الأخلاق فى المجتمع المصرى تدهورت تدهوراً لا يحفى على أحد وتدنت إلى مستوى لم تشهده البلاد من قبل خاصة بين تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات الذين نحسبهم أمل المستقبل . ومعنى ذلك أن تعليمنا فشل فشلاً ذريعاً يضعنا بلا منازع على رأس الأفشال فى العالم . وإذا أخفقت المؤسسات التربوية التعليمية بمختلف درجاتها عن النهوض بالأخلاق أو علاج ما يعتورها ، فأين يكون الأمل فى الإصلاح . لقد كان الظن أن تظل الجامعات على وجه الخصوص نماذج للأخلاق جديرة بالمحاكاة ، ولكن للأسف لم تتحمل هجوم المجتمع المحيط الآخذ فى التدنى وذلك بعد أن تسلل اليها فى غفلة من الزمان من لا يستحقون شرف الانتماء إليها . بالأمس كان للجامعة أعراف وتقاليد غير مكتوبة تمسّك بها الجميع ابتداء من أصغر معيد إلى أكبر أستاذ . كان الصغير يحترم الكبير ويوقره ، وكان الكبير يعطف على الصغير ويتعهده بالتربية الجامعية وإن أقرنت بشئ من القسوة الرحيمة . لم نكن نسمع عن دروس خصوصية يساق إليها الطلاب مجبورين ، ولا عن كتب جامعية مفروضة وإلا الرسوب ، كان الاستاذ يلتزم بمحاضراته فى أوقاتها المحددة ، بل وكان يدعو طلابه إلى محاضرات أضافية ، وكان الطلاب حريصين على الحضور ويتخذون أمكنتهم فى قاعات الدرس قبل أن يصل الأستاذ ، كان للمحاضرة وقارها وهيبتها . لم تكن المناصب الإدارية تشغل فكر الاستاذ ، كان يعزف عنها عن قناعة بأن الأستاذية تعلو ما عداها ، وإذا اقترنت بمنصب من المناصب العارضة تلوثت وتحول صاحبها من عالم إلى مجرد موظف إدارى . اليوم تبدلت الحال ... نسمع عن القرصنة العلمية ، بمعنى السطو على مؤلفات وأبحاث الغير ، الصغير لا يوقر الكبير ، والكبير يبتز الصغير ، أصبح للشهادات والدرجات العلمية تسعيرة ، الطلاب فقدوا القدوة وهم يرون أن أساتذتهم لا يدخلون قاعات الدرس إلا لتسويق كتبهم ومذكراتهم المنقولة من الغير . ويؤسفنى أن تصبح الجامعات سوقاً تجارية يمارس فيها الغش والتزوير والإبتزاز ، فضلاً عن أمور لا أخلاقية أخرى تطل براسها بين الحين والآخر. الآن يوجد بمراكز التطوير بالجامعات "لجنة أخلاقيات وآداب المهنة" ، ولسنا نعرف على وجه التحديد دورها خاصة وأننا لم نلمس أى تغيير فى السلوكيات الجامعية رغم مرور بضع سنوات على تشكيلها. ونخشى أن يكون من بين القائمين عليها بعض من باعة الكتب أو من محترفى الدروس الخصوصية أو من غير الملتزمين بواجباتهم . على أية حال على هذه اللجنة – كما يبين من اسمها – أن تعيد الجامعة إلى ما كانت عليه بالأمس . ولعل من أهم مهامها إيقاظ روح الإلتزام ، فالإلتزام قرين أى مذهب خلقى ، وإذا انكمش الإلتزام انعدمت المسئولية ، وعمت بعد ذلك الفوضى وساد الإضطراب ، وهو الوضع الذى نعايشه الآن . ومما لاشك فيه أن مهمة اللجنة – مهما عظم نصيبها من نزاهة القائمين عليها- شاقة إلى مدى بعيد ذلك أن للالتزام مصدرين ، الأول هو سلطة المجتمع ، والثانى قوة كامنة فى النفوس تدفعها إلى إعلان القيم الانسانية ، فكل أنسان يحمل فى نفسه "بذرة" الأخلاق التى يمكن أن تنبت وتصبح شجرة وارفة سامقة . ولكن سلطة المجتمع غالباً ما تطغى على تلك القوة ولا توفر للبذرة ما يعينها على الإنبات والنمو . فلا غرابة إذن فى أن التصرفات الإنسانية تعكس ما يسود فى المجتمع من فضائل أو رذائل . فحين يسود فى المجتمع الكذب والنفاق والغش والتزوير ، فلا غرابة فى أن يتحلى الفرد بكل هذه الرذائل ، ولا غرابة أيضاً فى أن يحكم الإنسان على الأفعال والتصرفات من خلال ضمير المجتمع وليس من خلال ضميره . مهمة اللجنة شاقة ، ولكن ليست مستحيلة ، عليها أن تبذل جهداً متواصلاً بلا ملل أو كلل لترسخ لدى المجتمع الجامعى أن الأخلاق هى العمل وفق مبادئ سوية ثابتة ، عليها تثقيف العقل والتعريف بمعنى الكرامة والعادات الصالحة ، عليها أن تبعث روح النظام بأعتباره عنصراً أساسياً للأخلاق ، وغيابه يفضى إلى فقد السيطرة على التصرفات . عليها أن توضح ضرورة التجرد من كل غرض ذاتى ، ومن كل سعى وراء لذة أو متعة مباشرة . عليها أن تؤكد على احترام ذاتية الآخرين ، إذ لهم كرامة يحرصون عليها ، كما نحرص نحن على كرامتنا . ويا أيها الجامعيون ! أعلموا أن الأستاذية عطاء وليست ابتزازاً ، تواضع وليست إستعلاءً ، تعلوا ولا يُعلى عليها ، قدوة يقتدى بها ونموذج يحاكى ، علم وأخلاق وليست منصباً عارضاً . وفى النهاية نرجو أن يكون التوفيق حليف هذه اللجان وان يجنبها شرار الناس . [email protected]