منذ بضعة أسابيع نشرت احدي الصحف خبرا مفاده اتهام بعض الممثلين بممارسة اللواط في احد الفنادق .. وفي الحال تحركت أجهزة الدولة للتعامل مع هذا الادعاء .. وخلال بضعة أسابيع والقضية لا تزال طازجة جمعت الشرطة تحرياتها وقدمت القضية للنيابة التي سارعت بالتحقيق ثم إحالتهم للمحكمة التي انعقدت في جلسات متتالية متقاربة لتصدر حكمها علي المتهمين بالإدانة .. وهكذا في أسابيع قليلة وقبل أن ينسي المجتمع القضية عرف الجميع أن هذه الدعوي المثارة لا دليل عليها وان مرتكبها مستحق للعقوبة المقررة لجريمة القذف والتشهير . أقول هذا بمناسبة حادثة نجع حمادي وما تلاها من تداعيات .. بداية لا يوجد من يقبل أن يطلق احدهم النار هكذا بطريقة عشوائية علي أناس أبرياء فيهم النساء والأطفال والشيوخ والشباب مهما كانت الأسباب التي دفعته لهذه الفعلة .. فلا يوجد دين ولا قانون ولا عرف ولا أخلاق يجيز مثل ذلك .. وكذلك لا يستطيع احد أن يبرر للفاعل فعلته مهما كان سبب ذلك إذ أن الإطلاق العشوائي للنار لا يبرره أي منطق .. ونحن إذ نناقش أسباب الحدث لا نقصد تبريرا وإنما نقصد تفسيرا لنبحث سويا عن حلول لقد رأينا كيف تعامل المجتمع بكل أجهزته مع قضية هؤلاء الفنانين وكيف وصل بها للنهاية الطبيعية لمثل هذه القضايا وبمنتهي السرعة لأنها قضية شغلت الرأي العام ولابد من الإجابة عن تساؤلاته ولكن تعامل تلك الأجهزة مع القضايا الطائفية له صورة آخري تحتاج للمراجعة وإعادة النظر. فمثلا قضية الشاب الذي صور الفتاة في ديروط في أوضاع مخلة .. وهي جريمة جنائية عادية ولكن تصادف أن مرتكبها نصراني مع مسلمة .. ترك الجاني ينشر الصور بين الناس حتى شاعت .. فر الجاني من العدالة واحتمي بالكنيسة .. بسطت الكنيسة حمايتها عليه ورفضت تسليمه لجهات التحقيق .. لم تجرؤ الأجهزة المختصة علي دخول الكنيسة لضبط المجرم الهارب رغم ما أثارته الحادثة من غضب لدي الرأي العام .. وحتى الآن لم يستطيعوا تطبيق القانون. وشاب آخر في فرشوط استدرج أو اختطف طفلة واغتصبها .. جريمة جنائية عادية تكررت في بلادنا عشرات المرات ولكن تصادف أن كان الجاني نصراني والطفلة مسلمة .. قبض عليه قبل أن يحتمي بالكنيسة كسابقه .. وإذا النيابة تمد في الحبس الاحتياطي وتتلكأ في إنهاء التحقيقات وتطيل من أمدها لعلها تنتظر هدوء الأحوال فقد يتوصل الأطراف إلي حل عرفي أو مصالحة بصورة ما .. بينما الجاني يراح به ويجاء إلي مقر النيابة في حراسة الشرطة وأمام أعين الناس التي تنتظر انتهاء التحقيق والذهاب إلي المحكمة التي لم تنعقد رغم مرور أكثر من شهرين علي الحادث. في مشكلة دير أبو فانا معركة بالسلاح وقتل وخطف وتعذيب في نزاع علي الاستيلاء علي ارض الدولة .. وهي تركيبة من الجرائم يعاقب القانون عليها بأشد العقوبات التي قد تصل إلي الإعدام .. ثم يتم إنهاء المشكلة بالإفراج عن المتهمين بعد جلسات تبويس اللحى وإهدار القانون والتحقيقات التي تمت وإعطاء ارض الدولة المتنازع