ضبط 10 تجار سجائر بالغربية يقومون بالبيع بأزيد من التسعيرة الرسمية    موعد صلاة المغرب.. ودعاء عند ختم الصلاة    صلاح عبد العاطي: واشنطن شريكة في الإبادة الجماعية بغزة عبر استخدام متكرر للفيتو    تقرير برتغالي: فيتوريا قد يعود لمصر من بوابة الأهلي    كنز تحت الأقدام.. اكتشاف آلاف الأطنان من الذهب في الصين والكمية لا تٌصدق    خلل صادم في كاميرا آيفون 17 يثير الجدل.. والشركة تكشف سر الصور المشوّهة    وزير الدفاع الإسرائيلي ل زعيم الحوثيين: سيأتي دورك    لم يُنزّل من السماء كتاب أهدى منه.. إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها    صحة دمياط تشكّل لجنة إشرافية مكبرة للمرور على مستشفى دمياط العام    "نأمل أن نعود مرة أخرى".. ملك إسبانيا يكتب رسالة بخط يده في الأقصر (صور)    الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع شنت عمليات قتل بحق المدنيين في الفاشر    نتنياهو: نوجه لحماس ضربات قوية ولن نتوقف    انخفاض أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الطلب تطغى على أثر خفض الفائدة الأميركية    الليلة.. لحظة الحسم في نهائي بطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025    منتخب الناشئات يواجه غينيا الاستوائية في تصفيات كأس العالم    اليوم.. استئناف الجولة الخامسة بدوري المحترفين    صور.. الوادي الجديد ينفذ "لياقة المصريين" للفتاة والمرأة بمراكز الشباب    بدء اجتماعات مصرية كورية لإنشاء مركز محاكاة متكامل للتدريب وإدارة المخلفات    محافظ البحيرة تشهد إيقاد الشعلة إيذاناً ببدء إحتفالات العيد القومي    ضبط 98.6 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    12 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب"السوق السوداء"    عمرو عبد الجليل في حفل افتتاح مهرجان بورسعيد السينمائي    ياسمين عبدالعزيز تظهر بالحجاب وتنشر فيديو من أمام الكعبة وداخل المسجد النبوي    صورة جديدة للزعيم عادل إمام تشعل السوشيال ميديا    وفاة شقيقة الفنان أحمد صيام    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    جامعة قناة السويس تستعد لاستقبال 45 ألف طالب في العام الجديد (صور)    وزير النقل يعلن فتح الطريق الدائري الإقليمي جزئيًا    خطيب المسجد الحرام يدعو للتحصّن بالقرآن والسنة: قول لا إله إلا الله مفتاح الجنة    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 19 سبتمبر 2025    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    «الصحة» تطلق خطة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع «التعليم» والأزهر    استشاري نفسي: تغير الفصول قد يسبب الاكتئاب الموسمي    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    تعليم القاهرة: انتهاء كافة الترتيبات لاستقبال 2.596.355 طالبا وطالبة بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بث مباشر ل نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    تعليم القليوبية يعلن جاهزية المدارس لاستقبال العام الدراسي الجديد    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    مصدر أمني ينفي صلة "الداخلية" بجمعية عقارية في دمياط    كومبانى: هوفنهايم منافس خطير.. لكننا فى حالة جيدة    غدًا.. انطلاق العام الدراسي الجديد في 12 محافظة بينها القاهرة والأقصر    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الخداع: الخنازير خيول....والثورة "حرب أهلية"!
نشر في المصريون يوم 03 - 04 - 2013

في سوريا روايتان للصراع. إحداهما، وهي السائدة، أن ثورة شعبية من رحم الشعب، تنتظم البلاد ضد نظام قمعي بمؤسساته "الأمنية" وتغوله في كل مفاصل الحياة والمجتمع، والثانية أن "حرباً أهلية"، مدفوعة بالطائفية، يحتدم أوارها، وتأتي على الأخضر واليابس. كل رواية تخدم طرفاً. الأولى بالطبع تعبّر عن أشواق السوريين إلى الحرية، وانفجار غضبهم على آل الأسد الذين استباحوا البلاد والعباد على مدى نصف قرن، والثانية تصب في خدمة دعاية هذه العائلة ومؤسساتها وأشياعها في سوريا ولبنان. روايات الصراع ليست مجرد كلام. عندما تكون ثورة، فإن الشعب يستحق التعاطف معه والانحياز إليه من أجل تلبية أشواقه في التغيير، ما يعني أن "المجتمع الدولي" مطالب بتدخل ما لوقف نزيف الدم، وردع المعتدي (النظام الحاكم) بطريقة أو بأخرى. لكن السيناريو يختلف عندما تكون حرباً أهلية، إذ يستوي عادة الجلاد والضحية، ويُعاملان تقريباً على قدم المساواة. هذا الوصف أطلقه الغرب على عدوان الصرب في البوسنة مطلع التسعينيات ليبرر وقوفه على "الحياد" فيما زعم، وقد عبر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية البريطاني آنذاك، دوغلَس هيرد، عندما قال إنه "لا توجد أيدٍ نظيفة في هذه الحرب"، وتكرر الخطاب عينه في دوائر صنع القرار في أميركا وأوروبا، وجرى التشديد مرة إثر مرة على عدم نجاعة أي تدخل في "حرب أهلية لا يُعرف فيها من يقتل من"!
