لم أبالغ يومًا حين قلت وكررت وأكرر، أن الإدارة هي كل «أسباب» الحل، بعد الإسلام هو الحل. لا تخلو مؤسسة في الدنيا من قدرٍ ولو ضئيل من عوار أيًا كان نوعه، ولكن وفي المقابل فإن المؤسسات الراقية تحاصر عبر أدوات الإدارة العلمية ذلك العوار حتى لو تمثل في فساد أخلاقي، نعم تحاصره حتى ولو لم توفق في تقويمه أو معرفة صاحبه، بحيث يبقى في أقصى الأحوال في نفس صاحبه ولا يستطيع ترجمته إلى أفعال، لأن الأداة الإدارية المبدعة ستكشفه. في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر السياسي بل والمجتمعي إجمالًا، وفي ظل أجواء الحالة المصرية المشهودة، يستلزم القائم على شئون مصر، أن يكون مديرًا بحق، ولكونه مديرًا بحق وحقيق فهو سياسي كذلك، ولكونه مديرًا بحق وسياسي أيضًا، فهو رشيد كذلك يعي ما يحيطه بشموله ويدرك توازنات علاجه ويملك ناصية التعاطي معه إجمالًا وبدقائقه. انطلاقًا من هذه المقدمة، فليس لذلك المدير الحقيقي، للدولة المصرية التي لم تتأسس بعد في هذه الآونة، بل وحتى بعد أن تتأسس كما ينبغي لها أن تكون، أقول ليس لهذا المدير الذي أقصده، في تعاطيه مع أي مسؤول فاسد، إلا واحدة من اثنتين، إما أن يضبطه بفساده لا بشكوك أو هواجس ولا حتى بظن يقيني، ولكن بدليل «لا فكاك منه»، فإن لم يوفق فعليه بالثانية، وهي أن يحاصره بالمؤسسية وبمعايير أدائها، التي ترهبه فلا يمارس فساده، ثم من مميزات الديمقراطية أنها تُولد مجتمع الشفافية، ومن ثم فالكشافات جاهزة دومًا لتسليط الضوء على أي منحرف أيًا كان نوع انحرافه. الخلاصة هي كيف تصوغ قانونًا في هذه المرحلة «البايخة»، لإعادة هيكلة أي جهاز، محققًا لهدفك، معتمدًا في ذلك على توازنات، ومواجهًا للمترصدين ووضع ظهورهم إلى الحائط، يعني كيف تحقق غاياتك كلها عبر «السهل الممتنع»؟ * من الإدارة التي تبدأ بإدارة الفكر أولًا، ثم من السياسة كذلك، أن تطرح مثلًا لا حصرًا، على خبراء القانون من كافة التوجهات السياسية دون استثناءٍ، سؤالًا مفاده: ماذا يعنى صمت المشرِّع بعد أن قال، إن على أعضاء مجلسي الشعب والشورى، أن ينتخبوا أعضاء الجمعية التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور؟ ثم تضيف سؤالًا تكميليًا مفاده: هل لو كان المشرع يريد أن يقيد انتخاب هذه الجمعية التأسيسية بأي شكلٍ من الأشكال، ألم يكن عليه أن يذكر ذلك القيد؟ وبعد أن تتلقى الإجابات وتحاور المجيبين على الملأ، اطرح سؤالًا خاتمًا مفاده: كيف ينضبط القضاة في أي مكانٍ في العالم لا أقول على حكمٍ واحدٍ في قضية بعينها، لأن ذلك مستحيلٌ، ولكن كيف تنضبط الهيئات القضائية كلها في بلدٍ واحد، على فهمٍ واحدٍ، في قراءة النصوص التشريعية، ثم كيف نلزمهم بذلك؟ سامحك الله يا كتاتني على عدم استماعك لنصيحتنا وقتها، ومن ثم على رفضك الطعن على حكم الإدارية الأول بإبطال التأسيسية الأولى، بل وربما وقتها كان من حقك التظاهر ضد الثورة المضادة وسفرائها في مؤسساتنا وهيئاتنا المختلفة، وليس الجمعة الماضية. أما الأعجب حقًا، فهو عدم استماعك لنصيحتنا التالية بعد أن سلمنا بالواقع، حين رضخت لهذا الحكم العجيب، ثم الأعجب أنك لم ترع وإخوانك الحكم الذي رضختم له، وهو ما كان يستلزم منكم أن تشكلوا التأسيسية الثانية وفق النصيحة، عبر «السهل الممتنع»، فلم تفعلوا، وهو ما جعلنا نهرول إلى ما نحن فيه الآن، قبل اصطيادنا الثاني. * من يعترض من الأقلية العاجزة على مجلس الشورى بأن انتخابه تم عبر سبعة من المائة فقط من المدرجين فى جداول التصويت، كان عليه بعد أن خسر انتخابات البرلمان في غرفته الأولى، أن يحشد أنصاره في انتخابات الشورى، وهو ما لا يتوافر لهم، فهؤلاء لا يعبرون إلا عن أنفسهم وعن المخربين للوطن، وكأن الناس كانت تتوقع منهم ذلك الفلس الفكري والكره الوطني، فلم يحصلوا يومها ومعهم المستقلين ومعهم أحاد الفلول، إلا على أقل من 20% من ال «سبعة من المائة»، والتي يعترضون على ضآلتها اليوم!.. * في دواليب الدولة العميقة، بيانات من «وظفتهم أو لنقل جندتهم» في كافة الهيئات على تنوعها، وتسجيلات عليهم كذلك، لكن مشكلة ثورتنا أن «الرشيد» غاب عنها، كما انتفت قدرة القادة السياسيين على فهم «النصائح» وتعويض النقائص العلمية، ومع ذلك فقد سبق أن قلنا منذ أسبوعين، إن حسن عبد الرحمن عندكم، فإن كانت المعلومات غير موجودة حقًا في نطاق الداخلية وأن من فروا من كبار قادة أمن الدولة إلى الإمارات قد أخذوها، فاعقدوا معه اتفاق. لكن افهموا أولًا ماذا تريدون، وكيف تسلكون؟ وإياكم أن تكتفوا بعنوان النصيحة فقط، وتهرولوا لتنفيذها، فتفسدوا نتائجها المفترضة، لأنكم لم تؤدوا «الواجب» الابتدائي أولًا. أما ظني، فهو أن المعلومات متاحة بالفعل، ولكن المشكلة في الإدارة! [email protected]