يبدو أن بعض الأصدقاء انزعجوا مما كتبته أمس، وظهر من رسائلهم الطيبة واتصالاتهم أنهم ربما توقعوا أن تندفع "المصريون" فى حملة صحفية ضد الإخوان أو الحكومة، وهو أمر لا يرد على خاطرى بالمرة، فخبرة ثلاثين عامًا تقريبًا فى هذه المهنة كانت كافية لتعليمى أن "شخصنة" أى قضية هى أسهل طريق لخسارتها، وأن الموضوعية فى تناول أى قضية هى مطلب تقتضيه المهنية وتقتضيه الأخلاق أيضًا، وأما الاندفاع وراء حظوظ النفس أو غضب الإنسان لنفسه، فهو مضر برسالته، إن كان له رسالة، كما أنه يحرمه من "نعمة" المصداقية التى تجعل لعمله سبيلاً إلى القلوب والعقول، ومن ثمّ، فما كتبته بالأمس عن "الغارة الإخوانية"، كان القصد منه تنبيه من حركها أن مثل هذه السلوكيات لا يمكن أن تدفعنا للامتناع عن نشر أى تساؤلات مشروعة فى أى ملف يهم الرأى العام أو يتعلق بالمال العام، دون أن يعنى ذلك اتهامنا لأحد، فقد تكون هناك أخطاء عفوية وقد تكون هناك خطايا كارثية، وهذا متروك لتقدير القارئ بدون وصاية عليه، وكذلك متروك لجهات التحقيق والمؤسسات الرقابية، ودورنا كصحيفة ينتهى بعد النشر ونشر توضيح الآخرين إن رغبوا فى ذلك، فنحن لسنا جهة توجيه اتهام، ولا يحق لنا ذلك، ولكننا جهة مؤتمنة من بعض الغيورين على الوطن، فى مختلف مواقع الدولة ومؤسساتها، على نشر المعلومات والحقائق عن عقود تحصلت عليها شركات حديثة التكوين منحها القرار الرسمى "بالأمر المباشر" ميزة خطيرة عن غيرها من المنافسين بدون أى مبرر ظاهر، فمثل هذه الواقعة لا بد من عرض تفاصيلها والمطالبة بالتحقيق النزيه فيها، وكذلك عندما تكون لديك تقارير رقابية موثقة من هيئات رفيعة تتحدث عن إهدار المال العام فى تسوية صفقات عالقة مع بعض الشركات التى ليست فوق مستوى الشبهات، مما أضاع على الخزينة العامة عشرات المليارات، فإن من الأمانة والمسؤولية وحق الوطن والرأى العام كله أن تعرض تلك الوقائع بكل حيادية، دون أن يعنى ذلك أننا نتخذ موقفًا من هذا الحزب أو ذاك، ودون أن يمنعنا ذلك من الدفاع عن حزب الحرية والعدالة مثلاً أو الرئيس مرسى إذا وجدنا أنه قدم عملاً إيجابيًا أو تعرض لظلم فادح أو تعرض لتجاوز لا يليق بمقام الرئيس، وخلال ثمانى سنوات من عمل صحيفة "المصريون"، الإلكترونية والمطبوعة، كثيرًا ما انتقدنا الإخوان وهاجمناهم بقسوة، ثم بعد ذلك دافعنا عنهم بأكثر مما دافعوا هم عن أنفسهم، رغم أن الدفاع عنهم وقتها كان مخاطرة ومغرمًا حقيقيًا، ثم انتقدنا ثم ناصرناهم، بوصلتنا ضميرنا، ومصلحة هذا الوطن. ما كتبته أمس أردت أن أنبه به إلى أن "الآفة" التى تشوه الحركات الإسلامية، وخاصة سلوك الإخوان وعصبيتهم الشديدة وضيق صدرهم من الخلاف الجاد، ما زالت حاضرة وبقوة، ولكنها اليوم أكثر خطورة، لأنهم يمتلكون السلطة وبعضًا من أدواتها، والحمد لله أنهم لم يهيمنوا بعد على بقيتها، قبل أن تتشكل دولة المؤسسات الحقيقية، التى تحمى الجميع من الجميع، وتحمى المواطن من تغول السلطة ووحشيتها، وأذكر أنى حكيت فى هذا المكان الواقعة التى حدثت قبل الثورة عندما نشر الموقع الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين مقالات تهاجمنى أنا وأخى محمود سلطان، بسبب نقدنا القوى لبعض مواقف الجماعة، وحاولوا تشويهنا بأى سبيل، واتهمونا فى مقالاتهم على موقعهم الرسمى "إخوان أون لاين" بأننا عملاء للصهاينة والأمريكان، قسموها بيننا، فجعلونى أنا عميل الموساد، ومحمود عميل السى آى إيه، وقد تحدثت مع الدكتور محمد مرسى وقتها عندما دعونا فى مكتب الإرشاد بالمنيل، وبدا الرجل منزعجًا جدًا مما سمع واعتذر عنه، وأذكر أننى قلت له وقتها - وكان مشرفًا على النشاط الإعلامى فى مكتب الإرشاد- : يا دكتور مرسى هذه الاتهامات البشعة تأتى الآن كشتائم لأنه ليس بيدكم سلطة وأدواتها، فإذا كانت لكم سلطة فسوف تتحول تلك الشتائم إلى ملفات واعتقالات ومحاكمات استثنائية، تنتهى بنا إلى السجون بتهمة الخيانة العظمى،.. وها هى الوقائع الجديدة تعيد إنتاج تلك المخاوف، وتضعها أمام واقع حقيقى وتحدٍ أخلاقى خطير.