المشهد في سوريا لا يختلف كثيراً عن البوسنة، بل إن أوجه الشبه مثيرة بين المأساتين بشكل لافت يذكرنا بمقولة: "التاريخ يعيد نفسه". تسمية هذا المشهد باسمه الحقيقي (الثورة) يعني شرعية مطالب الجماهير ووجوب الوقوف مع هبّتها. تسميته بالحرب الأهلية يعني حالاً "غير ثورية"، تتسيّدها الفوضى والعنف والاحتراب الأهلي بالغ التعقيد. وإذا أضيف إلى ذلك مسمى "الطائفية"، فإن الحرب تكتسب بعداً مجنوناً وعبثياً، يجعل التفكير بالتدخل ضرباً من العدمية لا يفضي إلا إلى مزيد من القتل، فكأن "المتدخل" يعمي العين من حيث أراد تكحيلها.
الثورة هي التوصيف الموضوعي لما يجري في سوريا منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011. من درعا انطلقت شرارة الثورة عندما هبّ أطفال كالورود معلنين رفضهم للتغول الأسدي الذي جثم طويلاً على صدور السوريين. وبعد ستة أشهر من التظاهرات السلمية اتجهت الثورة، مرغمة تحت آلة البطش، إلى العسكرة. في حمص، وفي بابا عمرو تحديداً، كانت نقطة التحول. أيقن السوريون حينها، وقد كانوا يعرفون من قبل، أنه لا مفر من اللجوء إلى السلاح للدفاع عن النفس. لا يراودني شك ألبتة أن معظم السوريين يدركون أن ما تشهده بلادهم ظاهرة ثورية نقية عفوية انفجرت كالبركان بعد عقود من القهر لم يعرف لها التاريخ العربي الحديث مثيلاً. وكانوا يدركون أن الطريق لن تكون سهلة، وأن التضحيات ستكون جمة.
خرج بشار الأسد مطلع الثورة ليهمهم: "طائفية". كان يريد ترويج رواية "الحرب الأهلية"، وربطها بتقسيم المجتمع وفق خطوط الطائفة. من وظائف الخطاب السياسي "التفسير والربط". كان بشار "يفسر" الثورة بطريقته، ويربطها بسياقات تخدم أجندته. وكما يحدث عادة في الخطاب السياسي، يخرج مسؤول آخر من نظام المستبد ليقدم "تفسيرات" تؤكد ما قاله الزعيم، وتوحي بأن تصريحه كان ذا مغزى. بثينة شعبان خرجت أمام الكاميرات لتروج لرواية "الطائفية"، رغم أن أحداً من المتظاهرين السلميين وقتها (وحتى بعد العسكرة) لم يظهر ما يوحي بالطائفية. غير أن تشديد آلة الدعاية الأسدية على "طائفية" الصراع لا يجسد سوى القلق الذي يستبد بآل أسد، وشعورهم بأن الأغلبية في سوريا قد ضاقت ذرعاً باستلابها وقهرها بذرائع مصطنعة (الخوف من الطائفية، الحاجة إلى المقاومة والممانعة)، وكأن هذه الأغلبية ترد على عصابة الحكم بالمثل العربي: "رمتني بدائها وانسلت"!
تعني رواية "الحرب الأهلية" أن الجماهير الثائرة غير سويّة وغير عقلانية وتصدر عن أجندة معادية للوطن. كان الأسد يسعى من خلال ضخ الرواية إلى التهديد بها، وجر البلاد إليها، فإما هي، وإما هو. مصطلحات مثل "الطائفية" و "الحرب الأهلية" و "الإرهاب" تهدف إلى نزع الشرعية عن الثورة، وتشويهها. حتى عسكرة الثورة لم تحدث إلا بعد ستة أشهر من احتجاجات سلمية كانت تتعرض لإطلاق النار، ويسقط فيها شهداء بالعشرات يومياً. كانت الدعاية الأسدية تردد أن التظاهرات غير سلمية، وأنها تطلق النار، وتستفز الجيش للدفاع. أسطورة صنعها الأسد وحاول ترويجها، ثم تحققت بالفعل. كان الأسد يخافها، ولكنه كان يتوقعها، ويعرف أنه لا مناص منها في النهاية. إنها أسطورة "العصابات المسلحة" التي ستعطيه الذريعة للانقضاض على الشعب وذبحه وتهجيره. نظر الأسد إلى الثورة بوصفها عدواً يجب سحقه بأي ثمن، ومهما طال الوقت، وأصم أذنيه عن أي نداء للسير ولو خطوة نحو منتصف الطريق.
