خيراً فعلت إدارة الأوقاف السنية في البحرين بالتراجع عن قرارها إيقاف الشيخ الدكتور فريد هادي خطيب جامع العدلية عن الخطابة. التراجع عن الخطأ فضيلة، خصوصاً حينما تقوم به إدراة حكومية مؤثرة كإدارة الأوقاف. فالقرار فاجأ الجميع وأدهشهم، ولأن الفعل كان كذلك.. كانت ردة فعل الجماهير السنية في البحرين كبيرة وغاضبة. ولذا كان لابد من إصلاح الوضع سريعاً قبل أن تصبح له تداعيات تفجر ما كان مختبئاً تحت الرماد. نقول القرار كان مفاجئاً ولم يكن موفقاً من عدة أوجه. فلا الأسلوب كان مناسباً للتعامل مع الشيخ، ولا التوقيت، ولا حتى السبب الذي قيل أنه حرّك إدارة الأوقاف لاتخاذ القرار. وأخيراً لم يكن القرار حكيما في إيقاف خطيب في مكانة الشيخ هادي، ولنبدأ من هذه النقطة. يُعد الشيخ الدكتور فريد محمد هادي من جيل العلماء الشباب المثقفين الذين مزجوا علمهم الشرعي بالثقافة الغربية. فهو حاصل على شهادتي دكتوراه الأولى من جامعة أدنبرة الاسكتلندية والثانية من المغرب. ولم يلبث بعد عودته من الدراسة في بريطانيا أن عُين رئيساً لقسم الدراسات الإسلامية واللغة العربية في جامعة البحرين. وظل في منصبه أربع سنوات حتى الشهر الفائت. وخلال مدة تجاوزت العشرين عاماً، أي بعد عودته من دراسة الماجستير في الرياض، عُرف الشيخ خطيباً مُفوها وداعية لفكر الوسطية والالتزام، ومتحدثاً باللغتين العربية والانجلينزية. واتسمت خطبه بالعمق الفكري واتساع أفق التفكير في قضايا الشريعة المعاصرة. وقد جرى تعيينه عضوا في العديد من لجان الفتيا في عدة بنوك اسلامية. كما أنه نائب رئيس رابطة علماء الشريعة في دول مجلس التعاون الخليجي، وعضو مؤسس لمعهد البحرين للعلوم الشرعية، وعضو مجلس أمناء جامعة مكةالمكرمة المفتوحة. شخصية علمية وأكاديمية بهذا الوزن والتاريخ كان من غير المستساغ إيقافها عن طريق اتصال من موظف صغير في إدارة الأوقاف. فهذا الأسلوب لا يليق مع مرحلة الانفتاح التي أطلقها جلالة ملك البحرين من خلال مشروعه الإصلاحي. كما لا يمكن قبول الاستهانة بمقام العلماء بهذه الطريقة. وحينما نقرر هذه الحقيقة فإننا في نفس الوقت لا نضع هالة قداسة على علماء دون غيرهم فالكل أمام القانون سواء. وقد أحدثت هذه الخطوة غير الموفقة من إدارة الأوقاف مرارة لدى الناس. فهي تذكرهم بأسلوب قديم في إسكات العلماء وتوقيفهم عن الخطابة. كما حدث في التسعينات الماضية من إيقاف الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل محمود وشقيقه الدكتور أحمد آل محمود، والشيخ العلامة نظام يعقوبي نابغة الإقتصاد الإسلامي في وقتنا المعاصر، اللذين مُنعا من تربية وتوجيه الجماهير فحرمت هذه الجماهير من علمهم وفقههم. وصارت المنابر في بعض الجوامع حكرا على أنصاف العلماء وحديثي التخرج. أما سبب التوقيف فهو رأي في قضية سياسية يختلف عليها الناس اليوم ليجمعوا عليها غداً، شأنها شأن عموم قضايا السياسة. والقضية المثارة كان لها بعدً إنساني وشرعي يختص بقضية الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر حول غزة المحاصرة، والتي يمكننا التحدث فيها دون انقطاع. فهي جدلية الصراع بين الحق والباطل. أي أن موضوع الخطبة والتي بسببها جرى التوقيف لم يكن بالسبب الذي ينال هذا القسط من الاهتمام. وأخيراً، فإن توقيت التوقيف لم يكن لصالح عامة الناس حيث مناسبة عاشوراء التي توقف فيها حكومة البحرين الدوام الرسمي. فالبحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي تمنح إجازة رسمية لكل قطاعات الدولة للاحتفاء بهذه الذكرى الخاصة بالأقلية الشيعية في البلاد. ففي هذا الوقت يكون الوضع متوتراً لتمرير المناسبة دون منغصات أمنية. وإضافة وجع آخر لسلطات الأمن من قبيل المس بعلماء أهل السنة لم يكن في صالح الأمن العام. لا سيما وأن أنصار الشيخ الدكتور فريد هادي قد توعدوا بتصعيد الأمر باعتصامات للتراجع عن قرار التوقيف. فضلاً عن ذلك، فإن إدارة الأوقاف قد شرعت في نفس الأسبوع في تنظيم ملتقى الائمة والخطباء التي نادت فيه بضرورة تطوير أدوات الخطابة لدى الأئمة والخطباء الشرعيين! ولذا نتمنى أن تكون هذه الحادثة بداية لعهد جديد يتناغم وأجواء الحرية التي تعيشها البلاد. ولابد من إعادة إجراءات توقيف الخطباء عن الخطابة بطريقة أكثر تعقلاً، وفي نفس الوقت أكثر مسؤولية، فتكون بقرار يمثل مجلس إدارة الأوقاف السنية لا أفراداً معينيين. مع أننا مع قرار يمنع توقيف الخطباء أصلاً، ولا يكون إلا بقرار من وزير الشؤون الاسلامية نفسه حماية لعلمائنا من أية إساءات. وكما بدأنا بشكر إدارة الأوقاف السنية، نكرر إشادتنا بإلغاء توقيف الشيخ فريد هادي. فلعلها خطوة قد طيّبت النفوس وطردت الشيطان. * أكاديمي بحريني [email protected]