل إضافة كبيرة لمعادلة الحركة الوطنية المصرية ولربما كان استوعب التوجهات والحركات ذات الطابع الجهادي والتي لم تشأ أن تنضوي تحت تنظيم الإخوان وقتها باعتباره لا يلبي أشواقها لخطوات أوسع نحو التغيير . وحين اختلف مؤسسو حزب الوسط مع الإخوان فإنهم تعاملوا معهم كما تعاملوا مع القطبيين رغم الاختلاف بين الموقفين فالجماعة قالت إن خلافها مع القطبيين عقدي وأنها خشيت من أفكار التكفير والجاهلية وغيرها بينما مع مؤسسي حزب الوسط فإن الخلاف لم يكن عقديا وإنما كان سياسيا واتبعت الجماعة نفس الأسلوب مع مجموعة الوسط وهو ما يعني سطوة التنظيم علي أعضائه وقدرته علي حسم أية بوادر لخلافات قد تهدد وحدة ذلك التنظيم نحن أمام تنظيم قوي ذات طبيعة صلبة لا تتحمل الخلاف ، وهذه الروح جعلت الفكرة داخل الجماعة ترحل أو تذوي ورغم أن هناك جسد فضفاض كبير يعبر عنه عموم المنتمين للإخوان وأن هذا الجسد يتمتع بتجاور أفكار متعددة ومتباينه بيد إنها لا تسمح ببناء تيار داخلها ، ومن ثم فمن يتحدث عن تيار إصلاحي داخل الإخوان ليس مصيبا هي أفكار لأفراد لم يسمح لهم التنظيم أن يبنوا تيارا ، والتيار بحاجة إلي نقاش وأفكار ومرونة ومفكرين وهي غير موجودة في الحالة الإخوانية فكل من يشب عن الطوق ويحاول الانتقاد والمناقشة ومحاولة طرح الجديد يلفظه التنظيم غير مأسوف عليه . في الواقع هذه ليست أزمة الإخوان المسلمين وحدهم ، ولكنها أزمة التنظيمات الإسلامية جميعا فقد كانت الجماعة الإسلامية المصرية لديها هذه الروح تجاه مخالفيها حتي من التنظيمات ذات الطابع الجهادي التي تشترك معها في نفس الرؤية ، لأن الروح العميقة والنافذة التي يبثها التنظيم داخل أبنائه هي أنهم وحدهم الذين يملكون الطريق الصحيح للدفاع عن الإسلام ، فنحن وحدنا الذين يمكن أن يتعرض الإسلام للخطر بدوننا . المشكل أن العقل التنظيمي يذهب لتكوينات ثقافية واجتماعية ومؤسسات ذات طبيعة مختلفة بعيدة عن النتظيم والجماعة فيغرس فيها نفس الروح المقاطعة وتتحول البني الثقافية والاجتماعية إلي ملحق للتنظيمات الكبيرة خارجها فتؤسس لتهميش طاقات كبيرة ومهمة لإثراء المشروع الإسلامي . وهنا أقترح أن تكون هناك تيارات ثقافية وفكرية ذات طابع واسع ومرن تتسع لكل الطاقات الفكرية والثقافية بلا تهميش أو إقصاء بما في ذلك غير المسلمين ممن يؤمنون بالمشروع الحضاري الإسلامي للنقاش حول التحديات الجديدة التي تواجه المشروع الإسلامي الذي لا يحتكره الإخوان وحدهم وإنما هو تحدي يواجه الإسلاميين جميعا النقاش جعلني أسمع أفكار جديدة وأسئلة جديدة وهو ما يعني أن يقف أصحاب المشروع الإسلامي ليفكروا من جديد كيف سيجيبون علي هذه الأسئلة من داخل تكوينات ثقافية وفكرية تبني تيارات يمكن أن تكون قاعدة لفعل حركي ذات طابع اجتماعي وسياسي حين تستدعي اللحظة ذلك الفعل بعد إنضاح الأفكار والرؤي والتصورات.