لقد شاء قدرك أن تتولى شئون البلاد في ظروف غاية فى التعقيد، وفى ظل تركة ثقيلة من البطالة والديون والأمراض، وتهالك المرافق العامة، والفساد الضارب أطنابه في أنحاء المجتمع كافة، والبيروقراطية المتفشية في جميع قطاعات الدولة، والتي تشكل عقبة كئود في طريق أي إصلاح إلى غير ذلك من المشكلات التي يزخر بها المجتمع منذ سنوات طويلة في الوقت الذي ارتفع فيه سقف التطلعات والتوقعات عند الناس، وهى تطلعات لا تتناسب مع الواقع الذي نحياه بكل تعقيداته بعد الثورة التي ظن الكثير أنها تحمل عصا سحرية قادرة على حل جميع المشكلات، وتلبية كل الطموحات فور قيامها. فانطلقت المطالب الفئوية التى قد يكون الكثير منها معبرًا عن مطالب ربما تكون مشروعة لكن ظروف الدولة لا تتحملها، والبعض الآخر يتسم بالانتهازية واستغلال الظروف التى تمر بها الدولة من ضعف وكانت استجابة الدولة فى عهد المجلس العسكري للكثير من هذه المطالب دافعًا للمزيد من المطالبات والاحتجاجات والاعتصامات التي لا تتوقف، وتحمل الدولة أعباءً مالية أثرت في الاحتياطي النقدي وموازنة الدولة. فى الوقت الذى تعمل فيه قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج بدأب لإجهاض الثورة التى تمثل هاجسًا لبعض القوى الدولية والإقليمية التي لا تريد لهذا البلد الخير والاستقرار، وكذلك بعض الدول العربية التى تخشى وصول رياح الثورة إليها، وفى الداخل تعمل القوى التي تضررت مصالحها بقيام الثورة، والتي تخشى فتح ملفاتها - والتي بدأت تفتح بالفعل - على عرقلة الثورة من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام، وإنفاق المال على البلطجية، وإثارة أعمال العنف ونشر الفوضى. ولم تقف المشكلات الثقيلة عند هذا الحد بل نجد كثيرًا من قوى المعارضة تعمل جاهدة على نشر الفوضى وعدم الاستقرار والمشاركة فى أعمال العنف، وتقديم الدعم السياسي له في إطار المناكفة والكيد السياسي بعيدًا عن كل قيم الديمقراطية التى تدعيها بعد أن جعلت عداءها للتيار الإسلامي بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة - سواء حقدًا على من كانوا بالسجون أو مطاردين بالأمس ثم تبوءوا السلطة اليوم، أو معارضة لفكرهم، أو لإحساسهم بأنهم لم ينالوا شيئًا من حصاد الثورة - يعلو على مصلحة البلاد فسعى البعض لإشعال الحرائق واصطناع الأزمات لإفشال الرئيس والبعض يغازل الجيش ويعمل على جره لساحة العمل السياسى مرة أخرى، والبعض يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وهى دعوى لا معنى لها إلا نشر الفوضى وتغيير الرؤساء كما نغير ملابسنا. وسط هذه التركة والإرث الثقيل تقع على عاتقك مسئولية الخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم، وهي مسئولية عظيمة تتطلب الكثير من العمل والجهد والمتطلبات الذي يجب أن تتحلى بها القيادة السياسية التي تتولى الزعامة في تلك الظروف العصيبة والاستثنائية التي تمر بها الأمة عقب الثورة وعلى رأس تلك المتطلبات المصارحة والوضوح والحزم فى معالجة الأمور، ولقد ضرب لنا التاريخ نماذج للعديد من الزعماء الذين ألقى على عاتقهم تحديات كبيرة ومسئوليات جسيمة في مراحل معينة من تاريخ بلادهم فضربوا المثل في القدرة على الاستجابة لهذه التحديات، وتحقيق طموحات شعبهم دون أن يبالوا بالعقبات التى اعترضت طريقهم، والتي حاولت أن تصرفهم عن تحقيق أهدافهم. لقد تولى المستشار الألماني بسمارك منصب رئيس الوزراء فى "بروسيا" وسط تحديات خطيرة تحول دون تحقيق الشعب الألماني لطموحه في الوحدة فأعلن بسمارك أن الوحدة لن تتحقق إلا بالقوة واتبع سياسة الحديد والنار حتى استطاع بعزيمة قوية لا تلين تحقيق الوحدة الألمانية متخطيًا كل الصعوبات والعراقيل. وتولى" تشرشل" الحكم فى بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية في وقت عصيب وسط الهزائم التي لحقت بالحلفاء على يد هتلر والغارات الجوية الألمانية التي تدك لندن فكان في غاية الصراحة والقوة معلنًا للشعب البريطاني الحقيقة كاملة "ليس لدى ما أقدمه سوى الدم والعرق والدموع هدفنا العسكري النصر مهما كانت التكاليف النصر مهما طال المدى ومهما كان الطريق إليه شاقًا تعالوا نمشى إلى النصر متحدين" وكانت عزيمته القوية وسط الأخطار والهزائم أحد أسباب النصر على المحور. سيدي الرئيس لا سبيل إلا بمصارحة الشعب فهو السند لك بعد الله، وهو الذي سيتحمل فاتورة الإصلاح، وهو الذي سيتصدى لكل محاولات الإرباك والإفشال وإشعال النار هنا وهناك.. فقط الشعب يريد أن تصارحه بحقيقة الأوضاع في لغة بسيطة وسهلة بحقائق الوضع في المجالات كافة، وألا تتركه نهبًا للأقاويل والشائعات التي يختلط فيها الحق بالباطل. د.صفوت حسين مدرس التاريخ الحديث والمعاصر