الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمفرده لذلك فهو في حاجة إلى الآخرين والآخرين في حاجة إليه. من هنا برز مفهوم العقد الاجتماعي الذي أول من قدمه وتحدث عنه أفلاطون وأرسطو, إلا أنه تحول إلي نظرية اجتماعية سياسية على يد توماس هوبز وجان جاك روسو, وكانت إسهاماتهم الوقود الذي أشعل شرارة الثورة الفرنسية. وهذه النظرية في أبسط صورها ودون أي فلسفة تعني أن يتنازل أفراد المجتمع عن جزء من حقوقهم وحرياتهم في مقابل التمتع بمميزات المجتمع السياسي ( الدولة ) من دفاع وأمن وتعليم ورعاية صحية وفرص عمل.. بمعني آخر في مقابل الحصول على العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. هذه الفكرة تأتي عادة حين يصل مجتمع ما إلى حالة من التدهور في سياساته ومؤسساته, مما ينعكس سلبًا على نوعية حياة الجماهير العريضة. ومن ثم تبدو الحاجة ماسة، حتى لا يحدث انقلاب غير محسوب على الأوضاع السائدة. أتصور أننا في حاجة ماسة وسريعة إلى نوعين من العقود الاجتماعية. الأول عقد اجتماعي رسمي طرفاه الحكومة من ناحية والمواطنين من ناحية أخرى وهذا العقد يفترض فيه نظريًا أن يقوم بتصحيح العلاقات السياسية والاجتماعية التي كانت مختلة في السابق بين الحاكم والمحكومين؛ والثاني عقد غير رسمي بين المواطنين بعضهم ببعض من شأنه تصحح العلاقات الاجتماعية والأخلاقية على أن يلتزم كل طرف بما له وما عليه من حقوق وواجبات. وهنا يأتي دور الإعلام والمدارس والجامعات ومنظمات المجتمع المدني لإبراز قيمة هذا العقد ويكونوا بمثابة الأرض الخصبة التي يُنثر ويُزرع فيها هذا العقد. فحين آخى محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين المهاجرين والأنصار وعقد صلحًا بين الأوس والخزرج ألم يكن هذا عقدًا اجتماعيًا !. إن الرئاسة والحكومة والحزب صاحب الأغلبية عليهم إقناع المواطنين بتفاصيل عقدهم الاجتماعي الجديد, حتى ينجح في زراعة الأمل في النفوس ثم التحرك إلى مرحلة التنفيذ، وحينها سيلتقط المواطن الأمل والحبل الممدود له كي يناَله وافر الحظ منه ويناوله للآخرين وهكذا تبعًا وحينها سنجد أنفسنا جميعًا يربطنا حبل نسيجه المواطنة وحلقاته العمل وأطرافه الحكومة والمواطنين, لتتحرك وتندفع مكنونات الشخصية المصرية بعبقريتها, كل في مجاله بحيث يتعاظم الإنجاز وتكون المحصلة دفعات مذهلة إلى الأمام. فحين تتابع الحياة الاجتماعية للمصريين في عصور سابقة ستجد أنك أمام مجتمع يكاد يكون منصهرًا في بوتقة واحدة فأفراحهم وأطراحهم وطموحاتهم واحدة، لذلك قدموا للبشرية ما يستحقون عليه الاحترام. والآن حينما تتصفح جريدة أو تشاهد برامج التلفزيون أو تسير في الشارع ستجد أنك أمام مجتمع معظم أفراده تشبعوا بالأنانية وتعظيم حب الذات. مفرداتهم اليومية اللامبالاة لدرجة أنك أصبحت لا تعرف أهم جناة أم مجني عليهم ؟ في ضوء ما وصلنا إليه من تردٍ وتشوه الوجه الحضاري لمجتمع يمتلك كل مقومات الحياة والإنجاز والرقي الإنساني، من هذا المنطلق سواء المستنقع القبيح الذي انحدرنا إليها وفي مقابل ما نملكه من آليات ورصيد إنساني وحضاري ضخم يمكننا الخروج من هذا المنحدر الأخلاقي. إذن وبحق يجب علينا أن نجتمع حول مائدة واحدة يضيئها مصباح واحد أيدينا متشابكة وكأسنا واحد وقلمنا واحد نتعاهد أمام الله وأمام أنفسنا أن يُخلص كُل منا في عمله فالفلاح في حقله والطبيب في مشفاه والجندي في ميدانه والمهندس في بنائه والغفير في حراسته والمهني في إصلاحه والمعلم في مدرسته والعالم في معمله ... ننشر ثقافة الابتسامة والاعتذار والتسامح ونؤمن بأن علينا واجبات ولنا حقوق. فلنكتب عقدًا جديدًا نرعاه بأنفسنا نعيد به زراعة الأمل الذي تم قتله في النفوس طيلة ال30 عامًا الماضية, وحينها سنجني ثمارًا حباتها المَن والسّلوى.