ارتبك "المجتمع الدولي" في تعامله مع الثورة. أظهرت واشنطن وحلفاؤها تعاطفاً حذراً معها، لاسيما أنهم نظروا إليها في سياق "الربيع العربي" الذي أصاب دوائر صنع القرار الغربي بالصدمة. لم يصدق الغرب الدعاية الأسدية وسخر منها، ولكنه في الوقت نفسه لم يفعل شيئاً لحماية الشعب من القتل. وعندما شرعت الجامعة العربية والأمم المتحدة في "التوسط" وإرسال المندوب تلو الآخر، اتضح أن "المجتمع الدولي" بدأ يتبنى رواية "الحرب الأهلية" ويتعامل مع "الأزمة" من منظورها، لأنها تريحه وتخفف العبء عن كاهله. مادامت صراعاً على مكاسب ونفوذ، فلا مفر من التفاوض بين "الأطراف المتصارعة"، والوصول إلى "حلول توافقية" مع الحفاظ على بنية المؤسسة الحاكمة وإعادة الأمن والنظام إلى البلاد. تكرر توصيف "الحرب الأهلية" في الصحافة الغربية، وأشار إليه مراراً كوفي عنان ولخضر الإبراهيمي، لأنهما يعرفان أن هذا ما يداعب هوى "المجتمع الدولي" ويريد أن يسمعه.
المشكلة أن تأتي الطعنة من قريب، كما في اللقاء الذي أجرته صحافية عاملة في صحيفة الرياض مع الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية. ويُظهر تسجيل اللقاء أن طرح الأسئلة على الشيخ كان ساذجاً، ويشي بضحالة السائلة، وافتقارها إلى المهنية، ومحاولتها المكشوفة "تلقين" الشيخ الجواب. سألت الشيخ: "أنت عارف... "الربيع العربي" أو الخريف العربي..فيه الآن بتويتر اللي جالس يطلع فتاوى للجهاد في سوريا..أوكي؟ هل هناك جهاد في الحروب الأهلية؟". رد الشيخ مؤكداً صيغة السؤال قائلاً: "ينبغي للإنسان في مثل هذه الحروب الأهلية..."، ثم ربط في سياق اللقاء هذه الحروب بالفتن مؤكداً أن "الشرع يسعى لإخماد الفتن". صحيفة الرياض قوّلت الشيخ ما لم يقل في جانب، وأثبتت عليه من جانب آخر أقوالاً لا يستطيع نفيها. كان عنوان اللقاء مثلاً مضللاً، فالشيخ لم يقل: "ما يحصل في سوريا وبلاد الثورات حروب أهلية لا جهاد بها". هذا كان فقط "تفكير" الصحيفة، واستنتاجها. الشيخ، وإن وصف عرضاً ما يجري في سوريا بأنه "حرب أهلية"، و "فتنة"، وهو أمر مؤسف، إلا أنه لم ينص على أنه ليس جهاداً، كما أنه لم ينتقد تحديداً "دول الثورات".
نفى الشيخ فيما بعد وصفه الجهاد في سوريا بالحرب الأهلية مؤكداً أن الشعب السوري مظلوم، وأنه في جهاد مشروع، وعلى المسلمين نصرته، بحسب ما نقلت عنه صحيفة سبق. لكن الضرر وقع. وطارت مواقع شبيحه الأسد وماكينة دعايته بالفتوى، واحتفلت بها فضائيات "العالم" و "المنار" و "روسيا اليوم" وغيرها. موقف محزن حقاً، ويؤكد الحاجة إلى نقد الذات وتصحيح المسار، سواء لدى مروجي روايات "الحروب الأهلية" و "الخريف العربي"، أو حتى لدى علماء الدين الذين ينبغي أن يدركوا خطورة تصريحاتهم، وأن يستعينوا بمستشارين متخصصين، ويعيدوا النظر في تعاملهم مع صحافة تتراجع صدقيتها وتبحث فقط عما تشتهي سفنها.
اللغة ليست بريئة. إنها انتقائية ومؤدلجة. وقد درجت النخب وقوى النفوذ في الحكومات والميديا على إنتاج سلسلة من المفردات بهدف الاستتباع وصناعة القبول، وقمع أي محاولة لسبر أغوار اللغة. في مستهل ما وُصف ب "الحرب على الإرهاب"، وتحديداً في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 صرح جورج دبليو بوش أن "أفضل السبل للدفاع عن وطننا..؛ أفضل السبل للتأكد أن باستطاعة أطفالنا أن يعيشوا في سلام، هو نقل المعركة إلى العدو وإيقافه". الحرب إذن هي أفضل سبيل للسلام. ويعلق الأكاديمي الأميركي إرين مكارثي ساخراً على ذلك بالقول: "..ها نحن نعرف الآن، الخنازير خيول، البنات بنون، والحرب سلام".
رواية "الحرب الأهلية" في سوريا ليست إلا أنموذجاً على توحش اللغة الذي يرسم مشهداً زائفاً، ويقود، في التحليل الأخير، إلى مقاربة خاطئة.
*استاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود
https://twitter.com/LoveLiberty


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.