لم يكن هذا الطفل يدري أو يدرك ساعتها أن هذا الألم والمرارة والشعور بالمهانة التي اعتصرت قلبه قد سبقت إلى قلب ابيه لتعتصره ألف مرة أن عجز عن إدخال السرور على قلب ولده الصغير... كل ما كان يدركه فقط ذلك الطفل الصغير دون الثامنة أنه كان منذ دقيقة واحدة فقط يقف في ابنتهاج مع والده أما باب البيت في تلك القرية المتواضعة التي لا تزال بعض آثار الطابع الريفي تميزها إذ برز ذلك الرجل الكبير جهوري الصوت وهو يودع أو يستقبل ولده الأكبر الذي صار طبيباً وبدأ يخطو خطواته الحثيثة نحو الشهرة والعالمية حتى أصبح مثار اهتمام وفخر العائلة كلها والذي ترك البلدة واستقر في منقطة راقية مع زوجته الدكتورة أيضاً وها هم قد أتوا أو انتهوا من زيارة والد الدكتور... وإذا بوالد الطفل الصغير يغمزه قائلاً: روح لعمك فلان جُلُّه بابا بيجولك هات التعبان اللعبة ده يشوفوا... وببراءة الأطفال وعدم إدراك ما بين الكبار من حسائك انطلق الطفل فرحان لأنه سوف يمسك بيديه تلك اللعبة العجيبة " نعبان بلاستيك"... واقترب في حياء وخوف ورهبة من هذا العمّ الجهوري الصوت ومن ولده الدكتور وزوجته الحسناء الأرستوقراط وهمس في خجل ورهبة: عم يا عم..بابا بيجول لك هات التعبان ده يشوفوا.. امشي يا ابن الكلب... عاد الصبي يصطنع الابتسامة ليواري بها كسفته وخجله وإحراجه الشديد.. ويلعن الفقر الذي أذل ناصيته.. وجعل بصره يسبقه ليندس في رمال الأرض الملقاة في الطريق فلا يدري هل كانت قدماه الضعيفتان الصغيرتان أسرع في الانغراس ام كان بصره...؟ رجع وقد أغناه صوت العم الجهوري عن إبلاغ أبيه برد العمّ.. ولم يكن هذا الطفل يدري أو يدرك ساعتها أن هذا الألم والمرارة والشعور بالمهانة التي اعتصرت قلبه قد سبقت إلى قلب ابيه لتعتصره ألف مرة أن عجز عن إدخال السرور على قلب ولده الصغير... *ابن الأزهر ومحبه الشيخ الشاعر كارم السيد حامد السروي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]