لقد ملَّ المجتمع المصرى كثيرًا من الصراعات الدائرة بين السلطة الحاكمة والمعارضة؛ فالمواطن المصرى المكدود, لا يعنيه - فى قليل أو كثير - اختلافات الأفكار والرؤى والأطروحات بقدر ما يعنيه تحسين معيشته ووضعه الاجتماعى والاقتصادي، كما أنه لا يقيم وزنًا للتصريحات والخطب السياسية ولا لمظاهرات الثوار واعتصامات المحتجين؛ فكل همه أن يجد قوت يومه، ويشعر بالأمان على أولاده وأسرته. لذلك كان يجب على كل القوى السياسية أن تضع مصلحة المواطن الفقير على رأس أجندتها وأولوياتها، خاصة أن مصر ما بعد الثورة تمر بمحنة اقتصادية تتطلب من الجميع أن يصطفوا وطنيًّا لإيجاد الحلول والبدائل؛ للنهوض ببلادهم من هذه الكبوة. لكن المعارضة - للأسف الشديد - ضلت الطريق بعد الثورة، فراحت تُسارع لجنى الثمار التى لم تزرعها، وحصد المكاسب التى لم تعمل لإيجادها، فلما خرجت من الاستحقاقات الانتخابية خالية الوفاض؛ راحت تصنع الكوارث، وتثير الأزمات والمشكلات؛ من أجل إفساد المشهد السياسي، لقد تحولت إلى ما يُعرف ب"المفسِد السياسي"؛ من أجل عرقلة مسيرة الدكتور مرسى فى الحكم، حتى أضحت المعارضة تهدم ولا تبني، وتُفسد ولا تُصلح. وأصبح الصراع بين القوى السياسية صراعًا على المصالح وعلى السلطة، وليس للوطن والمواطنين فيه نصيب. نعم، لقد ضلت المعارضة الطريق؛ بعدما رفضت الحوار، واحتكمت لصندوق "المولوتوف" بدلاً من صندوق "الانتخاب"، وأرادت أن تفرض إرادتها لا أن تخضع لإرادة الجماهير. لقد تخبطت المعارضة أكثر وأكثر؛ حينما تحالفت مع القوى المعادية للثورة، لينفذ العنف إلى كل المظاهرات والفعاليات التى نظمتها "جبهة الإنقاذ"، ولتسيل دماء المصريين تلعن سافكيها، وتطارد كلَّ من تسبب فى تلك الكوارث، التى كنا فى غنى عنها لو لم تضل المعارضة الطريق. دعونا اليوم يعذر بعضُنا بعضًا من أجل الوطن الذى يعانى كثيرًا من المشكلات. لا نريد أن نبكى على أطلال الثورة المصرية العظيمة، التى تلاحم فيها الشعب المصري، فبهر العالم بقوة وحدته. تعالوا ندعو الله جميعًا من قلوبنا أن يهدى مصر إلى وفاق وطني، ومصالحة وطنية، ونظرة راشدة سديدة تعود بها مصر لريادتها. وعلينا أن يصبر بعضُنا على بعض، مع الالتزام بأدب الخلاف، وتكون خلافاتنا السياسية فى إطار الحب، دون أن يتهم أحدُنا الآخرَ بكفر أو فسق أو فجور. تعالوا نعمل من أجل الوطن، فنطرح الحلول للمشاكل التى تعانى منها الجماهير، وعلى رأسها أزمة السولار التى تؤرق المجتمع، وقد امتدت آثارها السلبية ليس على المواصلات والنقل فحسب، بل أيضًا تمتد آثارها السيئة إلى الزراعة ومحطات الكهرباء، هذا بالإضافة لمشكلة الأمن والبطالة. يجب ألا نقف مكتوفى الأيدى تجاه تلك الأزمات؛ فمصر ملك للجميع يشارك فى بنائها ونهضتها. وعلى القائمين على السلطة أن يسعوا لرد المظالم إلى أهلها ويعملوا على أنصاف فقراء الأمة الذين يتعدون 30 مليون مصرى، بعضهم يسكن القبور وأسفل الكبار والمناطق العشوائية لا يجدون شربة مياه نظيفة، بل بعضهم يأكل من القمامة.. البطء فى رفع الظلم عن الفقراء سيجعل مصر تعيش فى حالة دائمة من الارتباك والاضطراب، فضلا عن أن الله سوف يسألنا جميعا عن هؤلاء الفقراء.. وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدوى فى الآفاق إلى يوم القيامة: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن.. من بات شبعان وجاره جائع".