عندما تؤسس فكرة أو حركة أو جماعة أو حزب على حُلُم ما، فإن قوة المؤسسة وفاعليتها تنبع من خمسة عناصر وهى وضوح الحُلُم، وواقعيته، وحضوره الدائم، والقدرة على تحقيقه، والعلم .. والحُلُم هو الطموح، والرؤية، والهدف يقول الشيخ سلمان العودة: " إن الحُلم هو الطموحات والأمنيات والتطلعات المستقبلية التي تخطر في بال الإنسان،والحُلم مرحلة تكون بعد الطُّموح، فالإنسان الطَّموح عادة ما تكون أحلامه كبيرة، وكما كان المتنبي يقول: وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارًا تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ فالإنسان الذي لديه أحلام تجده يتعب بدنه وعقله وجهده في سبيل الوصول إلى هذه الأحلام، و إن جمال الحياة يكون في انتظار الأحلام، وكما يقول جبران خليل جبران: "إن مجرد انتظار الفردوس هو نفسه دخول إلى الفردوس"، و هذا يشير إلى أن انتظار الإنسان للأشياء الجميلة أحيانًا قد يكون أحلى وأحسن من تحقيقها في بعض الحالات ، كما أن أحد الأمريكان المشهورين السود وهو "مارتن لوثركنج" كان مشهورًا عنه كلمة "أنا لدي حلم" "I have dream". نعود إلى حديثنا وهو جماعة الإخوان المسلمين هل تفقد الحُلُم ؟ وهو سؤال لابد من توجيهه إلى ثلاثة أطراف، أولهم هم أصحاب الشأن أنفسهم، وذلك حتى يتم الوقوف عند خط سير المؤسسة في اتجاه حلمها وهدفها وقوفا صلباً يستدعى المراجعة والتقييم والتقويم، ثم المقربين من الإخوان عملاً وقولاً حتى يكون هناك وضوح للرؤية عند الآخر، ويساعدنا في إيقاظ الحُلُم المخدر والضائع، وأخيراً إلى الباحثين ليدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، فهم مرآة للمجتمع، كما إنهم الطرف الذي يمثل الدور الرقابي الأكاديمي على المؤسسات والمنظمات و الدول. لقد بني الإمام البنا رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين على حلم واضح المعالم، والوسائل، والمرامي، والمعاني، والطريق، والمواصفات، والخصائص و راجعوا في ذلك رسالة المؤتمر الخامس والتي يتحدث فيها البنا عن الجماعة ومراحلها ومواقفها بكل جلاء ووضوح . والسؤال الواجب هنا هل يتضح الآن الحلم في أذهاننا، أم إن الوسائل والمواصفات و الأهداف المرحلية هي التي تتلى على الإخوان، ويتم استحضارها دائما، وهل هناك مبشرات بهذا الحُلُم أم هو مفقود وغائب عنا، واسمعوا لكلام البنا رحمة أخرى وهو يقول " نحن ندعو الناس إلي (مبدأ) .. مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعاً ، هم جميعاً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم وإسعادهم وراحتهم ... مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود وأهليته لإصلاح الوجود . " ويقول" إني أقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته ، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم ، وقد تمهلون فيخطئ هذا الحساب ، وتختلف النتائج المترتبة عليه " ونقرأ في تصريحات أخيرة لبعض قيادات الإخوان آثارا خطيرة، وواضحة ودليلا بينا على ضياع الحلم وفقدانه من بين صفوف وعقول الإخوان، وفى الوقت الذي يفتخر به البعض في بيانه وتصريحاته، أراها طامة ومؤشرا خطيرا على ذلك . في مقال الأخ الدكتور عصام العريان عن أسباب عدم الانشقاق عن الجماعة، أوضح سببين من بين أربعة أسباب هما التجارب التاريخية، وعدم الوقوع في خداع النظام فيقول: "هذا العناد والإصرار على المضي قدماً في ديكتاتورية قاسية تجعل الأولوية الأولى هي للبقاء داخل الصف الإخوان وعدم المغامرة بالخروج على أمل الحصول على رخصة قانونية لن تتحقق" فإذا كان الدكتور عصام يتحدث عن ذلك فهو مؤشر خطير على فقدان الحلم، و تحقيق الهدف عند البعض، وتحول البوصلة لدى الأفراد من عنصر مجاهد داخل الجماعة، إلى عنصر خامل لا يريد البقاء إلا بسب عنصر عدم وجود البديل، وهذا أكثر ما يتحدث عنه الأفراد، وأن الوجود بالجماعة خير من الوجود خارجها، ويقول البعض أن الجماعة لها فضل علينا فكيف نتركها؟، وفى وسط كل هذه التصريحات و حديث د عصام وغيره على أن الإخلاص والوفاء هما سبب عدم الانشقاق، ولم يوضح أي من الأخوة الأفاضل بالجماعة أن سبب البقاء هو التمسك بتحقيق الهدف والرؤية والحُلُم الذي اجتمعنا عليه، وبنيت الجماعة من أجله، حتى حديث الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن دور الجماعة في منع الشباب من الانحراف، وأن يذهب الشباب مع الجماعة خيرٌٌ لهم من جماعة- البانجو – أو التطرف، فإن ذلك عامل آخر يدل على غياب الحلم، وضياع الرؤية، وفقدان البوصلة الحقيقية، وإلا لو كان الهدف النهائي من الجماعة هو ذلك، فما الداعي إلى أن تدخل الجماعة في صدام مع الحكومات والأنظمة والحكام . كما أن التكلفة التي يدفعها أعضاء الجماعة لابد أن يقابلها غاية وهدف يزيد عن الكلفة التي يتحملها أعضاءها، فإن قال أحدهم أن الجنة هي الجزاء على العمل، نقول: أننا أمرنا بإحسان العمل، والغاية، والهدف، وأن الله لا يضيع أجر إحسان العمل وليس العمل وفقط، وأن هناك أعمالا وجمعيات وجماعات لها طريق يؤدى إلى الجنة دون تحمل كل هذه التكلفة. لقد بني الإمام البنا الجماعة على أساس وحلُم معين يتم مقابلها تحمل كل هذه التكلفة، ولكننا تركنا الحلم وتمسكنا بالتكلفة، فإذا كانت النية معقودة على الاستمرار بدون حلٌم، فإن البقاء في الجماعة على هذا الشكل لا يضمن فاعلية ولا اجتهاد، وإنما يصبح هو بقاء للصورة الاجتماعية كزوجين يبقيان على زواجهما من أجل الأولاد . أخيرا أيها الإخوان : لا تفقدوا البوصلة، ولا تضيعوا الحُلُم فتضيعوا، ويتجاوزكم الزمن، وتصبحوا بعد ذلك عاملاً معوقا لا عاملاً للبناء، فإننا نربأ بكم عن هذا، أفيقوا وتعلموا من تجاربكم وأزماتكم، وليكن أمامكم قول الله تعالى " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" . باحث في الفقه السياسي [email protected]