رغم أن الرجل موظف دولي منوط به نزع السلاح النووي في العالم، ألا أنه لم يشأ أن يتركه منصبه الدولي المرموق قبل أن يلقي قنبلة في وجه النظام المصري !!. لم يكتف البرادعي بما حققه من مجد لشخصه و لبلده بالحصول علي جائزة نوبل للسلام و لكنه دخل عش الدبابير باعلان حرصه علي تقدم وحرية بلاده و أنه لا يستبعد الترشح لمنصب الرئاسة المصرية بشرط أن يقدم النظام المصري الضمانات الكافية لنزاهة و شفافية الانتخابات بعد أن صارت الانتخابات الرئاسية المصرية تمثل علامة استفهام كبيرة علي حد قوله. دعا البرادعي الرئيس مبارك الي تعديل الدستور بواسطة لجنة منتخبة لضمان المساواة الكاملة بين المصريين في حق الترشح للمنصب الرئاسي، كما أعلن أنه لن يترشح الي منصب الرئاسة المصرية الا مستقلا عن جميع الأحزاب باعتبار أنه لا يقر المنظومة الحزبية الصورية الحالية و التي لا تضم الا أقل من 5 % فقط من شعب مصر. قنبلة البرادعي ألقت الرعب في النظام المصري، فالبرادعي مدير (سابق) لوكالة الطاقة النووية التابع للأمم المتحدة و حاصل علي جائزة نوبل للسلام وهو في منتصف الستينات من عمره و رجل قانون و ابن لنقيب المحامين الأسبق الأستاذ مصطفي البرادعي، و توجهه لخدمة وطنه لا يمكن أن يكون محل مزايدة، و البرادعي يقيم بالنمسا التي شهدت رئاسة كورت فالد هايم بعد أن أنهي فترة رئاسته للأمم المتحدة كسكرتير عام لها، و مع أن البرادعي لم يأت بجديد في المسألة المصرية، بل انه يدعو لما يدعو اليه رجالات مصر جميعا من تعديل الدستور و شفافية الانتخابات و اطلاق الحريات العامة، الا أن وضعه الدولي المتميز قد أثار الرعب في النظام المصري. ربما كان مبعث قوة كلماته هو الهدوء و الاتزان و المصداقية و الرغبة في الصالح العام، فالرجل ليس عنده رعونة أيمن نور و لا ثورية مجدي حسين و لا راديكالية عبد الحليم قنديل و ليس في يده ميكرفون محمد عبد القدوس (مع تقديري و احترامي لجميع الأسماء المذكورة). انطلق كتاب النظام يهاجمون البرادعي، فمن قائل انه علماني سوف يلغي المادة الثانية من الدستور و ذلك لكي يحرض ضده أصوات الاسلاميين، و كأن هؤلاء الكتاب يعلمون أن جمال مبارك سوف يقوم بتفعيل المادة الثانية من الدستور فيطبق الشريعة الاسلامية !! أو كأنهم لا يعلمون أن نظام الرئيس مبارك هو الذي حبس القوانين الاسلامية المقننة في أدراج مجلس الشعب منذ منتصف الثمانينات !!!، يزعم أخرون أن البرادعي مزدوج الجنسية فهو يحمل جنسية نمساوية أو سويدية، ومع أن البرادعي يصر في كل أحاديثه علي أنه لا يحمل الا الجنسية المصرية، الا أني أعتقد أن مزدوجي الجنسية قد يكون لهم ولاء مزدوج من الناحية النظرية فقط، فمعظم أقطاب النظام المصري – حاليا- ممن تلقوا تعليما بالخارج يحملون جنسية الدول التي درسوا بها و لكنهم يخفون ذلك !!، كما أن معظم الانجازات المصرية حدثت لمصر من حكام أجانب، فعمرو بن العاص أول حاكم اسلامي لمصر من قريش، يعني أنه يحمل الجنسية السعودية بتعبير اليوم، و صلاح الدين الأيوبي كردي من كردستان، و قطز من أواسط أسيا ومحمد علي من ألبانيا، كما أنه في وقتنا هذا يحمل نتنياهو حاكم اسرائيل الجنسية الأمريكية وهو يوظفها لمصلحة اسرائيل، ومع هذا فاني أقترح أن من يتول رئاسة مصر أو أي منصب وزاري يكتب اقرارا بالتنازل عن أي جنسية أخري ان وجدت حسما لأي جدل في هذا الصدد. ديكتاتوريات السابق كانت تهدف الي قوة الدولة لتحقيق هدف محدد، و من ذلك قول جورباتشوف في أخر خطاب له كأخر رئيس للاتحاد السوفيتي بعد انهيار الامبراطورية السوفيتية : انني أشعر بالأسي عندما أنظر الي المواطن الروسي باعتباره كان مواطنا لدولة عظمي يعمل لها العالم ألف حساب، و في الواقع المصري ربما كانت المعتقلات و التعذيب في السجون الناصرية لا يمكن أن يكون لها أي مبرر من الناحية الانسانية، غير أنه يمكن فهمها في ضوء المشروع التنموي الضخم لعبد الناصر، فقد استطاع بناء السد العالي وتأميم قناة السويس و اجلاء الانجليز و بناء ألاف المصانع و الاهتمام بالطبقة الوسطي و التعليم و الثورة الاجتماعية الهائلة، أما الأن فان الديكتاتورية المصرية تدار لمصلحة ثلة من رجال الأعمال تزداد ثرواتهم و تتضخم و لا تزداد الشعوب الا فقرا، الديكتاتورية لحماية رجال الأعمال الهاربين من العدالة من ممدوح اسماعيل الي هاني سرور، الديكتاتورية لحماية اسرائيل و ضمان تدفق الطاقة الي ألة الحرب الاسرائيلية رغم أنف المصريين جميعا. هل يستطيع النظام التمسك بعقارب الساعة عند زمن الديكتاتورية و تزوير الانتخابات أم تحدث قنبلة البرادعي تغييرا ما وهو ما يرجوه الوطنيون جميعا في مصر المحروسة ؟؟؟