أثناء سيري في إحدى المناطق التجارية، لفت نظري مخزن كبير ممتلئ بأقفاص الطماطم الخضراء، وكان هناك حوالي أربعة عمال يفردون الطماطم على الأرض ويرشونها بكميات كبيرة من مادة تشبه رمال الشواطئ، ذهبت إليهم وسألتهم عن طبيعة تلك الرمال التي يضعونها على الطماطم، فأجابني أحدهم ( هذا كبريت، ونحن نرشه على الطماطم حتى تأخذ اللون الأحمر) فاندهشت! وقلت له أليس في ذلك ضرر على الصحة؟ فقال لي: ( لا أبداً!، هذا يعطي الطماطم لون فقط، وليس له أية أضرار). تابعت الأمر وسألت عددا كبيرا من التجار عن هذه العملية الكبريتية فأجمع التجار على أنه نظراً لقطف الطماطم مبكراً، فإنها لم تكن اكتسبت لونها الأحمر المميز بعد، ولذا يتم رشها بهذا الكبريت الذي يكسبها اللون الأحمر، لكن رشه العشوائي وكما أوضح لي التجار يصيب ثمرة الطماطم بالعفن، وسرعان ما تفسد الطماطم المرشوشة بالكبريت. من وقتها أصبحت منتبهاً عند شرائي للطماطم لهذا النوع المرشوش بالكبريت، وصرت أتجنبه بشراء نوع آخر غير معالج بالكبريت، خاصة وأن هذا النوع المعالج كبريتياً وبالتجربة تكون فيه ثمرة الطماطم غير ناضجة من الداخل، وسرعان ما تفسد حتى مع حفظها بالثلاجة. راجعت المراجع الزراعية لأبحث عن علاقة الكبريت بالطماطم فوجدت أهل الاختصاص يقولون الآتي: ( تغيير لون الطماطم إلى الأحمر يتم بعملية تعرف بالتعفير بالكبريت أو الكبريت الميكرونى، حيث يقوم العمال بهذه العملية على عروش الطماطم وبذلك يتم التعفير، أو الأسهل أن تستعمل الرشاشة في التعفير وذلك إلى أن يتم تلوين الطماطم على فترات متقاربة. وبذلك سيتسارع تلوين الطماطم إلى اللون الأحمر على حساب النضج من الداخل، فحبة الطماطم بعد تلوينها تجدها خضراء من الداخل ولم تنضج بعد، وينصح بعدم اعتماد هذه الطريقة، وأن تترك الطماطم كي تأخذ وقتها في النضج خاصة أن الفارق الزمني قليل، وإن كان الثمن مرتفع في الأسواق فيجب أن يتم ترتيب توقيت زراعة الطماطم بالتقديم أو التأخير حتى يتناسب وقت جمعها مع ارتفاع السعر في الأسواق). وهذا الكبريت يصنفه العلماء على أنه من فصيلة المبيدات متوسطة الخطورة على صحة الإنسان؛ وبأية حال فإن توصيف الآثار السلبية والضارة لهذا الرش العشوائي للكبريت على صحة الإنسان بيد خبراء الصحة، وعليهم أمانة الكشف عن مخاطر تلك العملية العشوائية على صحة المواطن المصري. إن هناك نوع من الاحتيال والغش يتم الآن في الأسواق المصرية لسلعة تشكل "عامود المطبخ"، وحصيلة هذا الغش ( طماطم غير ناضجة - كمية ضخمة من مادة الكبريت لا نعلم على وجه الدقة مدى مخاطرها الصحية). ليبقى الخاسر في النهاية هو المستهلك المصري، إضافة إلى ضرب سمعة مصر في تصديرها للطماطم، فغالباً ما يتم رفض شحنات الطماطم المعالجة كبريتياً من دخول البلاد المصدرة إليها، وذلك بعد قطع تلك الشحنات لآلاف الأميال. إن حديثنا عن "الطماطم بالكبريت" يأتي في ظل هوجة إعلامية حول أحد أمراض الطماطم الواردة إلى مصر من إحدى دول الجوار، وقد يتم تصعيد الحديث عن الطماطم في الفترة القادمة لتحتل "البندورة الحمراء" مساحة إعلامية كبيرة، وأكثر ما أتخوف منه أن يكون هذا الكبريت هو الحل المصري السحري السري ل "كروتة" تلك الأزمة الوشيكة. لذا ينبغي النظر لموضوع الطماطم الكبريتية هذا بنظرة شمولية تضع في حسبانها عدة أبعاد: 1- مراقبة الله سبحانه وتعالى في التعاطي مع صحة العباد وأغذيتهم. 2- الوقوف بحزم قبالة قطف ثمار الطماطم المصرية قبل نضجها. 3- الوقوف بحزم قبالة كل مستخدم للكبريت في إكساب الطماطم اللون الأحمر المزيف. 4- بيان الموقف الصحي من الاستخدام العشوائي للكبريت، والطماطم غير الناضجة، ومخاطرهما على صحة الإنسان. ليبقى دور في النهاية يقع على عاتق المستهلك المصري، وذلك بمقاطعة هذا النوع من الطماطم، وعلى أثر المقاطعة سيتم تكبيد منتجي وتجار الطماطم غير الناضجة أعلى الخسائر، فيتجنبوا الغش في المواسم القادمة، ويرفعون شعار "نحن لا نبيع طماطم بالكبريت". [email protected]