عليها لبعض الأطراف دون ثمن ودون الإجراءات التي تتخذ في مثل هذه الظروف . المحكمة تصدر أحكاما بالطلاق وتلزم الكنيسة بتزويج المطلقين بحكم القانون وحكم المحكمة البات الذي حاز ما يسمونه قوة الأمر المقضي ولكن الكنيسة ترفض بتحد تنفيذ الأحكام ولا يتخذ أى إجراء لفرض حكم القضاء عليها . المحكمة تصدر حكما بإلزام مدرسة نصرانية بعدم منع التلميذة المحجبة من دخول المدرسة بسبب حجابها بعد أن حصلت التلميذة على حكم بات بذلك ولكن المدرسة ترفض تنفيذ الحكم ولا يتم إلزام المدرسة بتنفيذ ذلك . تسلم وفاء قسطنطين للكنيسة بسبب إسلامها وتختفي المرأة المسكينة خلف أسوار بعض أسوار الأديرة العالية . . ورغم ما أثير حول مصيرها وإصدار المحكمة قرارا ملزما بإحضارها إلى ساحة المحكمة لإزالة الشكوك حول مصيرها إلا أن أحدا لم يتحرك لتنفيذ القرار رغم انف القانون وحكم المحكمة. هذا وعشرات من مثل هذه القضايا لها صور مختلفة ولكن تتفق في شيئين رئيسيين . الأول: إن الكنيسة تمارس في بلدنا وصاية على المسيحيين ودولة داخل الدولة لها قوانينها وسلطتها تنفذ ما تراه من قوانين وترفض ما تراه منها وتبسط حمايتها على المسيحيين حتى ولو ارتكبوا جرائم هي في نظر القانون موضع مساءلة وهذا التصرف يضفى جوا من العزلة على الأقلية النصرانية ويستثير الأغلبية المسلمة ضدهم خاصة عندما تضطر الدولة تحت أى ظروف للتلكؤ في تنفيذ القوانين حتى تهدأ الأجواء أو في عدم التنفيذ بالكلية مما يسقط هيبة الدولة ويشجع الأفراد عن البحث عن حلول أخري خارج القانون. الثاني فهو أن الدولة عادة ما تسعي للحل العرفي للمشكلة بالضغط علي أحد الطرفين أو عليهما للتسامح في حقه والصلح وهكذا تتحول القضية لمجموعة من الخطب والمعانقة وتبويس اللحى والاكتفاء بذلك عن تطبيق القانون فينصرف كلا الطرفين وهو يشعر أنه مظلوم وأن حقه ضائع وكثيراً ما يدفعه ذلك لمحاولة استرداد حقه بنفسه وبعيداً عن القانون الذي تجاهل معاقبة الجاني من وجهة نظره ويكون أثر ذلك علي الرأي العام أن تتولد في نفوس الناس استهانة بالقانون والنظام والدولة والشعور بعدم قدرة الدولة علي ضبط الأمور وفرض تنفيذ القانون علي الجميع. إن المشكلة الأساسية في المسالة الطائفية هي أنه ينبغي أن يشعر الجميع أنه خاضع للقانون – أي قانون – سواء رضي أم سخط.. وأن هذا القانون سيطبق علي الجميع بغض النظر عن مكانه ومكانته ودينه وجنسيته.. هنا سيفكر ألف مرة كل من حدثته نفسه بتجاوز القانون قبل أن يفعل.. أما أن تحل تلك المشاكل بجلسات عرفية أو عن طريق عامل الزمان والنسيان.. أو أن تحكم المحكمة فلا يتم تنفيذ الحكم أو حتي يسمح بالاعتراض بغير الطرق القانونية والهجوم علي الحكم في الإعلام واتهام القضاة والدولة فإن هذا هو السبب الحقيقي لكل ما يحدث من جرائم أكثرها جنائي سرعان ما يتحول لجرائم طائفية في ظل المناخ السائد. حفظ الله مصر من الفتنة وأسباب الفتنة والشقاق ونشر في ربوعها السلام والأمن.